مثّلت الضربة الأميركية على معسكر تابع لكتائب حزب الله في منطقة القائم الواقعة على الحدود العراقية – السورية يوم 29 كانون الأول/ ديسمبر 2019، ثم الغارة الأميركية التي استهدفت الجنرال قاسم سليماني (قائد فيلق القدس التابع للحرس الثوري المسؤول عن العمليات العسكرية خارج نطاق الحدود الإيرانية)، وأخيرًا قرار مجلس النواب بشأن الوجود الأميركي في العراق.
وأعرب الرئيس الأمريكي دونالد ترامب عن رفضه فكرة الخروج من العراق، مهددا بفرض عقوبات كبيرة على بغداد إذا أجبرت القوات الأمريكية على المغادرة. وقال :” إذا طلبوا منا المغادرة، وإذا لم يحدث ذلك بطريقة ودية للغاية. سوف نفرض عليهم عقوبات لم يروا مثلها من قبل. إنها ستجعل العقوبات الإيرانية تبدو هينة بعض الشيء”. و“إذا كان هناك أي عداء، وقاموا بأي شيء نعتقد أنه غير مناسب، فسوف نفرض عقوبات كبيرة جدا على العراق”.
أثار ذلك القرار جدل وانقسام عراقي كبيرين، وفي حال خروج القوات الأمريكية بطريقية غير ودية- كما قال ترامب – نتساءل من هو الخاسرون والرابحون من ذلك الخروج؟
أما بالنسية للخاسرون سيكون العراق أبرز الخاسرين من الخروج، وسينعكس ذلك على الجانب الإقتصادي والعسكري العراقي، اقتصاديًا: لن يتمكن العراق من الصمود طويلاً بوجه العقوبات الاقتصادية الأمريكية المزمع فرضها على هذا البلد المثقل بالأزمات، في حال مضت حكومة تصريف الأعمال بتنفيذ قرار مجلس النواب القضائي بإخراج القوات الأمريكية من العراق.
وعن المخاطر المحتملة في حال فرض عقوبات على العراق من قبل الولايات المتحدة الأمريكية ومنها: إمكانية إيقاف تزويد العراق بالدولار النقدي، وهو إجراء سهل اتخاذه من قبل الولايات المتحدة نظرا لأن الدول لديها السيادة الكاملة على عملتها، وهذا من شأنه التأثير سلبا على ارتفاع سعر الدولار مقابل الدينار وهنا ليس للعراق خيار سوى الذهاب إلى التعامل بعملات أخرى مما سيحتاج إلى فترة ليست بالقصيرة، مثال ذلك التحول إلى التعامل بعملة اليورو، مما يعني الدخول بمفاوضات ليست بالهينة مع البنوك الأوروبية، اذْ أن معظم البنوك العالمية لديها شروط صعبة وقيود للتعامل مع العراق بوصفه بلدا غير مستقر ولديه مشاكل عديدة وسيتم التعامل معه بحذر شديد، فضلا عن أن التحول إلى عملات أخرى يتطلب تغيير السلوك التجاري للبلد.
ومن بين المخاطر المحتملة هو ذهاب الولايات المتحدة الأمريكية إلى «حرمان جهات معينة في العراق من القيام بنشاطاتها أو قد تصدر حظرا للتعامل معها من قبل معظم الشركات العالمية لما لها من تأثير على هذه الشركات (بشكل مباشر أو غير مباشر) تحكمها مصالح تلك الشركات، مثال على ذلك حظر التعامل مع شركات معينة مختصة بتسويق النفط العراقي.
وأن الخطر الآخر هو إدراج كيانات معينة بالحظر، هذه الكيانات قد تكون (أشخاصا أو شركات أو مصارف) إذْ تقدم الخزانة الأمريكية قائمة بأسماء محددة لحظر التعامل معهم بالدولار أو قد تقوم بتجميد أصولهم»، في حين أشارت إلى أن «الاحتمال الآخر هو تقديم طلبات من قبل الجهات الدائنة للضغط من أجل تعجيل تسديد ديونهم (دول أو أفراد) وبشكل فوري، وهنا نشير إلى أن العراق مديون بـ (28) مليار دولار كديون خارجية عدا الديون البغيضة (ديون دول الخليج) البالغة (41) مليار دولار، وبموجب اتفاقية الأمم المتحدة لحصانات الدول وممتلكاتها من الولاية القضائية عام 2004، المادة 21 الفقرة ج منها، فقد تحققت الحصانة على احتياطي البنك المركزي (غطاء العملة).
