بعد مناقشات طويلة، استغرقت نحو عام، تخللها توتر مكتوم، ظهر إلى العلن في مناسبات مختلفة، توصلت الولايات المتحدة وتركيا إلى اتفاق يسمح للأولى باستخدام المجال الجوي التركي والقواعد العسكرية الموجودة في أضنة (انجرليك) وديار بكر، في شن الحرب ضد تنظيم الدولة. وفي مقابل ذلك، وافقت واشنطن على إنشاء “منطقة آمنة” غير معلنة شمال سورية غرب نهر الفرات، تبدأ من مدينة جرابلس، وتمتد على مسافة 100 كم تقريبًا في اتجاه الغرب، وبعمق يصل في بعض المناطق إلى 50 كم داخل الأراضي السورية، كما وافقت على إطلاق يد تركيا في التحرك ضد التهديدات التي يمثّلها تنظيم الدولة وحزب العمال الكردستاني في سورية والعراق على أمنها ومصالحها.
على الإثر، أعلنت الحكومة التركية عن بدء عملياتها العسكرية ضد تنظيم الدولة، مستغلة تفجيرًا انتحاريًا نفذه أحد أفراد التنظيم (تركي كردي) في مدينة سروج الحدودية مع سورية، يوم 21 يوليو/تموز 2015. كما قصفت طائراتها، أول مرة منذ ثلاث سنوات، مواقع حزب العمل الكردستاني في إقليم كردستان العراق، ولم يخل الأمر من استهداف القوات التركية مواقع وحدات حماية الشعب الكردية عبر الحدود مع سورية.
دوافع تغير الموقف التركي
منذ سقوط الموصل في العاشر من يونيو/حزيران 2014، وتشكّل التحالف الدولي ضد تنظيم الدولة في سبتمبر/أيلول من العام نفسه، ظلت تركيا ترفض مطالب الولايات المتحدة بفتح مجالها الجوي وقواعدها العسكريّة أمام طائرات التحالف، أو المشاركة في عملياته العسكرية ضد التنظيم. وقد عقّد هذا الأمر الجهود العسكرية الأميركية لمواجهة تنظيم الدولة الذي بدت حركته أسرع أحيانًا من حركة الطائرات الأميركية التي كان عليها أن تنطلق من أماكن بعيدة، كالبحرين مثلاً، لضرب قوافل التنظيم أو تحشداته في سورية، بدل الانطلاق من القواعد الأطلسية الموجودة في تركيا، على بعد نحو 300 كم فقط من الحدود.
منذ سقوط الموصل في العاشر من يونيو/حزيران 2014، وتشكّل التحالف الدولي ضد تنظيم الدولة في سبتمبر/أيلول من العام نفسه، ظلت تركيا ترفض مطالب الولايات المتحدة بفتح مجالها الجوي وقواعدها العسكريّة أمام طائرات التحالف، أو المشاركة في عملياته العسكرية ضد التنظيم. وقد عقّد هذا الأمر الجهود العسكرية الأميركية لمواجهة تنظيم الدولة الذي بدت حركته أسرع أحيانًا من حركة الطائرات الأميركية التي كان عليها أن تنطلق من أماكن بعيدة، كالبحرين مثلاً، لضرب قوافل التنظيم أو تحشداته في سورية، بدل الانطلاق من القواعد الأطلسية الموجودة في تركيا، على بعد نحو 300 كم فقط من الحدود.
