لماذا أدرجت إسرائيل تركيا على لوائح التهديد لأمنها القومي؟

لماذا أدرجت إسرائيل تركيا على لوائح التهديد لأمنها القومي؟

أدرجت شعبة الاستخبارات العسكرية الإسرائيلية (أمان) في تقديرها الاستخباراتي لعام 2020 تركيا ضمن قائمة المنظمات والدول التي تهدد الأمن القومي الإسرائيلي، لكن التقديرات الاستخباراتية استبعدت اندلاع مواجهة عسكرية بين البلدين.
وتأزمت العلاقات بين إسرائيل وتركيا عقب العدوان العسكري الإسرائيلي على قطاع غزة عام 2008، وتدهورت العلاقات الدبلوماسية لحد القطيعة أكثر في أعقاب اعتراض البحرية الإسرائيلية أسطول الحرية “مافي مرمرة”، في مايو/أيار 2010، حيث قتل الكوماندوز الإسرائيلي عشرة ناشطين أتراك.

وكشف النقاب عن التقرير الذي سُلم لصناع القرار في المؤسسة الإسرائيلية، في وقت تصاعد فيه التحريض الإسرائيلي على تركيا، بزعم تغلغل نفوذها في الشرق الأوسط والمياه الاقتصادية في شرق البحر المتوسط، وكذلك تعزيز نفوذها وحضورها بالقدس والداخل الفلسطيني من خلال تمويل الجمعيات ودعم الشراكة والتعاون مع فلسطينيي 48.

أعمال عدائية
ويدرج هذا التقدير للاستخبارات العسكرية تركيا لأول مرة على لوائح التهديدات، رغم الحفاظ على علاقات دبلوماسية رسمية بين تل أبيب وأنقرة.

وعزا “أمان” ذلك إلى ما وصفه “بالأعمال العدائية” المتزايدة التي تقوم بها تركيا في الشرق الأوسط، وفي شرق البحر المتوسط، وتعديل الحدود البحرية الاقتصادية مع ليبيا.

ولم تحدد الاستخبارات العسكرية في تقديراتها طبيعة ونوعية ومضمون التهديد الذي تشكله تركيا على الأمن القومي الإسرائيلي، لكنها قالت إن “السياسات التي يتبعها الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، الذي تحالف حزبه الإسلامي مع جماعة الإخوان المسلمين في الشرق الأوسط، كانت وراء القلق الإسرائيلي، إذ جعلت هذه الممارسات والسياسات تركيا واحدة من أكبر المخاطر الإقليمية التي يجب مراقبتها ورصد تحركاتها”.

ورجحت التقييمات الاستخباراتية أن تلك القضايا وما تحملها من تهديدات ليست متأصلة في عقلية أنقرة والنظرة الإسرائيلية المستقبلية لتركيا، بل تتلخص في شخص الرئيس رجب طيب أردوغان الذي يصدر تصريحات معادية لإسرائيل، ويعتمد نهجا متضامنا مع الشعب الفلسطيني، ويسمح للفصائل الفلسطينية بالعمل بحرية في بلاده، وعليه تقدر الاستخبارات العسكرية أن هذه التهديدات لن تبقى قائمة بعد رحيله عن الحكم.

تهديد وتقديرات
لا يقتصر التهديد وراء البحار، بل أيضا داخل فلسطين التاريخية، إذ يتم التحذير من تدفق المال التركي على فلسطينيي 48، عبر عشرات الجمعيات بالقدس والداخل الفلسطيني، التي تنشط في الدعوة الإسلامية ورعاية المقدسات والعائلات المستورة، وترميم آثار ومعالم بنيت خلال العهد العثماني، مثل مبنى الحاكم التركي في يافا، ومباني الإدارة العثمانية والمسجد الكبير في بئر السبع.

وقدمت تركيا نسخة من الأرشيف العثماني إلى السلطة الفلسطينية، الذي يضم عشرات الآلاف من وثائق التسجيل العقاري في أراضي الإمبراطورية العثمانية، التي قد تعيق على المدى البعيد قدرة إسرائيل على مواصلة السيطرة على عقارات اللاجئين الفلسطينيين.

وترى التقديرات الاستخباراتية الإسرائيلية أن أي وجود أو نشاط عسكري تركي في سوريا تهديد لمصالحها الإستراتيجية، كما أن توقيع اتفاقية ترسيم الحدود البحرية من تركيا وليبيا يعد انتهاكا لحقوق الحلفاء في قبرص وأثينا.

