في الأسابيع القادمة، قد يعيّن البرلمان العراقي بديلاً لرئيس الوزراء عادل عبد المهدي. ويشكّل ذلك تطوّراً إيجابيّاً للغاية، بما أن الميليشيات المتعددة المدعومة من إيران في البلاد تفضّل فوق كل شيء إبقاء هذا الزعيم الذي فقدَ مصداقيته تحت تصرّفها كرئيس حكومة تصريف أعمال لفترة غير محددة بعد استقالته في تشرين الثاني/نوفمبر. وفي المقابل، باستطاعة رئيس الحكومة الجديد الذي يُمنح تفويضاً جديداً دفع الحكومة إلى التحرك مجدداً، وإقرار الميزانية، وتقديم المجرمين المسؤولين عن قتل المحتجّين إلى العدالة، وتهدئة المحتجّين الغاضبين من خلال اتخاذ استعدادات واضحة لإجراء انتخابات مبكرة، حُرّة ونزيهة – وبالتالي يتم التعويض عن نتائج التصويت الذي تم الاستخفاف به على نطاق واسع في عام 2018.
هذا هو المجال السياسي الذي فُسِح منذ مقتل قائد «فيلق القدس» الإيراني قاسم سليماني وزعيم إحدى الميليشيات العراقية أبو مهدي المهندس في وقتٍ سابقٍ من هذا الشهر. وبالنسبة إلى الولايات المتحدة، يكمن التحدّي في كيفية دعم هذه التغييرات من دون تعطيل الديناميّات المحلّيّة الإيجابية.
وبرزت بادرة طيّبة في وقتٍ سابقٍ من هذا الأسبوع، حين أجمع الزعيم الشيعي مقتدى الصدر ومجموعة من السياسيين العراقيين الآخرين على الدفاع عن الرئيس برهم صالح بعد أن انتقدته الميليشيات المدعومة من إيران بشدة بسبب لقائه مع الرئيس ترامب في دافوس في 22 كانون الثاني/يناير. وسبق أن حذّرت هذه الميليشيات الرئيس صالح من هذا اللقاء مع نظيره الأمريكي.
وعانت الميليشيات من نكسة أخرى في تصويتٍ جرى في مجلس النوّاب في 5 كانون الثاني/يناير، حين قاطعَ كافة الأعضاء الأكراد، ومعظم الأعضاء السنّة، وحتى العديد من الأعضاء الشيعة جلسةً كانت تهدف إلى التصديق على اقتراحٍ بطرد القوات الأمريكية من العراق. ونتيجة لذلك، عُقدت الجلسة من دون اكتمال النصاب القانوني، فأُلغيت صلاحية الأصوات الداعمة وأظهرت أن ترهيب الميليشيات لم يكن كافياً لإجبار النوّاب المعارضين على تخريب مصالحهم الوطنيّة الخاصة.
وتنشأ هذه التطورات المذهلة عن التعطيل المستمر لنظام تحكم «فيلق القدس» في العراق. وبالفعل، أوجد اغتيال سليماني والمهندس في 3 كانون الثاني/يناير فرصةً عابرةً للقوميين العراقيين لاستعادة زمام الأمور السياسية من الميليشيات واستعادة السيادة العراقية.
كيف يمكن أن تدعم واشنطن هذه التوجهات دون تقويضها عن غير قصد؟ تتبادر إلى الأذهان عدة واجبات ومحظورات كالآتي:
واجب إرجاء المزيد من العقوبات لبضعة أسابيع. الأولوية الأولى هي تجنب مقاطعة سير أحداث القصّة. ويمكن الاستمتاع بقراءة قصة اليوم في العراق: فانطلاقاً من المحتجّين ووصولاً إلى الرئيس، يحاول القوميون استعادة حق العيش في دولة تتمتع بالسيادة والاستقرار والديمقراطية. ولتجنب تشتيت الانتباه عن هذه الأحداث، يجب أن يتمهّل المسؤولون الأمريكيون في الإصدار الوشيك لمجموعات عقوبات “قانون ماغنيتسكي العالمي” لمدة أسبوعيْن على الأقل. وبعد ذلك يجب أن يشيروا إلى أن واشنطن تراقب عن كثب السياسيين الأفراد الذين من المقرر استهدافهم في مجموعات العقوبات الجديدة، وبعض الأشخاص غير البعيدين عن تصنيفهم في قائمة العقوبات.