عكس هذا الموقف مدى التباين في رؤية الطرفين، الأميركي والتركي، لأبعاد الصراع في سورية والعراق وجوهره، إذ أصرت تركيا على أنها لن تكون جزءًا من الجهد العسكري للتحالف الدولي لمحاربة تنظيم الدولة، إلّا في إطار مقاربة شاملة، تؤدي إلى التعامل مع جذور الأزمة (نظام الرئيس بشار الأسد) التي أدت إلى نشوء الظواهر التي يحاول التحالف معالجتها (تنظيم الدولة). لذلك، ربطت تركيا مشاركتها في الجهد العسكري للتحالف بتحقق ثلاثة شروط؛ ألّا تستثني عمليات التحالف النظام السوري، وإقامة منطقة “آمنة” تشمل حظرًا للطيران شمال سورية، وتدريب المعارضة السورية المعتدلة وتسليحها لمواجهة النظام السوري وتنظيم الدولة معًا. لكن إدارة باراك أوباما التي كانت أكثر اهتمامًا بالتوصل إلى اتفاق مع إيران حول ملفها النووي اختارت عدم إثارة خصمها الإيراني على إرضاء حليفها التركي، فرفضت الاستجابة لأي من شروط أنقرة الثلاثة. لا بل تجاهلت اعتراضات تركيا، وذهبت في اتجاه اعتماد قوات الحماية الكرديّة التابعة لحزب الاتحاد الديمقراطيّ (PYD)، وهو الفرع السوري لحزب العمال الكردستاني، والمصنّف تركيًا وأميركيًا منظمة إرهابية، شريكًا ميدانيًا في الحرب على تنظيم الدولة في سورية، وقدّمت له دعمًا عسكريًا وماليًا، ولوجستيًا كبيرًا، مكّنه من طرد مقاتلي تنظيم الدولة من عين العرب (كوباني) في ريف حلب، وتل أبيض في ريف الرقة، والحسكة.
ساهمت السياسة الأميركية في تزايد نفوذ الـ (PYD)، وساعدته في تأمين تواصل جغرافي بين مناطق نفوذه في القامشلي وعين العرب، لا بل ودفعت قادته إلى التفكير في السيطرة على ريف حلب الشرقي والشمالي، للوصول إلى عفرين (أقصى الشمال الغربي)، وإقامة كانتون كردي (يسميه الحزب مشروع الإدارة الذاتية)، تمتد مساحته على كامل الشريط الحدود السوري التركي. إضافة إلى ذلك، ساعد الصعود الكردي في سورية في نشوء حالة من النشوة القومية لدى أكراد تركيا، انعكست، في بعض جوانبها، على سلوك الناخبين في المناطق الكردية في تركيا خلال الانتخابات البرلمانية الأخيرة، إذ انحاز معظم أكراد تركيا إلى حزب الشعوب الديمقراطية، ما ساهم في تجاوزه عتبة 10% اللازمة لدخول البرلمان، ممثلًا بقائمة حزبية أول مرة في تاريخ تركيا الحديث.
ظلت تركيا، طوال العام الماضي، تراقب عن كثب القتال بين وحدات حماية الشعب الكردية وتنظيم الدولة، بما هو صراع يفضي إلى إضعاف الطرفين، لكن محاولة تنظيم الدولة السيطرة على أعزاز في منتصف مايو/أيار الماضي، وهو نقطة العبور الرئيسة بالنسبة إلى قوات المعارضة السورية المتركزة شمال حلب مع تركيا، وسيطرة القوات الكرديّة على تل أبيض، في 15 يونيو/حزيران الماضي، دفعت أنقرة إلى تغيير حساباتها، خشية أن ينجح تنظيم الدولة في قطع مناطق شمال حلب عن تركيا، بعد إخراج قوات المعارضة منها، وأن ينجح الأكراد في إقامة كانتون على امتداد حدودها الجنوبية، وجعل سورية قاعدة لانطلاق مقاتلي حزب العمال الكردستاني ضدها، من جهة أخرى.
أدت كل هذه العوامل مجتمعة إلى تغيير الموقف التركي، وتسريع التوصل إلى اتفاق يسمح للطرفين بتحقيق جزء من أهدافهما. فبالنسبة إلى الأميركان، يزج الاتفاق بالجهد العسكري والأمني والاستخباراتي التركي الذي لا غنى عنه في المعركة لهزيمة تنظيم الدولة. وبالنسبة إلى تركيا، يسمح الاتفاق بإطلاق يدها لمواجهة المطامح الكردية في إنشاء كيان مستقل على حدودها مع سورية، وفي إنشاء منطقة آمنة خالية من تنظيم الدولة وقوات النظام السوري وتشكّل قاعدة لقوات المعارضة السورية، ومنطقة يمكن استيعاب الأعداد الكبيرة من اللاجئين السوريين فيها، بما يخفف الضغط على الداخل التركي، من الناحيتين الأمنية والاقتصادية.
