لا تحصل الحكومات الغربية دائما على ما تريد، ولكن غالبا ما يدور الجدل حول النفط الذي ينظر إليه كعامل أساسي وراء الإجراءات التي يتخذها الغرب في الشرق الأوسط، كأكبر دليل على ذلك.
في يناير/كانون الثاني عام 2003 صرح رئيس الوزراء البريطاني «توني بلير» متحدثا باسم مجلس النواب في البرلمان البريطاني وقبل شهرين فقط من غزو الولايات المتحدة والمملكة المتحدة للعراق بأن هذا الغزو لا علاقة له بالنفط أو بأي من نظريات المؤامرة المطروحة.
الكاتب الصحفي «ديفيد أرونوفيتش» حلل خطاب «بلير» مستهزئا من أنه قد يؤلف كتابا يرفض فيه نظريات المؤامرة الشائعة. ويذكر أن أكثر من مليون شخص نزلوا شوارع لندن للتظاهر ضد الحرب المرتقبة في 15 فبراير/ شباط 2003 ويتساءل «أرونوفيتش» هل تصدقون بأن هذه الحرب من أجل النفط؟ لو كان ذلك صحيحا فلماذا كان الاهتمام بالنفط في كوسفو والبوسنة وأفغانستان أقل وقعا؟
في استطلاع للرأي أجرته منظمة «الزغبي» عام 2011 شمل 3000 شخص من الوطن العربي عبر 53% منهم أن ما يدفع السياسة الأمريكية للتدخل في الشرق الأوسط هو رغبتها في التحكم في النفط، ويرى أن الناس في جميع أنحاء العالم يرون أنها مقولة صحيحة. ففي استطلاع للرأي العام البريطاني أجرته مؤسسة «YouGov» أجاب معظمهم أن سبب غزو أمريكا وبريطانيا للعراق هو لتأمين وحماية إمدادات النفط.
فيا ترى من على حق؟ «بلير» وأنصاره من المتعلمين تعليما عاليا في وسائل الإعلام أم الناس العاديين في كل أرجاء العالم؟ لنلقي نظرة على الأدلة:
في وقت مبكر من ديسمبر/كانون الأأول 2001، كتب السكرتير الخاص ورئيس المخابرات العسكرية البريطانية قسم (6) لمستشار السياسة الخارجية لـ«توني بلير» بأن إزالة «صدام» من الحكم سيكون مكافأة رائعة تمنحنا أمنا جديدا للحفاظ على إمدادات النفط. ويبدو أن «النفط» لم يغب عن ذهن وزير الخارجية البريطاني «جاك سترو» عندما خاطب 150 سفيرا في يناير/كانون الثاني 2003 مؤكداً لهم أن تعزيز الأمن وإمدادت الطاقة العالمية يترأس قائمة أهداف السياسة الخارجية البريطانية.
ويبدو أن صانعو القرار السياسي في الولايات المتحدة قد توصلوا لنفس النتائج.
وقال وزير الدفاع الأمريكي «بول وولفويتز»، ردا على سؤال في مؤتمر الأمن في آسيا مايو/أيار 2003 حول لماذا غزت الولايات المتحدة العراق ولم تغزو كوريا الشمالية التي تملك مفاعلا نوويا، «انظروا في المقام الأول هناك فرق بين العراق وكوريا الشمالية وهذا الفرق بسيط ففي العراق لا يوجد لدينا خيارات اقتصادية في هذا البلد الذي يعوم على بحر من النفط». وقد أكد السيناتور الجمهوري «تشاك هجيل» والذي تواجد في المؤتمر والذي أصبح وزيرا للدفاع في 2013 ، مؤكداً على ما ذكره «ولفويتز»، قائلا «الناس يقولون أننا لا نقاتل من أجل النفط. بالطبع نحن كذلك. إنهم يتحدثون عن المصالح الوطنية الأمريكية. بحق الجحيم! عن ماذا يظنون أنهم يتحدثون؟ إننا لسنا هناك من أجل قطف التين».
تمَ الكشف مؤخراً عن رسائل بريد الكترونية لوزيرة الخارجية الأمريكية السابقة «هيلاري كلينتون» تشير فيها إلى مخاوف مماثلة بشأن موارد الطاقة والتي كانت وراء تدخل الناتو (حلف شمال الأطلسي) في ليبيا.
ذكرت صحيفة «المونيتور» الأمريكية على الإنترنت أن رسائل البريد الالكترونية أشارت إلى تجنيد عملاء فرنسيين سريين قاموا بتمويل الثوار الليبيين من أجل الإطاحة بنظام «القذافي». طبقا لبعض المذكرات التي نشرت في مارس/أذار 2011 أشارت المخابرات العسكرية الفرنسية أنها تتوقع تعاوناً من الحكومة الليبية الجديدة لصالح الشركات والمصالح الوطنية الفرنسية لا سيما صناعة النفط في ليبيا.
