بغداد – أحبط نوري المالكي، زعيم ائتلاف دولة القانون، خطة وشيكة التنفيذ لتكليف الوزير السابق محمد علاوي بتشكيل الحكومة العراقية الجديدة، متسببا في القضاء على تفاهمات سياسية معقدة، جرى التوصل إليها بعد مفاوضات ماراثونية استغرقت عددا من الأسابيع، ودخل على خط هذه التفاهمات حزب الله اللبناني الذي تدور تسريبات عن استلامه مهمة إدارة الملف العراقي بعد مقتل قائد فيلق القدس السابق قاسم سليماني.
وفجر الخميس، بدا أن أزمة اختيار خليفة لرئيس الوزراء العراقي المستقيل عادل عبدالمهدي في طريقها إلى الحل، عندما تسرّب إلى وسائل الإعلام أن زعيم التيار الصدري مقتدى الصدر تخلى عن موقفه الداعم لترشيح رئيس جهاز المخابرات مصطفى الكاظمي، لصالح دعم علاوي، بعد وساطة لبنانية.
وقالت مصادر مطلعة في بغداد إن مسؤول الملف العراقي في حزب الله اللبناني، محمد كوثراني، أقنع الصدر بأن علاوي هو المرشح المناسب لقيادة الحكومة العراقية في المرحلة الانتقالية المقبلة، التي يفترض أن تشهد حلّ البرلمان والدعوة لانتخابات مبكرة.
وعندما تدخل كوثراني كانت أسهم الكاظمي مرتفعة جدا للحصول على تكليف تشكيل الحكومة الجديدة، بسبب دعمه من قبل الصدر وزعيم تيار الحكمة عمار الحكيم وزعيم ائتلاف النصر حيدر العبادي ومعظم الأحزاب السنية وجميع الأحزاب الكردية. لكنه واجه اعتراضا إيرانيا شديدا.
وتقول المصادر إن كوثراني راهن على فك التفاهم الشيعي السني الكردي بشأن ترشيح الكاظمي من خلال إخراج الصدر منه، وهو ما حدث فعلا، إذ بمجرد تغيير موقف الصدر خرج الكاظمي من المنافسة كليا، وجرى الاتفاق على دعم علاوي.
وتضيف المصادر أن زعيم تحالف الفتح المقرّب من إيران هادي العامري، بادر إلى الاتصال بالقيادات السياسية العراقية، لإبلاغهم بالاتفاق الذي حدث مع الصدر بشأن اختيار علاوي، لكنه فوجئ باعتراض كبير أبداه المالكي.
وتشير المصادر إلى أن المالكي غضب كثيرا من هذا الاتفاق، لأنه يمسّه بشكل مباشر، إذ أن علاوي أحد أشرس خصومه السابقين.
وعمل علاوي وزيرا للاتصالات في الحكومتين اللتين شكلهما المالكي بين 2006 و2014، لكنه لم يكمل ولايته في أيّ منهما، إذ استقال في الأولى ولوحق قضائيا في الثانية.
وعلى الدوام كانت الخلافات بين علاوي والمالكي في الحكومتين تتعلق بفلسفة إدارة الدولة وكيفية مجابهة الفساد المستشري في مؤسساتها، إذ وجّه وزير الاتصالات انتقادات حادة لرئيس مجلس الوزراء آنذاك بشأن إحالة عقود بمليارات الدولارات إلى مقرّبين أو شركات غير كفؤة.
وفي حكومة المالكي الثانية حرك رئيس الوزراء، القضاء ضد وزيره، متهما إياه بالتسبب في هدر المال العام، وذلك بعدما شارك في اجتماعات احتضنتها أربيل لسحب الثقة من الحكومة.
وتقول المصادر إن عدم تحمّس الإيرانيين لترشيح علاوي يعود إلى علاقته المتوترة بالمالكي، الذي ينظر إليه بوصفه حليف طهران الموثوق به ورجلها الأمين في العراق.
آراء
ولا تستبعد المصادر أن تتم تسوية الخلاف، في حال أصرّ كوثراني على ذلك، في ظل الأدوار الكبيرة التي كان يلعبها مؤخرا.
ويقول مراقبون في بغداد إن الملف العراقي عاد إلى سلطة حزب الله اللبناني بعد مقتل زعيم فيلق القدس في الحرس الثوري الإيراني قاسم سليماني في غارة أميركية قرب مطار بغداد مطلع العام الجاري.
وهذه ليست المرة الأولى التي يشرف فيها اللبنانيون على الملف العراقي، إذ تعود صلتهم به إلى المرحلة الممتدة بين 2006 و2008، عندما كانت تحت الإدارة المباشرة لعماد مغنية.
ومغنية هو قيادي بارز في حزب الله اللبناني قتل في دمشق بانفجار سيارة مفخخة العام 2008، اتهمت إسرائيل بتدبيره.
ومنذ 2008، أصبح الملف العراقي تحت سلطة الحرس الثوري الإيراني، قبل أن يعود إلى اللبنانيين مع مقتل سليماني.
وكان الرئيس العراقي برهم صالح حذر مساء الأربعاء من أنه سيختار رئيسا مؤقتا للوزراء إذا لم تتمكن الأحزاب السياسية من اختيار بديل لعادل عبدالمهدي بحلول يوم السبت.
واستقال عبدالمهدي من منصبه في نوفمبر تحت ضغط احتجاجات شعبية لكنه استمر في أداء مهامه بصفة مؤقتة.
ويشهد العراق احتجاجات حاشدة منذ الأول من أكتوبر الماضي ويطالب المحتجون، وأغلبهم من الشبان، بإصلاح نظام يعتبرونه فاسدا إلى حد كبير كونه جعل معظم العراقيين يعانون من الفقر.
وقال صالح “إذا لم تتمكن الكتل المعنية من حسم أمر الترشيح في موعد أقصاه السبت المقبل أرى لزاماً عليّ ممارسة صلاحياتي الدستورية من خلال تكليف من أجده الأكثر مقبولية نيابياً وشعبياً، وفي إطار مخرجات المشاورات التي أجريتها خلال الفترة الماضية مع القوى السياسية والفعاليات الشعبية”.
ودعا صالح الفصائل السياسية المتنافسة إلى استئناف المحادثات والاتفاق على مرشح. وقال “أدعو الكتل النيابية المعنية بترشيح رئيس مجلس الوزراء إلى استئناف الحوار السياسي البنّاء والجاد من أجل الاتفاق على مرشح جديد لرئاسة مجلس الوزراء يحظى برضى شعبيّ ورفعه إلى رئاسة الجمهورية من أجل إصدار أمر التكليف”.
وتعد المهلة التي حددها الرئيس العراقي أحدث دلالة على أن الأحزاب السياسية الشيعية التي تهيمن على البرلمان العراقي فشلت حتى الآن في التغلب على خلافاتها واختيار رئيس جديد للوزراء يقبله المحتجون.
العرب