وفي حال جاء قرار الحكومة العراقية بسحب الأموال العراقية من الولايات المتحدة الامريكية وإيداعها في مصارف الدول الأخرى، إنه سيكون بدرجة الخطورة ذاتها، إذْ تنفذ البنوك العالمية قرارات الولايات المتحدة الأمريكية لوجود تأثيرات مباشرة وغير مباشرة عليها، فضلا عن أن أغلب المصارف العالمية ليس لديها الاستعداد للتعامل مع العراق بسبب ارتفاع درجة المخاطر فيها، ولابد من التنويه ان كل مدفوعات العراق هي بعملة الدولار، وعليه، فإن العراق سيخسر حال التحويل الى عملات أخرى (خسائر فرق التحويل).
ويعوّل العراق على النفط كمورد أساسي لموازناته المالية، والذي تحوّل أمواله بشكلٍ مباشر إلى البنك الفدرالي الأمريكي، وسط غياب شبه تام لإيراداته الأخرى من القطاعات التجارية والزراعية والصناعية وغيرها، والتي لا ترفد الناتج الإجمالي المحلي بشيء يُذكر.
ويرى المتابعون للشأن العراقي أنه في حال فرض عقوبات اقتصادية على العراق فأنه لا يمكن مقارنة الحصار الاقتصادي الذي تم فرضه على العراق في التسعينيات وكيفية ادارته وتدبير الأموال اللازمة لتسديد الالتزامات مع الوضع الراهن للعراق الذي لا يستطيع أن يتحمل هكذا صدمات، إذ يوجد فرق كبير في أعداد الموظفين ومن ثم الرواتب، فضلا عن وجود شركات صناعية رابحة آنذاك استخدمت أرباحها لتغطية الرواتب، ناهيك عن «مقدار الاعتمادات المستندية والتي جلها بالدولار وإلى وجود (14) مليار دولار مبالغ محجوزة لغرض تغطية استيرادات القطاع الحكومي وكفالات وزارة المالية. ومن تداعيات التهديد الأمريكي بتجميد رصيد العراق في بنك الاحتياط الفدرالي الأمريكي الذي يضم أموال النفط المودعة ولما لذلك من آثار كارثية على الاقتصاد العراقي، مؤكداين لا تغامروا باقتصاد العراق.
أما عسكريًا سيخسر العراق الكثير في حال خروج القوات الأمريكية من العراق، إذ يأتي العراق في صدارة الدول العربية التي تتلقى معونات أميركية، فقد حصل على 5.28 مليار، 89 في المائة منها للمجال العسكري. كما أن الولايات المتحدة هي المصدر الأساسي لتسليح الجيش العراقي، وجهاز مكافحة الإرهاب، وقوات الشرطة الاتحادية، وتقنيات المراقبة والتجسس لدوائر المخابرات والاستخبارات والأمن الوطني.
فالانسحاب سيدفع الولايات المتحدة للمضي في دراسة احتمال قطع المساعدات العسكرية للعراق، حيث تفكر الولايات المتحدة الأمريكية في إعادة النظر بالمساعدات العسكرية للعراق إذا قررت بغداد إنهاء الوجود الأجنبي على أراضيها. وذكرت صحيفة “وول ستريت جورنال” الأمريكية، في وقت سابق، أن وزارتَي الخارجية والدفاع، ناقشتا تخفيض قيمة المساعدات العسكرية بنحو 250 مليون دولار، وإعادة النظر في المساعدات العسكرية والاقتصادية الأخرى.