ساهمت السياسة الأميركية في تزايد نفوذ الـ (PYD)، وساعدته في تأمين تواصل جغرافي بين مناطق نفوذه في القامشلي وعين العرب، لا بل ودفعت قادته إلى التفكير في السيطرة على ريف حلب الشرقي والشمالي، للوصول إلى عفرين (أقصى الشمال الغربي)، وإقامة كانتون كردي (يسميه الحزب مشروع الإدارة الذاتية)، تمتد مساحته على كامل الشريط الحدود السوري التركي. إضافة إلى ذلك، ساعد الصعود الكردي في سورية في نشوء حالة من النشوة القومية لدى أكراد تركيا، انعكست، في بعض جوانبها، على سلوك الناخبين في المناطق الكردية في تركيا خلال الانتخابات البرلمانية الأخيرة، إذ انحاز معظم أكراد تركيا إلى حزب الشعوب الديمقراطية، ما ساهم في تجاوزه عتبة 10% اللازمة لدخول البرلمان، ممثلًا بقائمة حزبية أول مرة في تاريخ تركيا الحديث.
ظلت تركيا، طوال العام الماضي، تراقب عن كثب القتال بين وحدات حماية الشعب الكردية وتنظيم الدولة، بما هو صراع يفضي إلى إضعاف الطرفين، لكن محاولة تنظيم الدولة السيطرة على أعزاز في منتصف مايو/أيار الماضي، وهو نقطة العبور الرئيسة بالنسبة إلى قوات المعارضة السورية المتركزة شمال حلب مع تركيا، وسيطرة القوات الكرديّة على تل أبيض، في 15 يونيو/حزيران الماضي، دفعت أنقرة إلى تغيير حساباتها، خشية أن ينجح تنظيم الدولة في قطع مناطق شمال حلب عن تركيا، بعد إخراج قوات المعارضة منها، وأن ينجح الأكراد في إقامة كانتون على امتداد حدودها الجنوبية، وجعل سورية قاعدة لانطلاق مقاتلي حزب العمال الكردستاني ضدها، من جهة أخرى.
أدت كل هذه العوامل مجتمعة إلى تغيير الموقف التركي، وتسريع التوصل إلى اتفاق يسمح للطرفين بتحقيق جزء من أهدافهما. فبالنسبة إلى الأميركان، يزج الاتفاق بالجهد العسكري والأمني والاستخباراتي التركي الذي لا غنى عنه في المعركة لهزيمة تنظيم الدولة. وبالنسبة إلى تركيا، يسمح الاتفاق بإطلاق يدها لمواجهة المطامح الكردية في إنشاء كيان مستقل على حدودها مع سورية، وفي إنشاء منطقة آمنة خالية من تنظيم الدولة وقوات النظام السوري وتشكّل قاعدة لقوات المعارضة السورية، ومنطقة يمكن استيعاب الأعداد الكبيرة من اللاجئين السوريين فيها، بما يخفف الضغط على الداخل التركي، من الناحيتين الأمنية والاقتصادية.
تداعيات التدخل التركي على الصراع السوري وأطرافه
من المبكّر الحكم على تأثير التدخل العسكري التركي الذي ما زال محدودًا بضربات جوية وقصف مدفعي عبر الحدود، في المسار العام للصراع السوري ونتائجه، لكنها ستطال مختلف أطراف الصراع على الأرجح، وفق الآتي:
1. تنظيم الدولة
سيكون تنظيم الدولة أبرز المتضررين من إعلان تركيا الحرب عليه لأسباب عدة:
• خسارته المتوقعة مساحات واسعة، تمتد من مدينة مارع في ريف حلب الشمالي إلى جرابلس في أقصى ريف حلب الشرقي، بكل ما تحتويه هذه المناطق من قيمة إستراتيجية (سدود مائية، ومحطات توليد كهرباء، ومصانع، وصوامع، وأراض زراعية)، ما سيؤدي إلى انعزاله في المنطقة الشرقيّة والبادية السورية، وسيقطع الطريق على مخططاته التوسعية، وهدفه المعلن بإقامة خلافة إسلامية بعاصمتين؛ الموصل في العراق، وحلب في سورية.