وفي ظل حالة الاضطراب السياسي الذي تشهدها قوات الحكومة الليبية قام السفير الأمريكي بإعادة فتح سفارة بلاه هناك. بالإضافة لذلك صرح السفير الأمريكي لجريدة نيويورك تايمز «نعلم جيداً أن النفط جوهرة ثمينة تتربع على عرش الموارد الطبيعية في ليبيا». لقد كانت ملاحظات السفير التى أرسلها للولايات المتحدة ودول غربية أخرى قليلة بشان المخاطر التى يواجهها الاقتصاد الليبي.
وفي تقييمه لدوافع تدخل الناتو في ليبيا يقول «جيلبرت اتشكار» أستاذ دراسات التنمية والعلاقات الدولية في كلية الدراسات الشرقية والأفريقية أن النفط هو المحرك الأساسي للولايات المتحدة والغرب ويتحدث عن الديمقراطية فيعقب لو لم يكن هناك نفط في ليبيا لما تدخلوا فيها.
وتؤكد دراسة حديثة أجراها أكاديميون في جامعة بورتسموث ما توصل إليه «اتشكار»، والتي نشرتها مجلة «حل الصراع» وأشارت الدراسة إلى أن 69 حرب أهلية وقعت ما بين العام 1945 و1999 وخلصت الدراسة إلى أن حجم التدخل الغربي يكون أكبر بكثير في الدولة المنكوبة التي تملك احتياطي نفط كبير من تلك التي لا تملك شيئاً.
أكبر منحة في العالم
هذه الأمثلة على الحروب التي قام بها الغرب في منطقة الشرق الأوسط مطابقة تماما للأحداث التي سجلها التاريخ سابقا، التاريخ يعيد نفسه حتى اللغة بقيت نفس اللغة. صرّح وزير الخارجية الأمريكي «كوردل هال» 1943 أنّ نفط السعودية يمثل أعظم منحة للعالم. كما قال رئيس الوزراء البريطاني «هارولد ماكميلان» في عام 1957 أنّ نفط الشرق الأوسط هو أكبر منحة أو جائزة للعالم. وأكدّ «ديفيد ويرنج» المحاضر في كلية الدراسات الشرقية والإفريقية في الشرق الأوسط على مصالح الغرب الكبيرة في المنطقة. مضيفا أن 40 أكاديمياً من الغرب أكدوا أن تورط أمريكا وبريطانيا في منطقة الخليج والشرق الأوسط ما هي إلا أولوية استراتيجية من أجل النفط.
وبالرغم من الاكتفاء الذاتي من الطاقة في أمريكا إلا أننا يجب أن نفهم أنّ التدخل الغربي في العالم العربي لم يكن من أجل التزود بالطاقة بل من أجل التحكم فيها.
ذكر «فيليس بنيس» التابع لمؤسسة الدراسات السياسية أن حرب الناتو 2011 على ليبيا لم تكن من أجل الوصول إلى النفط فقط ولكن بهدف السيطرة على السوق العالمية للنفط من خلال التحكم في إبرام العقود وكميات ضخ النفط وأسعاره وكذلك التحكم في المصادر الضخمة لإنتاج النفط .
وعبرّ مستشار الأمن القومي الأمريكي السابق «بريجنسكس» من وجهة نظر ميكافيلية، وتعقيبا على كلام «فيليس بنيس» أنّ لأمريكا مصالح استراتيجية واقتصادية كبرى تمليها عليها الإمدادات الهائلة للطاقة في الشرق الأوسط. ويلعب الأمن الأمريكي دوراً هاماً في المنطقة من خلال نفوذها السياسي على الاقتصاد الأوروبي والأسيوي والذي يعتمد على صادرات الطاقة من المنطقة.
من المهم أن ندرك أن الغرب يريد التحكم بإمدادات الطاقة في الشرق الأوسط ولكن ليس بالضرورة أن يحصل الغرب على ما يريد.
وكما يقول «دونالد رامسفيلد» أن الأمور تحدث فليبيا كانت غارقة في بحر من الفوضى والعنف في أرجاء كبيرة منها بسبب التدخل الغربي في 2011 فلم تستطع ليبيا أن ترفع من مستوى صادراتها من النفط. وفي العراق تم منح العديد من صفقات النفط المربحة لصالح روسيا والصين رغم أن كلتيهما كانتا معارضتين للحرب على العراق في 2003.
على العموم كل هذا وذاك لن يغير الحقيقة المزعجة وعلى الأقل لقادة الغرب وبعيدا عن نظرية المؤامرة يبقى النفط هو المحرك الأساسي لكل تدخلات وأفعال الغرب في الشرق الأوسط هذا ما يمكن للمرء إثباته بسهولة.
ترجمة: أسامة محمد
موقع الخليج الجديد