وكشفت الصحيفة أن مكتب شؤون الشرق الأدنى التابع لوزارة الخارجية الأمريكية تقدم بطلب لمكتب الإدارة والميزانية بالبيت الأبيض، عما إذا كان بإمكانه إلغاء الطلب البالغ 100 مليون دولار للسنة المالية 2021، بسبب الأوضاع الحالية في العراق. وأكد بيان لوزارة الخارجية أنه لم يتم اتخاذ قرار نهائي، لكن كبار مسؤولي الإدارة أمروا بمراجعة الأموال التي قد يتم الاحتفاظ بها أو إعادة تخصيصها في حال طلب العراق خروج القوات من أراضيه.
وإذا طبّق ترامب قراره بقطع المساعدات العسكرية الأميركية عن العراق، فإن ذلك سيخلق تداعيات على بنية المنظومة العسكرية، ويؤثر سلبا على إكمال تلك البنية وإعادة تأهيلها، بعد أن أنهكتها المعارك مع تنظيم داعش الإرهابي. وفي ظل عجز الموازنة والفساد المالي والإداري الذي يخيم على تكوين الدولة وأطرها وواجهاتها، لا سيما أن حسابات العراق محمية في البنك الفدرالي الأميركي.
تَعتبر جميع دول «مجلس التعاون الخليجي» تقريباً أن القوات الأمريكية في العراق هي الأساس للوحدات العسكرية الأمريكية التي تستضيفها على أراضيها، وعامل حيوي في دفاعها عن نفسها ضد إيران. وفيما يتخطى إطار الحكومات أو النخب فقط، أثبتت استطلاعات الرأي التي اُجريت مؤخراً في الكويت والسعودية وغيرهما من دول «مجلس التعاون الخليجي» أن شعور الامتعاض من إيران والمرشد الأعلى علي خامنئي والأطراف المدعومة من طهران أمثال «حزب الله» والحوثيين شائعٌ في جميع أنحاء الخليج. وفي السنوات الأخيرة، كان الدعم الخليجي للعراق متردداً وشحيحاً جداً رغم الضغوط الأمريكية. ولكن بعد الإجراء الأمريكي الحاسم الأخير ضد إيران في العراق، تحسّنت إمكانيات تقديم مساعدات أكثر سخاءً وإنشاء علاقات دبلوماسية أكثر متانة.
وفي وقت لاحق من هذا العام، من المتوقع أن تبدأ دول «مجلس التعاون الخليجي» بتزويد العراق بالكهرباء ليخفّ اعتماده على الإمدادات الإيرانية. وفي الوقت المناسب، إذا بقيت الولايات المتحدة منخرطة في الأحداث، فقد يتحوّل العراق من تهديدٍ إلى شريكٍ مع حلفاء عرب آخرين في المنطقة. أما إذا انسحبت أمريكا، فقد تنظر بعض الحكومات وشعوبها إلى العراق على أنه دولة تابعة لإيران حتى بدرجة أكبر، إن كان ذلك بسبب أغلبيته الشيعية أم بسبب مغادرة القوّة الموازنة الرئيسية. كما أن استعداد هذه الحكومات للاعتماد على الضمانات الأمريكية – المشكوك فيها أصلاً – سيتراجع أكثر بعد. ومن شأن كل ذلك أن يزيد الضغوط التي تشعر بها دول «مجلس التعاون الخليجي» لإرضاء إيران، مما يعني فعلياً انتزاع هزيمة أمريكية من بين أنياب النصر.
من شأن الانسحاب الأمريكي أن يحدّ بشكل جذري من قدرة القوات الأوروبية على الاستمرار بتدريب قوات مكافحة الإرهاب العراقية. على سبيل المثال، سبق وأن أعلنت ألمانيا وكندا أنهما تزمعان إخراج جزء من وحداتهما الصغيرة بسبب انعدام الأمن في الوقت الحالي، على الرغم من أن فرنسا تخطط للبقاء في العراق.
وفي المقابل، إذا حسّنت الولايات المتحدة أداءها في العراق – ليس فقط عسكرياً بل سياسياً واقتصادياً أيضاً – فمن المرجح أن يتم تقاسم الأعباء مع الحلفاء بشكل أفضل. بالإضافة إلى إلى ذلك، يتمثّل الهدف الأكبر للوجود العسكري الغربي في العراق بمعالجة بعض القضايا التي مهّدت لنشوء تنظيم داعش الارهابي، وتحديداً انعدام الأمن وتهميش السُنّة وغياب التنمية الاقتصادية. إن ذلك يساعد على فهم سبب رد العواصم الأوروبية بحذر شديد على اغتيال سليماني، بإشارتها إلى مسؤوليته الأوّلية عن التصعيد ودعوتها لجميع الأطراف أيضاً إلى فك التصعيد في المرحلة المقبلة.