• افتقاده أي تواصل جغرافي مباشر بين تركيا ومناطق نفوذه، ومن ثمّ افتقاده أهم عنصرين في مقومات بقائه وتوسعه؛ المقاتلين الأجانب الراغبين في الانضمام إليه، وشبكات التهريب التي تؤمّن له مصدر تمويل مهم، بشرائها النفط الخام المنتج من الحقول السورية في دير الزور، وتهريبه إلى السوق التركية المتعطشة لهذه السلعة.
• تعرّضه للاستنزاف الدائم: فقرار الحكومة التركية المشاركة في الضربات الجوية، والسماح لطائرات التحالف باستخدام قواعدها القريبة من مناطق سيطرة التنظيم سوف يزيد من عدد هذه الضربات وفاعليتها، إذ لن تضطر طائرات التحالف للإقلاع من مناطق بعيدة (الأردن، ودول الخليج العربي)، والتحليق ساعات طويلة للوصول إلى أهدافها. كما ستمكّن القواعد التركية طائرات التحالف من التزود بالوقود بسهولة، ما يساعدها على البقاء في الأجواء ساعات طويلة، ويمنحها القدرة على رصد تحركات التنظيم ومتابعتها، وتحديث بنك الأهداف وتوسيعها، من دون الحاجة إلى جهد استخباراتي استثنائي.
• خسارة نينوى: يدرك تنظيم الدولة أنّ التدخل التركي لن يقتصر على سورية، بل سوف يمتد إلى العراق عبر الضربات الجويّة، أو عبر انخراطها في تدريب قوات محلية (عشائر)، وإعدادها وتسليحها لإخراجه من محافظة نينوى، عاصمة دولته وأهم معاقله.
2. النظام السوري
مع أنّ أنقرة لم تحقق شرط ضرب النظام السوري، بانضمامها إلى جهود التحالف الدولي ضد تنظيم الدولة، إلّا أنّ هذا لا يمنع استهدافه مستقبلًا، إذ حدد المسؤولون الأتراك ثلاثة أهداف للعملية العسكرية، هي محاربة التنظيمات “الإرهابية” الكردية، وتنظيم الدولة، وتحقيق الديمقراطية في الجوار (إشارة إلى نظام الأسد). فضلًا عن ذلك، لن تكون منطقة العمليات التي تنوي تركيا إقامتها داخل سورية، وعلى اختلاف مسمياتها (عازلة، آمنة …إلخ) خالية من تنظيم الدولة، أو القوات الكردية فحسب، وإنما من قوات النظام أيضًا، وخصوصًا المتمركزة في بعض مناطق ريف حلب الشمالي والجنوبي. حينئذ، سيكون النظام أمام خيارين؛ الانسحاب الطوعي وإفراغ تلك المناطق، أو الدخول في مواجهة مع تركيا، قد تدفعها إلى توسيع نطاق عملياتها وأهدافها. كما أنّ انسحاب تنظيم الدولة المتوقع من مناطق سيطرته في ريف حلب الشرقي والجنوبي قد تدفعه إلى التوسع في مناطق التماس مع قوات النظام، وخصوصاً في ريف حمص الشرقي، ما قد يعرّضها إلى مزيد من الخسائر والاستنزاف. عدا عن ذلك، سيبدد دخول تركيا في التحالف الدولي ما تبقى للنظام من آمال وطموحات مستقبلية في الانضمام إلى التحالف الدولي، واعتماد الغرب له شريكًا في مكافحة الإرهاب.
