رأت مجلة “فورين بوليسي” أن محاولات الجمهورية الإسلامية الإيرانية تصوير نفسها كضحية للعدوان الأمريكي بعد مقتل أهم قادتها، قاسم سليماني تحولت إلى كارثة علاقات عامة. ففي تقرير أعده كولام لينتش وكيث جونسون ومايكل هيرش قالوا فيه إن الكارثة الإيرانية نبعت من ألاف المتظاهرين الذين تدفقوا إلى الشوارع احتجاجا على أكاذيب حكومتهم. فبعد 3 أيام من النفي أعلنت الحكومة مسؤوليتها عن إطلاق صاروخ أرض-جو الذي أدى لإسقاط الطائرة الأوكرانية وقتل مسافريها الـ 176 ومنهم إيرانيون وكنديون وسويدون وألمان. وجاء الاعتراف بعدما اكتشف محققون أوكرانيون آثار الصاروخ على حطام الطائرة بشكل قوض رواية الإيرانيين.
ويقول المسؤولون الإيرانيون إن الخطأ حدث بسبب حالة التأهب القصوى بعد الهجمات الانتقامية التي قامت بها إيران ضد قاعدتين عسكريتين في العراق الأسبوع الماضي. ولكن الاعتراف هو آخر سوء تمثيل للحكومة الإيرانية حيث استغل الرئيس دونالد ترامب وشجع المتظاهرين وحذر طهران من ممارسة القمع ضدهم. وأرسل ترامب الذي أمر في الثاني من كانون الثاني (يناير) بقتل سليماني رسالة صيغت بعناية وباللغة الفارسية عبر “توتير” قال فيها “لقادة إيران، لا تقتلوا المتظاهرين في بلادكم، فقد قتلتم وسجنتم الألاف والعالم يراقب. والأهم هو أن الولايات المتحدة تراقب، وأعيدوا الإنترنت واسمحوا للصحافيين التحرك بحرية”.
ويرى المراقبون أن التظاهرات العفوية تعتبر تحد قاتل لقادة النظام الذي كان قادرا على سحق تظاهرات سابقة. وكتب مستشار الأمن القومي السابق جون بولتون تغريده قال فيها “تغيير النظام أصبح قريبا”، إلا أن الآخرين حذروا قائلين إن سياسات إدارة ترامب ليس لديها إلا حظ قليل من النجاح في قلب النظام الإيراني. ويقول حسين إبيش، من معهد دول الخليج العربية ” لن يحدث” أي تغيير النظام. وأضاف أن إدارة ترامب حققت ما لم تحققه أي إدارة من قبلها عبر ممارسة أقصى ضغط وبناء استراتيجية ردع وأضرت بشكل كبير باقتصاد إيران. لكنه أشار إلى أن التاريخ فيه أمثلة قليلة عن تغيير للنظام بسبب الضغوط الخارجية بدون أن ترفق بقوة عسكرية.
وأشار إلى أن هذه السياسات قوت أنظمة من نظام فيدل كاسترو إلى نظام كيم جونغ- أون في كوريا الشمالية. وتشير المجلة إلى أن التظاهرات الغاضبة هي على طرف النقيض من المشاعر الحزينة التي عبر عنها الإيرانيون بعد مقتل سليماني. ففي عدة جامعات إيرانية هتف المتظاهرون قائلين “سليماني قاتل والقائد خائن” و “الموت للديكتاتور” في إشارة للمرشد الأعلى آية الله علي خامنئي. ودعا بعض المتظاهرين إلى عزل المسؤولين الأمنيين المتورطين في الخطأ الذي أدى لسقوط الطائرة ومن حاولوا التستر عليه. ومن المفارقة أن النظام قام بترتيب جنازة شعبية لكن أشرطة فيديو أظهرت طلابا في جامعة بهشتي وهم يحاولون تجنب الدوس على الأعلام الأمريكية والإسرائيلية التي وضعها المسؤولون الإيرانيون على الأرض. وتلقت الحكومة ضربة علاقات عامة عندما أعلنت البطلة الأوليمبية كيميا علي زادة الهروب من إيران قائلة إنها لا تريد أن تكون متواطئة مع “فساد وأكاذيب” النظام. وأشارت المجلة إلى أن التظاهرات الأخيرة لم تقتصر فقط على الطلاب بل والطبقة المتوسطة مقارنة مع احتجاجات الطبقة العاملة التي خرج أبناؤها إلى الشوارع العام الماضي. وترى المجلة أن تظاهرات نهاية الأسبوع هي نذير شر عما سيأتي خاصة أن الطلاب الإيرانيين لعبوا تاريخيا دورا مهما كطليعة للتغيير.