ويشكل النشاط التركي تهديدا لحرية الملاحة والتجارة البحرية والمصالح الإسرائيلية، ويضع مشروع خط أنابيب (East Med) الإسرائيلي لنقل الغاز الطبيعي من البحر المتوسط إلى أوروبا أمام تحديات وعراقيل قد تمنع إنجازه. علما أن أنقرة اقترحت إنشاء خط أنابيب غاز إلى ليبيا.

تحذيرات ودعم
ورغم هذه التحذيرات والتقديرات بشأن السياسات التركية وتهديدها الأمن القومي والمصالح الإقليمية الإسرائيلية، يرى مدير المعهد الإسرائيلي “ميتفيم” المتخصص في السياسات الخارجية لإسرائيل والشرق الأوسط نمرود جورن أن السياسة الخارجية لتل أبيب التي دأبت على إقامة تحالفات في حوض شرق البحر الأبيض المتوسط تحديدا بشأن قضية الطاقة والغاز؛ اهتمت بالحفاظ على قناة حوار واتصال مفتوحة مع تركيا.
اعلان

وأوضح جورن للجزيرة نت أن إسرائيل واصلت تأسيس وتعميق تعاونها مع قبرص واليونان ومصر في حوض شرق البحر المتوسط، وأيضا من خلال المشاركة في منتدى البحر الأبيض المتوسط للغاز، الذي أنشئ أوائل عام 2019 بالقاهرة. لافتا إلى أن العزلة المتزايدة لتركيا في المنطقة ونتائجها بدأت تؤثر سلبا على السياسة الإسرائيلية الإقليمية.

وأكد أن إسرائيل التي دعمت اليونان وقبرص بطريقة متنامية في نزاعاتهما البحرية مع أنقرة، حافظت في الوقت نفسه على قناة اتصال مع تركيا، وذلك رغم التوترات بشأن القضية الفلسطينية، خاصة حول القدس وقطاع غزة ونشاط حماس في تركيا.

ورغم تصاعد التوتر بين تل أبيب وأنقرة، فإن المتخصص في السياسات الخارجية لإسرائيل والشرق الأوسط يعتقد أن ذلك لم يصل إلى درجة أن تهدد تركيا الأمن القومي الإسرائيلي، ويرى أن إدراجها ضمن قائمة التهديدات قد يكون في محاولة لتوجيه رسالة حازمة لتركيا سعيا لاحتواء الأزمة بين البلدين.

من جانبه، يعتقد الباحث في شؤون “السايبر-البحري” إيال فينكوا، وهو ضابط احتياط بسلاح البحرية والاستخبارات؛ أن هذه التقديرات متبادلة بين تل أبيب وأنقرة، التي تعيش أيضا في قلق حيال التعاون والاتفاقات الموقعة بين إسرائيل ومصر واليونان وقبرص بشأن الحدود المائية الاقتصادية للدول، ودعم أميركا مثل هذا التعاون والاتفاقات.

عمليا، يقول الباحث الإسرائيلي “خلقت تركيا في شرق البحر المتوسط منطقة بحرية عازلة بين إسرائيل وأوروبا، مما خلق وضعا حيث تمر جميع السفن المطلوبة للإبحار بين إسرائيل وأوروبا عبر الأراضي التركية؛ حيث يمكن لتركيا صاحبة السيادة في هذه المنطقة، أن تؤخر السفن وتستجوبها وتوقفها، بل وتفتيشها، وستكون إسرائيل رهينة للقرار التركي”.

حالة نزاع
ويعتمد اقتصاد إسرائيل واستقلالها على البحر، فنحو 99% من التجارة من وإلى إسرائيل تشق طريقها عبر البحر، مما يعني وفقا للباحث الإسرائيلي أنه “بإمكان تركيا -ولو نظريا- تعطيل التجارة البحرية من دولة إسرائيل إلى أوروبا وأميركا، وكذلك نقل الغاز الإسرائيلي عبر خط الأنبوب البحري إلى أوروبا”.

ويرجح أن العمليات البحرية التركية يمكن أن تضر الاقتصاد الإسرائيلي، وتزيد تكاليف التجارة البحرية الإسرائيلية، كما يمكن أن تخلق حالة نزاع ليس فقط بين قواتها البحرية ومصر أو اليونان، بل أيضا بين السفن التركية والإسرائيلية. قائلا “مثل هذا الموقف يمكن أن يؤدي إلى تصعيد سياسي، وربما كان عسكريا بين البلدين، وإن كان الاحتمال ضعيفا”.

الجزيرة