كم مرّة تطلب فيها الحكومة من ملايين السكّان أن يفعلوا شيئاً ما فيستجيبون لها فعلاً؟ لعلّ الجواب هو، ولا مرة على الإطلاق. لنأخذ على سبيل المثال التصويت في الانتخابات العامة الذي لم تتخطَّ نسبته 70% منذ تسعينيات القرن الماضي. بيد أنّه عندما يتعلّق الأمر بالطلب من مواطني الاتحاد الأوروبي الذين يعيشون ويعملون في هذا البلد بأن يتقدّموا بطلباتهم للاستفادة من خطة جديدة وغير مألوفة لتسوية أوضاعهم في بريطانيا، يبدو أنّ الوزراء يتوقّعون أن يجري ذلك بسلاسة من دون أيّ مشاكل ويتباهون بمدى “سهولة وبساطة” هذه العمليّة.
ولكن، مهما جعلوا تقديم الطلبات بموجب خطّة التسوية الخاصة بمواطني الاتحاد الأوروبي التي وضعتها وزارة الداخلية سهلاً، وهي ليست سهلة دائماً في واقع الحال، فإن البعض لن يتقدّموا بطلباتهم. ويؤكد بحث نشره “مركز آيري” (Aire) يوم الأربعاء الماضي هذه الفرضيّة مبيناً أنّ أكثر من نصف مليون من مواطني دول الاتحاد الأوروبي وأفراد عائلاتهم، أي ما يعادل ثلث الأوروبيين المقيمين حالياً في المملكة المتحدة، لم يقدموا طلباتهم حتّى الساعة.
ثمة أسباب عدة لحصول ذلك. وقد لفتت صحيفة “اندبندنت” في تقارير نشرتها إلى وجود مخاوف من أن العديد من الأشخاص الذين يصعب الوصول إليهم كالمسنّين والأطفال في دور الرعاية وكذلك أولئك الذين يخضعون حالياً للاستغلال، لن تشملهم هذه الإجراءات لأنّ رسائل الحكومة بشأن الخطة لن تصل إليهم أو لأنّهم ببساطة لن يتمكّنوا من تقديم الطلبات بأنفسهم.
كما تناولنا في تقاريرنا أيضاً حالات أشخاص تقدّموا بطلباتٍ ولكنّهم لايزالون عالقين في سراديب القضايا المتأخرة التي يبلغ عددها حالياً 362 ألف من الطلبات التي لا تزال وزارة الداخليّة تعالجها، على الرغم من تأكيدها المسبق بأنّ العملية يجب ألا تستغرق سوى ثلاثة أيام. بالإضافة إلى ذلك، توجّب على عددٍ من أزواج أو زوجات مواطني الاتحاد الأوروبي، وهم في الغالب المجموعة الأكثر تأثراً جرّاء التأخير، أن ينتظروا لبضعة أشهر ممّا أدّى في بعض الأحيان إلى إقالتهم من أعمالهم وطردهم من منازلهم لأنّ صلاحيّة تأشيراتهم السابقة انتهت وبذلك أصبحوا من دون مستنداتٍ رسمية تثبت وضعهم.
وهناك أشخاص يؤجّلون بكلّ بساطة تعبئة الطلبات المتعلقة بطلب التقدم لخطة التسوية. ويشعر بعضهم بالمرارة بشأن المسألة برمّتها وهم غير سعداء بخروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي وغير راغبين بالتعاون مع السلطة لإنجاز تلك العملية. ويشتكي آخرون من غياب التوجيه حول كيفية تقديم الطلبات، ويخشون من ارتكاب الأخطاء ورفض طلباتهم ممّا يؤدّي إلى وضع حياتهم برمتها في المملكة المتحدة على كف عفريت. وقد يشعر البعض أنهم مرغمون على العودة إلى بلدانهم الأصلية.
وفي هذا السياق، وصل الأمر بالسفير البولندي إلى تشجيع مواطنيه، الذين يشكّلون أكبر مجموعة أوروبية تعيش في بريطانيا، إلى العودة إلى ديارهم.
وأيّاً تكن الأسباب المختلفة لعدم البقاء في المملكة المتحدة، في حال فشل مواطنو الاتحاد الأوروبي بتقديم الطلبات في الوقت المحدّد، أو إذا اختاروا فعلاً العودة إلى أوطانهم الأمّ، فلا شكّ أنّ ذلك سيخلق مشكلة ضخمة لبريطانيا لأنّه سيتسبّب بإحداث فجواتٍ في المجالات الصناعية التي تعتمد على مساهمات تلك المجموعات.
اندبندت العربي