أما عن الرابحون من الخروج الأمريكي من العراق تأتي كل من إيران وتنظيم داعش الارهابي في مقدمة. لطالما إيران سعت لطرد الولايات المتحدة من العراق، التي تشترك معها في حدود برية طويلة، خوفا من تطويقها من قبل جيش معاد، وبالتالي فإن الولايات المتحدة إذا قررت الانسحاب في أعقاب الضربة التي وجهتها لسليماني، فستوفر لإيران عددا من المزايا لتعزيز موقفها، على المدى قصير الأمد والمدى طويل المدى.
فعلى المدى القصير؛ فإن الانسحاب سيقدم انتصارا رمزيا لمكانة إيران الإقليمية والعالمية؛ حيث يرى البعض أن قتل سليماني قد أدى الى هذه النتيجة بالفعل؛ أنه في أعقاب المظاهرات المناهضة لإيران في العراق ولبنان، وفي أعقاب احتجاجات إيران في نوفمبر 2019 التي أسفرت عن حملة قمع وحشية ضد شعبها، ساعد مقتل سليماني الحكومة الإيرانية على دعم موقفها الإقليمي والمحلي»؛ وبالتالي فانسحاب الولايات المتحدة بعد ذلك مباشرة، من المحتمل أن يدفع إيران لتصوير ذلك باعتبار أن إدارة ترامب قد تركت العراق خوفا من انتقام إيران ووكلائها الإقليميين، مما يسمح لها بادعاء النصر على «الشيطان الأكبر» ومن ثم تشجيع مؤيديها.
أما على المدى الطويل؛ فسيسمح الانسحاب الأمريكي لإيران بتوسيع نفوذها الكبير بالفعل في العراق، أنه من شأن سحب القوات الأمريكية؛ أن يترك العراق بالكامل تحت رحمة إيران؛ حيث أنه من المؤكد أن غياب القوات الأمريكية والمستشارين المدنيين في البلاد سيخلق فراغا سياسيا تستطيع إيران المناورة فيه؛ وأن تخلى ترامب عن العراق سيتركه للنفوذ الإيراني تماما، ومن ثم يمنح سليماني هذا النوع من النصر بعد وفاته والذي لم تتيحه إدارة ترامب سابقًا عندما كان على قيد الحياة.
ولعل الأمر الأكثر خطورة هو أن إيران ستتاح لها الفرصة لتوسيع هيمنتها العسكرية في العراق وسط غياب القوات الأمريكية على الأرض لتكون بمثابة رادع، وذلك بشكل أكبر مما تمارسه طهران بالفعل من سيطرة كبيرة على الجيش العراقي من خلال وحدات الحشد الشعبي، التي تعمل كوكيلها المحلي في العراق؛ وإن عواقب مطالبة القوات الأمريكية بالمغادرة قد تكون خطيرة للعراق وقد ينتهي بها الأمر بشكل أساسي إلى تسليم السيطرة الأمنية للفصائل المؤيدة لإيران داخل أجهزة الأمن.
إلى جانب قيمة العراق الجيوستراتيجية والسياسية، تُعتبر هذه الدولة اليوم من كبرى الدول المصدّرة للنفط في العالم، مع احتياطيات ضخمة على المدى الطويل. وإذا بقي الوجود الأمريكي على ما هو عليه، فسوف تجني اقتصاديات الولايات المتحدة والعراق، والاقتصاد العالمي هذه الفوائد معاً. ولكن إذا غادرت الولايات المتحدة، سوف تزداد فعلياً سيطرة إيران على موارد الطاقة والموارد المالية الضخمة، وتحول دون استخدامها في مشاريع التنمية العراقية لكي تتجنب العقوبات وتدعم طموحاتها بالهيمنة إلى حدٍّ كبير.
