الباحثة شذى خليل*
على الرغم من التحايل الإيراني على العقوبات الأميركية، بكل الوسائل سواء من خلال عقد اتفاقات ثنائية وجماعية مُعلنة وغير مُعلنة، اوإحياء دور الوسطاء الذين يقومون بشراء النفط الإيراني محلياً، ومن ثم يعيدون بيعه في الأسواق العالمية تحت ستار أنهم من القطاع الخاص الإيراني وليسوا تابعين للحكومة”، وأسست “بورصة” في العام 2012، وهي التي يمكن استخدامها مستقبلاً من أجل عمليات التحايل التي يخطط النظام الإيراني للقيام بها، وبعض أوجه التبادل التجاري بالعملات الوطنية، هرباً من ضغوط الدولار والتحويلات المصرفية به، يبقى الاقتصاد الإيراني ضعيف وهش ومعرض للانهيار؛ هذا وهو تحت سقف “الاقتصاد المقاوم” الذي أرسته قيادة المرشد علي خامنئي منذ أعوام.
الذي يدخل ضمن الخطط الاقتصادية للحكومة، التي تمتلكها الحكومة والشعب لإحداث التطور الاقتصادي تدرج ضمن السياسات الاقتصاد”.
إذ جعل الاقتصاد المقاوم من خلال الاعتماد على الطاقات الوطنية وتسوية مشاكل المواطنين.. والسؤال الذي يطرح نفسه الآن، اقتصاد مقاوم ضد من؟
إذا كانت إيران قبلت شروط التفاوض بشأن برنامجها النووي مع مجموعة (5+1)، لتعلن أن علاقتها بالغرب بدأت صفحة جديدة، وأقدمت على صفقات اقتصادية مع ايطاليا وفرنسا وألمانيا بلغت مليارات الدولارات، وسمحت بعودة بعض الشركات الأجنبية للعمل على أراضيها.
وهل تملك إيران مقاومة الاقتصاد الغربي، وهي ترجو استثماراته خلال الفترة القادمة وتنتظر استقدام مواطنيه لإنعاش السياحة فيها؟.
لكن تغيرت التوقعات بالكامل.. فما بعد اغتيال قائد فيلق القدس التابع للحرس الثوري الإيراني، قاسم سليماني، مع بداية عام 2020، قد لا يكون كما قبله في عام 2019 وما سبقه.
وقبل مقتل سليماني، كان النائب الأول للرئيس، إسحاق جهانغيري، يصرّح بأن إجمالي عائدات البلاد خلال الأشهر التسعة الماضية من العام الإيراني الحالي، الذي بدأ في 21 مارس/آذار، بلغ 70 مليار دولار، عبر التبادل التجاري مع العالم، رغم ظروف العقوبات الأميركية الراهنة، كما نقلت عنه “وكالة تسنيم الدولية للأنباء”، متوقعاً ارتفاع حجم التبادل التجاري إلى 100 مليار دولار بنهاية العام الإيراني في 20 مارس/آذار 2020.
غير أن توقعاته هذه أصبحت اليوم مرهونة باتجاه تطوّر الأحداث عقب اغتيال سليماني، وان التوترات بين واشنطن وطهران وحلفائهما، لاسيما في العراق يدخل مرحلة تصعيد دراماتيكي وخطير للعنف في منطقة حيوية للاقتصاد العالمي، ففي هذه المنطقة الممتدة من العراق وحتى مضيق هرمز مرورا بالسعودية ودول الخليج، يتم إنتاج وتصدير أكثر نحو ربع استهلاك العالم اليومي من النفط.
وبما أن العنف والخوف من تبعاته يشكل أبرز عوامل تحديد مسار تطور الاقتصاد وآفاقه، فإن الأيام المقبلة ستكون كارثية بالنسبة لاقتصاديات الدول المعنية والاقتصاد العالمي على حد سواء، في حال تبادل ضربات عسكرية بين الولايات المتحدة وإيران، وبالأخص التهديد الاميركي على لسان الرئيس دونالد ترامب، الذي أعلن، أن الولايات المتحدة حدّدت 52 موقعاً حيوياً إيرانياً ستضربها إذا هاجمت طهران أي أميركيين أو أي أصول أميركية أو مصالحها، والتي ستكون مسرحها في دول الخليج والعراق، وبالأخص الدول التي تعتمد في اقتصادها على تصدير النفط بشكل شبه كامل كالعراق والسعودية، وتلك التي تعتمد بشكل كبير في تشغيل صناعتها كالصين والهند واليابان ودول آسيوية أخرى، والتي من المؤكد سوف تبحث عن بدائل استراتيجية كالغاز المسال ومشتقات النفط الصخري التي بدأت الولايات المتحدة بتصديرها إلى الاتحاد الأوروبي والهند والصين.
وكلما ارتفعت أسعار النفط، كلما تمكنت الولايات المتحدة من المنافسة أكثر في السوق، من خلال زيادة إنتاجها من النفط الصخري المرتفع التكاليف مقارنة بنفط الدول العربية.