من المبكّر الحكم على تأثير التدخل العسكري التركي الذي ما زال محدودًا بضربات جوية وقصف مدفعي عبر الحدود، في المسار العام للصراع السوري ونتائجه، لكنها ستطال مختلف أطراف الصراع على الأرجح، وفق الآتي:
1. تنظيم الدولة
سيكون تنظيم الدولة أبرز المتضررين من إعلان تركيا الحرب عليه لأسباب عدة:
• خسارته المتوقعة مساحات واسعة، تمتد من مدينة مارع في ريف حلب الشمالي إلى جرابلس في أقصى ريف حلب الشرقي، بكل ما تحتويه هذه المناطق من قيمة إستراتيجية (سدود مائية، ومحطات توليد كهرباء، ومصانع، وصوامع، وأراض زراعية)، ما سيؤدي إلى انعزاله في المنطقة الشرقيّة والبادية السورية، وسيقطع الطريق على مخططاته التوسعية، وهدفه المعلن بإقامة خلافة إسلامية بعاصمتين؛ الموصل في العراق، وحلب في سورية.
• افتقاده أي تواصل جغرافي مباشر بين تركيا ومناطق نفوذه، ومن ثمّ افتقاده أهم عنصرين في مقومات بقائه وتوسعه؛ المقاتلين الأجانب الراغبين في الانضمام إليه، وشبكات التهريب التي تؤمّن له مصدر تمويل مهم، بشرائها النفط الخام المنتج من الحقول السورية في دير الزور، وتهريبه إلى السوق التركية المتعطشة لهذه السلعة.
• تعرّضه للاستنزاف الدائم: فقرار الحكومة التركية المشاركة في الضربات الجوية، والسماح لطائرات التحالف باستخدام قواعدها القريبة من مناطق سيطرة التنظيم سوف يزيد من عدد هذه الضربات وفاعليتها، إذ لن تضطر طائرات التحالف للإقلاع من مناطق بعيدة (الأردن، ودول الخليج العربي)، والتحليق ساعات طويلة للوصول إلى أهدافها. كما ستمكّن القواعد التركية طائرات التحالف من التزود بالوقود بسهولة، ما يساعدها على البقاء في الأجواء ساعات طويلة، ويمنحها القدرة على رصد تحركات التنظيم ومتابعتها، وتحديث بنك الأهداف وتوسيعها، من دون الحاجة إلى جهد استخباراتي استثنائي.
• خسارة نينوى: يدرك تنظيم الدولة أنّ التدخل التركي لن يقتصر على سورية، بل سوف يمتد إلى العراق عبر الضربات الجويّة، أو عبر انخراطها في تدريب قوات محلية (عشائر)، وإعدادها وتسليحها لإخراجه من محافظة نينوى، عاصمة دولته وأهم معاقله.
2. النظام السوري
مع أنّ أنقرة لم تحقق شرط ضرب النظام السوري، بانضمامها إلى جهود التحالف الدولي ضد تنظيم الدولة، إلّا أنّ هذا لا يمنع استهدافه مستقبلًا، إذ حدد المسؤولون الأتراك ثلاثة أهداف للعملية العسكرية، هي محاربة التنظيمات “الإرهابية” الكردية، وتنظيم الدولة، وتحقيق الديمقراطية في الجوار (إشارة إلى نظام الأسد). فضلًا عن ذلك، لن تكون منطقة العمليات التي تنوي تركيا إقامتها داخل سورية، وعلى اختلاف مسمياتها (عازلة، آمنة …إلخ) خالية من تنظيم الدولة، أو القوات الكردية فحسب، وإنما من قوات النظام أيضًا، وخصوصًا المتمركزة في بعض مناطق ريف حلب الشمالي والجنوبي. حينئذ، سيكون النظام أمام خيارين؛ الانسحاب الطوعي وإفراغ تلك المناطق، أو الدخول في مواجهة مع تركيا، قد تدفعها إلى توسيع نطاق عملياتها وأهدافها. كما أنّ انسحاب تنظيم الدولة المتوقع من مناطق سيطرته في ريف حلب الشرقي والجنوبي قد تدفعه إلى التوسع في مناطق التماس مع قوات النظام، وخصوصاً في ريف حمص الشرقي، ما قد يعرّضها إلى مزيد من الخسائر والاستنزاف. عدا عن ذلك، سيبدد دخول تركيا في التحالف الدولي ما تبقى للنظام من آمال وطموحات مستقبلية في الانضمام إلى التحالف الدولي، واعتماد الغرب له شريكًا في مكافحة الإرهاب.
