لندن – أجمع المحللون والخبراء على استهجان قرار الحكومة العراقية المستقيلة، المضي قدما في تمرير صفقات نفطية مشبوهة تبدد الثروات النفطية في انتهاك صارخ لصلاحياتها المحدودة بتصريف الأعمال فقط، في وقت تعيش فيه البلاد أزمة سياسية وثورة شعبية ضاغطة على النظام وأحزابه السياسية.
وتصاعدت الأصوات الرافضة لجولات التراخيص النفطية التي أبرم مرحلتها الأولى قبل 9 سنوات حسين الشهرستاني وزير النفط الأسبق في حكومة نوري المالكي، والتي أثبتت التحقيقات فسادها وتبديدها للحقوق العراقية.
وتؤكد النخب والكفاءات النفطية العراقية أن تلك العقود تقتل الخبرات الوطنية وترهن اقتصاد البلاد للخارج وتكبد خزينة الدولة خسائر باهظة، في وقت تعاني فيه من الفساد وانفلات الإنفاق الحكومي وغياب برامج الاستثمار والتنمية.
وقال وزير النفط العراقي الأسبق عصام الجلبي إن خطوة رئيس الوزراء المستقيل عادل عبدالمهدي بتوجيه وزارة النفط لتوقيع المرحلة الثامنة من جولات التراخيص النفطية ليس من صلاحيات حكومة تصريف الأعمال.
وأضاف لـ“العرب” أنها تورط العراق بعقود مجحفة بحق العراق لأكثر من 25 عاما، وتشكل ضربة مؤلمة لمصالح العراق الاقتصادية وصفحة سوداء في تاريخ كل من ساهم في صياغتها والترويج لها وتوقيع العقود المتعلقة بها.
وأكد أن التاريخ لن يرحم كل من ساهم ويساهم في تبديد ثروات العراق النفطية من خلال تلك العقود الجائرة التي تقدم للشركات النفطية امتيازات مجحفة بحق مصالح الشعب العراقي بأجياله الحالية والمستقبلية.
وأشار الجلبي إلى ما قامت به مجموعة كبيرة من أفضل خبراء النفط العراقيين على المستوين الداخلي والدولي من تقييم شامل لتلك العقود يؤكد انتهاكها للمصالح الوطنية.
وذكر أن توصيات الخبراء بشأن تلك العقود، كانت قد أجبرت حكومة رئيس الوزراء السابق حيدر العبادي على رفض إقرارها، رغم السعي المحموم لوزير النفط السابق جبار لعيبي إلى إقرارها، والذي تمكن من تمرير التوقيع على الجولة السابقة قبل انتخابات 2018 في استمرار لعقلية اللصوصية المشرعنة.
وأضاف أن البيانات الرسمية تؤكد أن السياسة المعتمدة منذ عام 2003 تتعمد عرقلة قيام صناعة نفطية عراقية، مشيرا على سبيل المثال إلى استمرار حرق 58.3 بالمئة من الغاز المصاحب للإنتاج النفطي في حقول نفط البصرة وميسان وذي قار.
ويتساءل الخبراء بقلق عن أسباب الإصرار على عدم استثمار الغاز المصاحب بدلا من حرقه. ويؤكدون أن تأخير إلزام الشركات الأجنبية المتعاقدة على استثمار الغاز المصاحب يضاعف من حجم المشكلة ويزيد من تعقيدها.
ويبدو أن الهدف من وراء ذلك هو إبقاء الاعتماد على إيران حيث يتواصل استيراد نحو 28 مليون متر مكعب من الغاز الإيراني لتشغيل المصانع ومحطات الطاقة الكهربائية العراقية.
وكانت الولايات المتحدة قد منحت بغداد إعفاء من العقوبات على إيران. ويجري الحديث حاليا عن احتمال عدم تمديد الإعفاء في ظل تصاعد التوتر بين واشنطن وطهران على الساحة العراقية، الأمر الذي يكشف عواقب سياسات الطاقة العراقية في السنوات الماضية.
وارتبطت فضيحة عقود جولات التراخيص بالشهرستاني الذي روّج لها بالتنسيق مع كبار زعماء الأحزاب السياسية لإحلال الشركات الأجنبية محل الخبرات الوطنية التي سبق أن أدارت صناعة النفط بكفاءة عالية.
كما أنها منحت الشركات الأجنبية امتيازات مجحفة بحق العراق وكبلت العراق بقيود والتزامات مالية بددت ثروات البلاد، دون أي مردود على مستوى نقل التكنولوجيا وتطوير الكوادر المهنية المحلية.
ويذكر العراقيون تصريحات الشهرستاني الاستعراضية، التي وعدت في 12 أكتوبر 2009 بوصول طاقة إنتاج العراق إلى 12 مليون برميل يوميا خلال 6 سنوات، ليصبح من أكبر الدول المصدّرة للنفط في العالم. وفسر مراقبون تلك التصريحات العشوائية بأنها كانت دعاية لتمرير صفقة جولات التراخيص. ولا تزال طاقة إنتاج العراق عند 4.6 مليون برميل يوميا بعد أكثر من 10 سنوات على تلك التصريحات.
وتشكل سرقة النفط وجها آخر لهدر الثروة العراقية، حيث تشير تقارير متواترة إلى أن النفط المهرب تتم سرقته وهو مادة خام من الأنابيب التي يتم ثقبها أو من المستودعات أو ببيع كميات من المشتقات مخصصة لدوائر حكومية أو شركات، أو بإعادة بيع المشتقات النفطية المستوردة من الخارج والمدعومة حكوميا مما يجعل أسعارها أرخص من الدول المجاورة أو بتحميل كميات إضافية من الصادرات النفطية عبر الموانئ العراقية حيث يستفيد سرّاق النفط من ضعف الرقابة وعدم وجود أجهزة قياس مضبوطة لاحتساب الكميات المصدرة.
وتذكر المجموعة الدولية لمعالجة الأزمات في أحد تقاريرها عن البصرة التي تضم أكبر كميات من النفط أكثر من أي محافظة أخرى “أن الميليشيات في هذه المدينة اخترقت أجهزة الأمن وأنها تخوض صراعات مسلحة على النفط، وأن تهريب النفط في المدينة أدى إلى نشوء مافيات عملاقة شديدة التعقيد”.
وفي أبريل 2014 طالب رئيس الوزراء السابق حيدر العبادي لجنة النزاهة بالتحقيق بالمعلومات واتخاذ الإجراءات القانونية حول ما نشره موقع فيرفاكس ميديا الأسترالي وصحيفة هافينغتون بوست الأميركية تحت عنوان “هكذا اشترى الغرب العراق” وهو ما أطلق عليه أكبر فضيحة رشوة في العالم متورط فيها وزير التعليم العالي حسين الشهرستاني ووزير النفط السابق كريم لعيبي ومسؤولون عراقيون آخرون بتسهيل بيع حصص من النفط لدول غربية بمليارات الدولارات عن طريق شركة أونا أويل المملوكة لرجل أعمال إيراني يدعى عطا إحساني.
العرب