يتساءل الكاتب رايان كروكرهل إن كان مقتل قائد فيلق القدس الجنرال الإيراني قاسم سليماني عملا حربيا؟ ويقول في مقال نشرته صحيفة نيويورك تايمز إنه إذا كان كذلك، فإن هذه الحادثة ترتبط بحرب تعد الولايات المتحدة وإيران طرفين فيها.
ويضيف كروكر أن جذور هذه الحرب تعود إلى لبنان في أوائل ثمانينيات القرن الماضي، حين أنشأ أسلاف الجنرال سليماني ما يعرف اليوم بحزب الله اللبناني، وساهمت إيران بمساعدة من سوريا في التخطيط لتفجيرات استهدفت السفارة الأميركية والثكنات البحرية في بيروت عام 1983، وأسفرت عن مقتل 241 عسكريا أميركيا كانوا يشاركون في مهمة حفظ سلام.
وباعتباره وقتئذ موظفا شابا في وزارة الخارجية ناجيا من تلك التفجيرات، شاهد الكاتب كيف نجحت إيران في إجبار الولايات المتحدة على سحب قواتها من لبنان عن طريق الإرهاب.
ويضيف أنه ساعد في نقل رفات أميركيين اثنين قُتلا على يد حزب الله بصفته كان سفيرا لبلاده في لبنان، وهما عميل وكالة المخابرات المركزية ببيروت وليام باكلي، والعميد البحري وليام هيغينز، على متن طائرة مروحية قبل عيد الميلاد عام 1991.
عناق حميمي
وفي سوريا، شاهد الكاتب التنسيق بين سوريا وإيران من أجل دعم حزب الله، والعناق الحميمي بين الأمين العام لحزب الله حسن نصر الله والرئيس السوري بشار الأسد، كما حضر مراسم تكريم أعضاء خدمته الذين قُتلوا على أيدي الميليشيات الشيعية التي يدعمها سليماني، وذلك عندما كان سفيرا لبلاده في العراق بعد أعوام.
ويوضح الكاتب أنه عندما تأكد خبر مقتل سليماني شعر بارتياح داخلي، إذ رحل عدو كبير للولايات المتحدة لن يمكن استبداله بسهولة، وكان ذلك عزاء لمئات الأرواح الأميركية التي قتلها على مر السنين. لكن ما الذي سيحدث إثر ذلك؟
وهنا يشير الكاتب إلى أن الولايات المتحدة منخرطة في ما اصطلح على تسميته بـ”هيمنة التصعيد”، وهو يعني أن الولايات المتحدة تحتاج إلى حساب كيفية استجابة الخصم لفعل معين يصدر عنها، وتساءل: ما نقاط ضعف كل من الولايات المتحدة وإيران؟ واعتمادا على ردود فعل الخصم، ما خطوات الاستقصاء التي ستتبعها الولايات المتحدة؟ وكيف تزيد الولايات المتحدة من ألم الإيرانيين بينما تحرمهم من فرصة مواجهة التصعيد؟
ويمضي الكاتب قائلا إنه في ظل السياق المعقد لإيران، يصبح الوضع عبارة عن لعبة شطرنج متعددة الأبعاد، فلدى الولايات المتحدة قوات في العراق وسوريا، ولها وجود عسكري في جميع أنحاء الخليج، أي في الكويت والبحرين وقطر والإمارات والسعودية وسلطنة عمان، حيث تعتبر أهدافا محتملة، كما سيكون على الولايات المتحدة التشاور عن كثب مع إسرائيل.
تشغيل الفيديو
هيمنة التصعيد
ويوضح الكاتب أن “هيمنة التصعيد” ليست مقياسا بسيطا للقوة الغاشمة، وأنها تتعلق بمعرفة الطرف الأكثر عرضة للهيمنة، وذلك بناء على استعراض القدرات والتصميم وتحديد الأولويات والصبر.
ويقول إنه فهم ذلك في بيروت في الثمانينيات، عندما كانت إيران الفتية قادرة على إجبار الولايات المتحدة على الخروج من لبنان، حتى أثناء خوضها حرب استنزاف وحشية ضد العراق تحت حكم الرئيس العراقي الراحل صدام حسين.
ويقول إن محاولة هيمنة التصعيد الإيرانية قد تتضمن تهديدات وإجراءات ضد حلفاء الولايات المتحدة الإقليميين، وهجمات متواصلة على حركة ناقلات النفط في الخليج، وهجمات مباشرة على منشآت الولايات المتحدة في المنطقة.
اعلان
لكن الخيارات المتاحة لإيران ومؤيديها ليست حركية فقط، بحسب الكاتب، وحتى قبل استهداف سليماني في بغداد، طرحت الأحزاب السياسية المقربة من إيران إمكانية سن تشريع في البرلمان العراقي للمطالبة برحيل جميع قوات الولايات المتحدة من البلاد. ويوم الأحد، وافق المشرّعون العراقيّون على ذلك، وقد أشار رئيس الوزراء إلى أنه سيوقّع عليه.
ويضيف الكاتب أنه على الرغم من أن الولايات المتحدة في حالة حرب افتراضية مع إيران، فإن المواجهات تحدث في العراق، وفي حال إخلاء سفارة الولايات المتحدة في بغداد وفقدها القدرة على مراقبة الأحداث والتأثير فيها، فإن ذلك سيكون نصرا لإيران، وسيكون لدى الولايات المتحدة أيضا خيارات عسكرية لم تمارسها عام 1983، بما في ذلك الهجمات المباشرة الواسعة النطاق على إيران.
كما سيتعين على إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب فهم التعقيد الكامل للنزاع الذي فاقمته مؤخرا، وتجميع واستخدام مسؤولين كبار من المتخصصين في المنطقة، والعمل عن كثب مع الحلفاء ووضع حد للحرب التي طالت مدتها، وإلى الآن لم تتميز رئاسة ترامب بهذه السمات.
ويعرب الكاتب عن شعوره بالرضا عما حدث يوم الجمعة قرب مطار بغداد، مضيفا أنه يبدو أن سليماني سمح لغروره بالتغلب على الحكمة على مدى الأعوام القليلة الماضية، وأن القائد المتخفي خرج من الظلال، وعقد مؤتمرات صحفية وقام بجولات إعلامية.
ويختم بالقول: لقد كان هجوما مخططا له ومنفذا ببراعة، أسفر عن مقتل خمسة أشخاص، بمن فيهم الجنرال سليماني، وأبو مهدي المهندس زعيم مليشيا تدعمها إيران، وهو متورط في تفجير السفارة الأميركية في الكويت عام 1983.
الجزيرة