3. حزب الاتحاد الديمقراطي
إنّ انضمام تركيا بثقلها العسكري والسياسي إلى التحالف الدولي يفقد قوات الحماية الكردية، بالتدريج، أهميتها ودورها الوظيفي، بصفتها شريكًا ميدانيًا للتحالف في قتال التنظيم ضمن الأراضي السورية، ويحرمها من زيادة نفوذها وتوسيع مناطق سيطرتها، ويقطع الطريق، نهائيًا، على مساعيها إلى ربط مناطق الإدارة الذاتية (القامشلي، وكوباني، وعفرين) جغرافيًا بعضها ببعض. كما يحدث خللًا في علاقات الحزب الكردي مع الولايات المتحدة، ولا سيما بعد موقفها المبهم من تعرّض قواته لقصف تركي، و”دعمها” الضربات الموجهة ضد حزب العمال الكردستاني، ما يدفعه إلى البحث عن تحالفات جديدة، تضمن بقاءه وتحفظ دوره المستقبلي. وفي هذا السياق، ألمح رئيس الحزب، صالح مسلم، إلى استعداده لقبول عودة الجيش النظامي إلى المناطق الكردية. ولكن، بعقلية جديدة وشروط جديدة، ووعد بأن تكون وحدات الحماية الكردية جزءًا من الجيش النظامي، إذا غيّر ما سمّاها “عقليته البعثية والمخابراتية”.
4. المعارضة
من المرجّح أن تكون فصائل المعارضة المسلحة في حلب أبرز المستفيدين من التدخل التركي، إذ يدفع ذلك عنها خطرًا وجوديًا في حلب وريفها الشمالي، ويوقف استنزافها، ويسمح لها بالاستفادة من سلاحها ومقاتليها المرابطين في مناطق التماس مع تنظيم الدولة، لإكمال معركتها مع قوات النظام في حلب، بعد إيقافها مرات عدة، إثر هجوم التنظيم على مواقعها وخطوط إمدادها، واستغلاله اشتباكاتها مع قوات النظام، للتوسع في المناطق التي تسيطر عليها. كما يساهم التدخل التركي في الدفع بعيدًا بقوات الحماية الكردية الطامحة لانتزاع ريف حلب الشمالي من فصائل المعارضة، بهدف فك الحصار المفروض عن عفرين، وربطها بباقي المناطق الكرديّة.
أما سياسيًا، فيأمل الائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة السورية أن يكون التدخل التركي مقدمة لإقامة منطقة آمنة، تشمل حظرًا للطيران، تسمح بعودته مع الحكومة المؤقتة إلى سورية، وتولّي إدارة ملفات إغاثية وإنسانية، لتخفيف المعاناة عن سكان المناطق المحررة، وجسر الهوة بين الخارج والداخل، وتنظيم العمل العسكري واتخاذ المنطقة الآمنة نقطة انطلاق لقوات المعارضة في عملياتها ضد النظام. إضافة إلى ذلك، يصب المسعى التركي لتحجيم (PYD)، وإيقاف تمدده في مصلحة الائتلاف، إذ يتهم الأخير (PYD) بالتحالف مع النظام وإيران، لضرب فصائل الثورة، ومنع القوى والأحزاب الكرديّة من الانضمام إلى مؤسسات المعارضة، واستغلال الصراع للانفصال وتأسيس دولة كردية في سورية.
ترتبط حدود التدخل التركي، مستقبلاً، بمحددات داخلية، لعل أبرزها شكل الحكومة الائتلافية، أو نتائج الانتخابات المبكّرة في حال قررت حكومة “العدالة والتنمية” الذهاب باتجاهها، والتكلفة التي يترتب على تركيا تحملها نتيجة قرارها التدخل عسكريًا ضد كل من تنظيم الدولة وحزب العمال الكردستاني، وأطراف دولية وإقليمية، حريصة على إفشال الهدف التركي المرتبط بدعم المعارضة الساعية إلى إسقاط نظام بشار الأسد، فضلًا عن حدود التفاهمات التركية – الأميركية، وحدود التغيير الذي تنشده واشنطن في المنطقة عمومًا، وسورية خصوصًا.
