بغداد – يعتقد مراقبون أن فراغ القيادة الذي خلفه قائد فيلق القدس في الحرس الثوري الإيراني قاسم سليماني بعد مقتله على أيدي القوات الأميركية، ربما يؤثر في مستوى سيطرة إيران على الفصائل الشيعية المسلحة في العراق.
وعبر شبكة علاقات معقدة وتفاهمات تفصيلية، أنشأ سليماني شبكة من الميليشيات العراقية التي تتحرك على الأرض بتناغم، من دون أن تصطدم ببعضها البعض، رغم الطابع التنافسي الذي يحكمها.
وتضم هذه المجموعات الكثير من عناصر العصابات المتخاصمة بسبب صراعات سابقة تتعلق بالنفوذ والسيطرة في عدّة مناطق عراقية.
وتمكن سليماني من حشر جميع هذه التناقضات في جسم مكون من نحو 52 فصيلا مسلحا، تتفاوت في قدراتها وعدد أفرادها ومستوى تسليحها ونوعية المهام الموكولة إليها، وتحولت في العديد من الأوقات إلى قوة تفوق بما تملك إمكانيات الجيش العراقي نفسه.
ويمكن أن ينفرط هذا العقد بسهولة، في حال لم تتول هذا الملف شخصية تملك مواصفات سليماني نفسه، وهو ما يصعب توفره في المدى المنظور.
ورغم تكليف إسماعيل قاآني بخلافة سليماني على رأس فيلق القدس في الحرس الثوري، إلا أن صلاته بالعديد من زعماء الميليشيات العراقية لا تزال غامضة.
وبدأت إيران بمواجهة أولى اختباراتها في ساحة الميليشيات العراقية الموالية لها بعد مقتل سليماني الذي يوصف بأنه العقل المهيمن على أذرع طهران الخارجية.
ووفقا لمعلومات مؤكدة حصلت عليها “العرب”، فإن ممثلين عن الحرس الثوري الإيراني، حضروا اجتماعا ضم قادة بعض أبرز الميليشيات العراقية أو من ينوب عنهم، لتنسيق تحركات المرحلة المقبلة.
وتشير المعلومات إلى خشية إيرانية من تورط بعض الميليشيات في كسر حالة اللاّحرب التي بلغتها المواجهة بين واشنطن وطهران على الأراضي العراقية بعد موجة العنف المتبادل بين الطرفين خلال الأيام الماضية.
وألمح زعيم حركة عصائب أهل الحق قيس الخزعلي، الذي يوصف بأنه أكثر الشخصيات التي تقع في دائرة الاهتمام الإيراني بعد مقتل نائب رئيس هيئة الحشد الشعبي أبومهدي المهندس، إلى خطة التنسيق بين المجموعات العراقية، مشيرا إلى أن الهجمات التي طالت مبنى السفارة الأميركية في بغداد مؤخرا ربما تكون مفتعلة من جانب واشنطن نفسها.
وقال الخزعلي “يوما بعد يوم تثبت الولايات المتحدة الأميركية عنجهيتها وأنها لا يهمها شيء سوى تنفيذ مشروعها الخادم للكيان الصهيوني على أرض العراق والمنطقة”، مشيرا إلى أن “الموقف الأميركي الأخير الرافض للانسحاب الفوري من أرض العراق هو دليل على ما نقول”.
وبدا أن المهمّة الأساسية التي تريد طهران أن توكلها للميلشيات التابعة لها في العراق هي الضغط باتجاه إخراج القوات الأميركية من العراق، بطريقة منسّقة ومدروسة.
وأصدر البرلمان العراقي الأسبوع الماضي قرارا بإخراج القوات الأميركية من البلاد رغم اعتراض الكتل العربية السنيّة والكردية عليه.
وطلبت الحكومة العراقية، الجمعة من الإدارة الأميركية إرسال مندوبين إلى بغداد لوضع آلية لانسحاب آمن لقواتها من البلاد.
وردّت وزارة الخارجية الأميركية على الطلب العراقي بالقول إنّها لا تنوي مناقشة انسحاب القوات مع بغداد.
وقالت المتحدثة باسم الوزارة مورغان اورتيغوس في بيان “في هذه المرحلة، أي وفد يتوجّه إلى العراق سيكون مكلّفا مناقشة أفضل وسيلة لإعادة تأكيد شراكتنا الاستراتيجية، وليس مناقشة انسحاب القوات”.
وأضاف، الخزعلي، “كنا نأمل من الشعب الأميركي أن يضغط على حكومته من أجل سحب جنودهم وإعادتهم إلى موطنهم وتجنيبهم الدماء وكنا نأمل من الكونغرس الأميركي أن يكون على مستوى شجاعة مجلس النواب العراقي في اتخاذ القرار المناسب، ولكن هذا للأسف لم يحدث إلى الآن”. ومضى الخزعلي قائلا، “لذلك نجد أنفسنا مضطرين للقيام بواجبنا في إنهاء الاحتلال الأميركي من أرض العراق بشكل كامل”.
وأقر الخزعلي بـ“محدودية قدرة الجهات الرسمية في التصدي للغطرسة الأميركية”، مشيرا إلى أن “هذا حتم على المقاومين ومنذ فترة التفكير في تشكيل جبهة للمقاومة العراقية تأخذ على عاتقها القيام بهذا الواجب”.
وشرح الخزعلي، بأنه “ليس هدف هذه الجبهة تذويب فصائل المقاومة المنضوية فيها في عنوان واحد وإنما يحتفظ كل فصيل بقيادته وخصوصياته، وإنّما الهدف إيجاد أعلى مستوى تنسيق ممكن من أجل إنهاء الاحتلال الأجنبي في المجالات العسكرية والسياسية والإعلامية والثقافية والاجتماعية”.
ورجّح الخزعلي أن يكون الهجوم الذي استهدف الأربعاء السفارة الأميركية في بغداد من تدبير الولايات المتحدة، إذ “أن هذه ليست أول مرة تقوم (فيها) بذلك، من أجل التشويش وإرباك الوضع”.
وتعهد بأن الرد على مقتل نائب رئيس هيئة الحشد الشعبي أبومهدي المهندس لن يكون أقل من الرد الإيراني على اغتيال قاسم سليماني، نافيا استهداف البعثات الدبلوماسية مطلقا. وقال “حاليا لا نستهدف السفارة الأميركية، رغم الوجود العسكري والمخابراتي فيها وإنما يتركز عملنا على الوجود العسكري بالدرجة الأساس”.
وخاطب الخزعلي القوات الأميركية قائلا “بما أنكم رفضتم الانسحاب من أرض العراق فترقبوا الرد العراقي المزلزل، وإن غدا لناظره قريب”.
العرب