الجدير ذكره هنا، أن الإنتاج النفطي الأمريكي وصل مؤخرا إلى مستويات قياسية بلغت نحو 13 مليون برميل يوميا، إلى جانب احتياطات تصل إلى نحو 500 مليون برميل، ومما يعنيه ذلك، تعزيز قدرة واشنطن على سد أي نقص في السوق العالمية ليس لأسابيع وحسب، بل ولأشهر عديدة.
وهو الأمر الذي يتوافق مع سعي الرئيس ترامب الحثيث إلى تعزيز دور الطاقة الاحفورية في الاقتصاد الأمريكي، وزيادة الصادرات منها إلى السوقين الأوروبية والآسيوية.
ومع استمرار تعطيل ضخ النفط الإيراني والفنزويلي، تصبح فرص واشنطن أقوى من أي وقت مضى، على طريق احتلال موقع اللاعب الأقوى في سوق الطاقة التقليدية.
وفي سياق المخاوف، وقد وصل صدى القلق بسرعة إلى وول ستريت والأسواق العالمية الأخرى التي تراجعت البورصات فيها خوفا من ارتفاع أسعار الطاقة، ومعها تكاليف الإنتاج والنقل، ما يعني تراجع التجارة العالمية، كما تراجعت عوائد السندات الأمريكية والأوروبية واليابانية، وهربت مليارات الدولارات إلى ملاذات آمنة، كالذهب والقيم الثمينة الأخرى، أما أسعار النفط، فسجلت ارتفاعا وصل إلى أكثر من ثلاثة دولارات لبرميل خام برنت الذي قفز سعره إلى نحو 70 دولارا.
العراق المواجهة الأصعب:
وفي العراق الذي أضحى من أهم الدول المصدرة للنفط، بدأ عمال وخبراء النفط الأمريكيين بمغادرة الأراضي العراقية، بعدما دعت الخارجية الأمريكية يوم الثالث من يناير 2020 مواطنيها إلى مغادرة العراق بشكل فوري، ولا يقلل من الانعكاسات السلبية لخطوة كهذه تأكيد السلطات العراقية على استمرار ضخ النفط بشكل اعتيادي واستمرار حركة الطيران في مطار بغداد الدولي.
أما في دول الخليج العربي، وعلى رأسها السعودية، تزداد المخاوف من تعرّض آبار ومنشآت نفطية حيوية لضربات عسكرية على غرار تلك التي أصابت شركة أرامكو السعودية في شهر سبتمبر الماضي 2019، وقد عطلت الضربة التي أصابت الشركة السعودية آنذاك نصف الإنتاج السعودي من النفط لعدة أسابيع، ويبلغ معدل الانتاج الحالي للرياض نحو 10 ملايين برميل يوميا.
كما أن التوترات ترفع تكاليف النقل والتأمين، بشكل يترك آثارا سلبية على نمو الاقتصاد العالمي، وخاصة على الصين والدول الصناعية الصاعدة التي تعتمد على استيراد النفط من الشرق الأوسط، وفي ألمانيا، حذر خبراء في معاهد اقتصادية رئيسية من ضغوط إضافية على الاقتصاد والشركات الألمانية التي تعتمد على التصدير بشكل كبير.
مضيق هرمز:
ومع تفاقم التوترات الجيوسياسية والعسكرية في منطقة الخليج، يرجع الحديث عن أمن مضيق هرمز، وهذه المرة في وضع عسكري اكثر صعوبة، وهو ما يقيد حركة ناقلات النفط، سواء تلك المُعلن عنها أو السريّة المخفية عن أنظمة تتبّع مسار السفن العالمية.
وهذا ما دفع بريطانيا إلى الإعلان عن أن بحريّتها ستباشر مرافقة السفن التي ترفع علم بريطانيا عبر مضيق هرمز، لتوفير الحماية التوترات بين واشنطن وطهران، علماً أن لندن اضطرت إلى مرافقة سفنها عبر أهم ممر مائي في العالم لشحنات النفط لفترة زمنية العام الماضي، بعد سيطرة كوماندوز إيرانيين على ناقلة نفط كانت ترفع العلم البريطاني في المضيق، بعدما احتجزت القوات البريطانية ناقلة نفط إيرانية قرب جبل طارق، لاتهامها بخرق العقوبات المفروضة على سورية.
لا شك في أن التوتّر في الخليج بين أميركا وإيران دخل الآن مرحلة جديدة لا يمكن التنبّؤ بسيناريوهاتها، بحسب مراقبين، خصوصاً في حال اتخذت مساراً هجومياً وانتقامياً بين الطرفين، ما من شأنه أن يكبّد إيران خسائر اقتصادية هائلة، ولن تكون اقتصادات المنطقة والعالم بمنأى عن نتائجه القاسية المباشرة وغير المباشرة، لا سيما في حال أصبحت المواجهة مفتوحة بلا ضوابط.
نستنتج أن التوترات السياسية بين واشنطن وطهران، جعلت مناخ الاقتصاد في كل منطقة الشرق الأوسط وخاصة في العراق وإيران ودول الخليج العربية حالك ومتشائم وغير واضح.
وحدة الدراسات الاقتصادية
مركز الروابط للبحوث والدراسات الاستراتيجية