إنّ انضمام تركيا بثقلها العسكري والسياسي إلى التحالف الدولي يفقد قوات الحماية الكردية، بالتدريج، أهميتها ودورها الوظيفي، بصفتها شريكًا ميدانيًا للتحالف في قتال التنظيم ضمن الأراضي السورية، ويحرمها من زيادة نفوذها وتوسيع مناطق سيطرتها، ويقطع الطريق، نهائيًا، على مساعيها إلى ربط مناطق الإدارة الذاتية (القامشلي، وكوباني، وعفرين) جغرافيًا بعضها ببعض. كما يحدث خللًا في علاقات الحزب الكردي مع الولايات المتحدة، ولا سيما بعد موقفها المبهم من تعرّض قواته لقصف تركي، و”دعمها” الضربات الموجهة ضد حزب العمال الكردستاني، ما يدفعه إلى البحث عن تحالفات جديدة، تضمن بقاءه وتحفظ دوره المستقبلي. وفي هذا السياق، ألمح رئيس الحزب، صالح مسلم، إلى استعداده لقبول عودة الجيش النظامي إلى المناطق الكردية. ولكن، بعقلية جديدة وشروط جديدة، ووعد بأن تكون وحدات الحماية الكردية جزءًا من الجيش النظامي، إذا غيّر ما سمّاها “عقليته البعثية والمخابراتية”.
4. المعارضة
من المرجّح أن تكون فصائل المعارضة المسلحة في حلب أبرز المستفيدين من التدخل التركي، إذ يدفع ذلك عنها خطرًا وجوديًا في حلب وريفها الشمالي، ويوقف استنزافها، ويسمح لها بالاستفادة من سلاحها ومقاتليها المرابطين في مناطق التماس مع تنظيم الدولة، لإكمال معركتها مع قوات النظام في حلب، بعد إيقافها مرات عدة، إثر هجوم التنظيم على مواقعها وخطوط إمدادها، واستغلاله اشتباكاتها مع قوات النظام، للتوسع في المناطق التي تسيطر عليها. كما يساهم التدخل التركي في الدفع بعيدًا بقوات الحماية الكردية الطامحة لانتزاع ريف حلب الشمالي من فصائل المعارضة، بهدف فك الحصار المفروض عن عفرين، وربطها بباقي المناطق الكرديّة.
أما سياسيًا، فيأمل الائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة السورية أن يكون التدخل التركي مقدمة لإقامة منطقة آمنة، تشمل حظرًا للطيران، تسمح بعودته مع الحكومة المؤقتة إلى سورية، وتولّي إدارة ملفات إغاثية وإنسانية، لتخفيف المعاناة عن سكان المناطق المحررة، وجسر الهوة بين الخارج والداخل، وتنظيم العمل العسكري واتخاذ المنطقة الآمنة نقطة انطلاق لقوات المعارضة في عملياتها ضد النظام. إضافة إلى ذلك، يصب المسعى التركي لتحجيم (PYD)، وإيقاف تمدده في مصلحة الائتلاف، إذ يتهم الأخير (PYD) بالتحالف مع النظام وإيران، لضرب فصائل الثورة، ومنع القوى والأحزاب الكرديّة من الانضمام إلى مؤسسات المعارضة، واستغلال الصراع للانفصال وتأسيس دولة كردية في سورية.
ترتبط حدود التدخل التركي، مستقبلاً، بمحددات داخلية، لعل أبرزها شكل الحكومة الائتلافية، أو نتائج الانتخابات المبكّرة في حال قررت حكومة “العدالة والتنمية” الذهاب باتجاهها، والتكلفة التي يترتب على تركيا تحملها نتيجة قرارها التدخل عسكريًا ضد كل من تنظيم الدولة وحزب العمال الكردستاني، وأطراف دولية وإقليمية، حريصة على إفشال الهدف التركي المرتبط بدعم المعارضة الساعية إلى إسقاط نظام بشار الأسد، فضلًا عن حدود التفاهمات التركية – الأميركية، وحدود التغيير الذي تنشده واشنطن في المنطقة عمومًا، وسورية خصوصًا.
المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات