إذا أراد المؤرخون أن يتذكروا الرئيس الأمريكي دونالد ترامب في علاقته مع العرب فسيجدون مجموعة من الأحداث البارزة بدءاً من رقصته الشهيرة في السعودية وحديثه عن صفقات مع المملكة بمئات الملايين، والتي كانت، كما اتضح لاحقا، إشارة انطلاقة الحصار ضد قطر، والذي شاركت فيه الرياض وأبو ظبي والمنامة والقاهرة، ومروراً بمنعه دخول مواطني عدة دول عربيّة إلى أمريكا، وبتغطيته المستمرة على الأخطاء الكارثية لإدارة وليّ العهد السعودي محمد بن سلمان، من اغتيال جمال خاشقجي وصولا الى التجسس على جيف بيزوس، مالك أمازون و«واشنطن بوست»، ثم بقراراته الخطيرة التي ركّزت على تدعيم إسرائيل وقهر الفلسطينيين، والتي كان إعلان ما يسمى «صفقة القرن» آخر معالمها.
وإذا أراد أولئك المؤرخون أنفسهم أن يتذكروا باراك أوباما، وهو أول رئيس أسود للولايات المتحدة الأمريكية، والذي بنى العرب والمسلمون الآمال الكبيرة عليه كونه من الحزب الديمقراطي، وأقرب إليهم شكلا ومعنى، وتعرّض للتمييز والاستهانة والتحريض ضده لكون أبيه مسلما من كينيا الأفريقية، بل وقد ادعى ترامب نفسه أنه ليس أمريكيا بالولادة، فيكفي العرب والمؤرخين أن يستذكروا ما قاله أحد أنصاره ومحبّيه، وهو بن رودس مستشاره لشؤون الأمن القومي وكاتب خطاباته الذي يقول بصراحة إنه كان يكره العرب بشكل غريب وكان دائما يردد أمام مستشاريه أن العرب ليس عندهم مبدأ أو حضارة وأنهم متخلفون وبدو.
ارتبط دفاع ترامب الفاقع عن وليّ العهد السعودي، وحمايته لـ«ديكتاتوره المفضل» الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، وكذلك عن الإمارات والبحرين، بالتناظر مع انخراط هؤلاء في خط التقارب السياسي والأمني مع إسرائيل، وهو ما يعني طبعا، ليس التخلّي عن الفلسطينيين فحسب، بل شنّ الحملات عليهم عبر إفلات «الذباب الالكتروني»، لتوسيع الحاضنة الشعبية لكارهي الفلسطينيين ومحبّي إسرائيل عبر ابتعاث شخصيات إلى إسرائيل، أو استقبال صحافيين وبعثات ورياضيين ووزراء إسرائيليين.
انضافت أسباب الرعب والغضب السعوديين من التأثير المتنامي لإيران في اليمن والعراق وداخل المملكة نفسها، وكذلك مخاوف مملكة البحرين من الحراك الشعبي ذي الطابع الشيعي الغالب عليه، إلى المخاوف الإسرائيلية من طهران، وإلغاء ترامب للاتفاق النووي الدولي مع إيران، لتعطي هذه الخطوات تبريرات ضد الفلسطينيين، وضد أي حراك عربي مناهض للأنظمة بالمجمل، وبذلك تحوّل العداء لإيران إلى مشجب لمزيد من الخراب والدمار وسطوة الأنظمة المستبدة المتحالفة مع إسرائيل.
في المقابل فإن كراهية أوباما للعرب، وإعجابه الشديد بالحضارة الإيرانية دفعاه للتوصل عام 2010 إلى اتفاق حصلت منه على مداخيل تزيد عن 400 مليار دولار، وذهب منها قرابة 100 مليار لدعم تمددها في سوريا والعراق واليمن ولبنان وأفريقيا ودول المغرب، وكان من مفاعيلها أن الإيرانيين منعوا إياد علاوي، الفائز في الانتخابات العراقية عام 2013 من تشكيل حكومة، وموافقة أوباما على وصول المالكي الذي أعطى الأمر بفتح السجون لسجناء تنظيم «القاعدة» مما ساهم في نشوء تنظيم «الدولة الإسلامية».
سيتذكر العرب أيضا تراجع أوباما الشهير عن ضرب النظام السوري عام 2013، حيث تحول «الخط الأحمر» الشهير إلى أحد أوراق «الصفقة» بين أوباما وإيران (وروسيا)، ومع انفلات تنظيم «الدولة» أكملت قرارات أوباما مهمّة الخراب الكبير في العراق وسوريا، فوصلنا إلى ما وصلنا إليه الآن، على يد ترامب!
أراد أوباما مراضاة إيران فأطلق يدها في المنطقة العربية، ورفع ترامب لواء مناهضتها، فأطلق يد إسرائيل في المنطقة العربية، وفي النتيجة فقد أوصل الرئيسان، الديمقراطي والجمهوري، العرب إلى أسوأ النتائج التي يمكن تخيلها.
القدس العربي