واجب إقرار وثيقة تنازل جديدة في مجال الطاقة. على الحكومة الأمريكية إصدار وثيقة إعفاء جديدة عن العقوبات على المشتريات العراقية من الغاز الطبيعي الإيراني والكهرباء الإيرانية في أوائل شباط/فبراير، عندما تنتهي صلاحية مدة الإعفاء الحالية التي أمدها 120 يوماً. وقد أشارت طهران إلى أنها ستخفّض إمدادات الغاز هذه من أكثر من 800 مليون قدم مكعّب في اليوم إلى 200 مليون فقط، مشيرة إلى نقص الإمدادات والشتاء البارد بشكل غير عادي في إيران. ولن تخسر واشنطن الكثير في تجديد وثيقة التنازل – فالنظام الإيراني لا يستفيد كثيراً من هذه التحويلات بسبب القيود الأمريكية على مدفوعات الدولار، لا سيّما مع انخفاض حجمها الآن. كما أن إصدار وثيقة الإعفاء سيمنع طهران أيضاً من إلقاء اللوم على الولايات المتحدة بسبب معاناة العراق لأي نقص في الكهرباء.
واجب التحذير من حملات القمع الإضافية. في 24 كانون الثاني/يناير [انتشرت] احتجاجات جديدة كبرى في البلاد، وأثناء كتابة هذه السطور، من غير المعروف ما إذا كانت الميليشيات قد مارست المزيد من العنف ضد المتظاهرين المسالمين. [وربما أشارت] الولايات المتحدة والشركاء الدوليين الآخرين بشكل عاجل بأنهم سيراقبون الاحتجاجات عن كثب وسيسائلون المسؤولين العراقيين عن إيذاء المدنيين أو ترهيبهم.
عدم الإفراط في الرد على الاحتجاجات المناهِضة. يجب على واشنطن أن تضع في اعتبارها أنّ أي ميليشيا كبيرة في العراق تستطيع إنزال آلاف الناس إلى الشوارع ليومٍ واحد، وسيقوم الكثيرون منهم على الأرجح بمسيرات خاصة بهم إلى جانب الاحتجاجات السلميّة [التي انتشرت] في 24 كانون الثاني/يناير. وهذا لا يعني أنهم أو أنّ مجموعة شعاراتهم ورموزهم المعتادة المناهضة لأمريكا تُمثّل غالبية المواطنين العراقيين البالغ عددهم 39 مليون، أو حتى الأغلبية الشيعية في البلاد. وأياً كان عدد أنصار الميليشيات الموالين لإيران [الذين نزلوا] إلى الشوارع، فإنهم لا يشكّلون سوى نسبة ضئيلة من جميع العراقيين.
عدم إصدار المزيد من التهديدات العلنية. فيما يخص المسائل الحامية المتعلّقة بالعقوبات وتواجد القوّات، حان الوقت لوضع الرسائل الأمريكية وراء الأبواب المغلقة. فسبق أن أوضحت واشنطن آراءها بشأن هاتيْن القضيتيْن، لذا فإن إطلاق تهديدات جديدة أو تعليقات أخرى علناً لن يكون مفيداً. وفي الوقت نفسه، يجب على المسؤولين الأمريكيين الاستفادة من العديد من قنواتهم الحالية والتواصل بهدوء مع قادة الميليشيات وإعلامهم أنّ إلحاق الأذى بالأمريكيين أو شركائهم بأي شكل من الأشكال سيُقابَل بنفس القوة الحاسمة التي استُخدِمت ضد سليماني والمهندس – مع التوضيح بأنّ هذا الرد سيستهدف مستشارين إيرانيين في العراق وقادة ميليشيات عراقية على نحوِ مماثل.
واجب إخبار الحلفاء العراقيين أنّ واشنطن تشكّل سنداً لهم. بعد تجديد موقفها الرادع، ينبغي على الولايات المتحدة الانخراط بسرعة وبهدوء مع القوميين العراقيين بطريقة تجعلهم يشعرون بالأمان والدعم، لأنهم سيواصلون بلا شك مواجهة أنواع التهديدات التي تَحمّلها الرئيس صالح قبل لقائه مع الرئيس ترامب. ويعني ذلك إخبار المسؤولين الرئيسيين بصراحة مثل رئيس مجلس النواب محمد الحلبوسي بأن واشنطن تقف وراءهم، وتراقب جهودهم عن كثب، وهي مستعدة لدعمهم وحمايتهم وهم يحاولون استئناف العملية السياسية وإنقاذ بلدهم. وعلى الرغم من أن شركاء مثل “الأمم المتحدة” و”الاتحاد الأوروبي” ودول الخليج يمكن أن يساعدوا في تعزيز هذه الرسائل، إلا أنه لا يوجد بديل للرسائل الخاصة التي ينقلها كبار المسؤولين الأمريكيين مثل وزير الخارجية مايك بومبيو. فالانخراط الرفيع المستوى في الوقت المناسب لن يترك مجالاً للشك في أنّ الزعماء الأمريكيين يركّزون على التطوّرات الإيجابية العاجلة التي تتكشّف حاليّاً في العراق.
مايكل نايتس
معهد واشنطن