وجاءت التظاهرات الجديدة بعد موجات من التظاهرات التي شهدتها إيران البلاد احتجاجا على الظروف الاقتصادية الناجمة عن الضغوط الأمريكية والعقوبات التي فرضت عليها بعد خروج واشنطن العام الماضي من اتفاقية عام 2015 النووية. وردت طهران بالعودة لتخصيب اليورانيوم وهو ما دعا عدد من الدول الأوروبية مستعدة لقتل الاتفاقية. وترى المجلة أن خروج المتظاهرين أثر على جهود وزير الخارجية محمد جواد ظريف التقرب من الدول الأوروبية وتقديم إيران بأنها ضحية للتهور الأمريكي. ومن الأخطاء الأخرى التي أثرت على حملة العلاقات العامة الإيرانية هي احتجاز السفير البريطاني المؤقت في طهران بعد مشاركته بتظاهرة صامتة لإحياء ذكرى القتلى في الطائرة. وقال نائب وزير الخارجية عباس عراقجي مدافعا عن قرار بلاده “لم يتم احتجازه ولكن تم اعتقاله كأجنبي لم يتم التعرف من هويته في تجمع غير قانوني. وعندما أخبرني شخص باعتقال شخص يقول إنه سفير قلت مستحيل. وبعد محادثتي معه على التلفون وعرفت أنه ولم يقتض الأمر سوى 15 دقيقة وتم الإفراج عنه”.
وانشغل المسؤولون الإيرانيون بعد اعتراف حكومتهم بالمسؤولية عن إسقاط الطائرة. وقام العسكريون والسياسيون طوال السبت بتقديم اعتذارات عبر “تويتر” وعلى تأكيدهم السابق أن الطائرة سقطت بسبب عطل فني. وكان سفير طهران في لندن حامد بقي الدين نجاد قد أكد ان من المستحيل أن تكون حكومة بلاده مسؤولة عن إسقاط الطائرة. وبعد تأكيده في بيان عدم مسؤولية بلاده عن العملية قال عبر “تويتر” “أعتذر وأعبر عن ندمي لنشري معلومات غير صحيحة في ذلك الوقت”.
وحاول الدبلوماسيون الإيرانيون ومنهم السفير في لندن حماية الحكومة الإيرانية قائلين إن الحرس الثوري لم يصدر قراره بالمسؤولية إلا يوم الجمعة حيث تمسكت طهران قبلها بعدم المسؤولية عن الحادث. ولكم تكن كافية خاصة بعد خروج المتظاهرين إلى الشوارع حيث حملوا بلادهم المسؤولية وليس أمريكا، خاصة بعد كذبة أخرى قالت فيها إن الصواريخ الإيرانية قتلت 80 جنديا أمريكيا. ولم تصب الصواريخ التي أطلقت على قاعدتين في العراق أحدا، ولم تكن فعالة وأثرت في النهاية على مصداقية إيران. ورغم نفي إدارة ترامب سعيها لتغيير النظام في إيران ، إلا أن تغريداته تشير إلى أمر آخر، حيث شجع المتظاهرين.
وجاءت بعد تهديده بمسح المشاهد الثقافية الإيرانية. وقال في تغريدة “للشعب الإيراني المضطهد والشجاع: وقفت معكم منذ بداية رئاستي وستظل حكومتي معكم، ونحن نراقب احتجاجاتكم عن كثب وشجاعتكم ملهمة”. والسؤال هو عن الكيفية التي ستزاوج فيها أمريكا بين خطابها الداعم للشعب الإيراني في وقت تواصل فيه فرض عقوبات على حكومته كان آخرها فرض عقوبات على قطاعات صناعية مثل الحديد. ويرى خبير أن الضرر الأكبر الذي يعاني منه الإيرانيون نابع من العقوبات التي تضعف الاقتصاد. ويرى دعاة ممارسة الضغط أن زيادة العقوبات ستؤدي إلى تصدعات بين النظام والشعب تسرع من نهاية الحكم الديني. ورحب أنصار ترامب في الكونغرس بالتظاهرات التي رأوا فيها تأكيدا لصحة قراره بقتل سليماني.
القدس العربي