أما الرابح الثاني من خروج القوات الأمريكية من العراق، تنظيم داعش الإرهابي حيث يأتي داعش باعتباره الخطر الثاني المستفيد المحتمل من مسألة الانسحاب الأمريكي؛ فلقد ساعدت واشنطن عددا من الفصائل في القضاء على عناصر داعش في العراق بحلول نهاية عام 2017, فالولايات المتحدة لعبت الدور الأكثر أهمية في محاربة تلك الجماعة الإرهابية من خلال توفير القوة الجوية والتكنولوجية الأساسية التي ساعدت في تقويض قدرات الفصائل القتالية وإحكام السيطرة الأمريكية على الأراضي العراقية في المقابل؛ وعند الوضع في الاعتبار عمل القوات الأمريكية في البلاد في الوقت الحالي كرادع ضد احتمال عودة داعش مجددًا، فإنه من المحتمل في حالة انسحاب الولايات المتحدة- ولو جزئيا- من العراق، أن تتجرأ داعش على محاولة إعادة فرض سيطرتها الإقليمية مجددًا. وفي هذا السياق تقول «ستاسي بيتيجون»- مديرة برنامج الاستراتيجية والعقيدة في مؤسسة راند الأمريكية- أنه: «سواء خرجت القوات الأمريكية من العراق أم لا، فإن هذا الهجوم الذي استهدف قاسم سليماني كان له بالفعل عواقب على تأثر العمليات العسكرية الأمريكية ضد داعش، والتي تم إيقافها مؤقتًا لتعزيز الدفاعات الأمريكية تحسبًا للأعمال الانتقامية الإيرانية المرتقبة، وهو ما قد يُمكن داعش من إعادة تشكيل شبكاتها القتالية لتشكل مرة أخرى تهديدًا خطيرًا للأمن العراقي».
ويشرح «بن كونابل»- ضابط استخبارات متقاعد بالبحرية الأمريكية، وخبير سياسي في مؤسسة راند سالفة الذكر- كيف يمكن أن يؤدي غياب الوجود الأمريكي في العراق إلى تعزيز عودة داعش بصورة تدريجية ومستمرة في الشرق الأوسط؛ حيث يؤكد قائلاً: «قد تكون التأثيرات بعيدة المدى مضرة بالمصالح الاستراتيجية الأمريكية، فعدم وجود أي قوات على الأرض، ولا طائرات تحوم جوا، سيعني أن القوات الأمريكية ستفقد قدرتها على رؤية وضرب أهداف تنظيم داعش الإرهابي في العراق، كما ستُؤثر على العمليات في سوريا، التي تعتمد اعتمادا كبيرا على الدعم من العراق».
على العموم؛ يبدو أن الجهود التي بذلتها الإدارة الأمريكية وحلفاؤها لاحتواء الطموحات الإقليمية الإيرانية وهزيمة داعش تمامًا، تبدو مهددة أمام أي انسحاب أمريكي محتمل من العراق؛ فعلى الرغم من أن هذا الانسحاب ليس مؤكدًا، إلا أنه يبدو مرجحًا بشكل متزايد مع إدارة ترامب؛ وإذا حدث ذلك في الواقع، فسوف تتحرك إيران بلا شك للاستفادة من فراغ السلطة عبر إحكام المزيد من السيطرة على الشؤون السياسية والمؤسسة العسكرية العراقية على حد سواء، وهو ما سيتم تصويره على أنه انتصار رمزي لطهران وقوتها الحقيقية. علاوة على ذلك؛ فإن الانسحاب سيؤدي إلى تزايد الطائفية داخل أطياف المجتمع العراقي، فضلا عن احتمالية عودة داعش، نظرًا إلى أن الانسحاب معناه توقف جهود التحالف الدولي المناهض لتنظيم الدولة الإسلامية بسبب تراجع دعم الولايات المتحدة في هذا الصدد. وعلى الرغم من أن ترامب أعرب باستمرار عن رغبته في سحب القوات الأمريكية من الشرق الأوسط، إلا أنه ينبغي- في الوقت الحالي على الأقل- لصالح العراق والولايات المتحدة والمنطقة برمتها، ألا يفعل ذلك.
وحدة الدراسات العراقية
مركز الروابط للبحوث والدراسات الاستراتيجية