في موضوع الاتفاق النووي بين إيران وأميركا (والقوى الأساسية الموقّعة على الاتفاق)، يختلط السياسيّ الرّاهن بالاستراتيجيّ، مثلما يتداخل العامل السياسيّ بالعامل الثقافيّ، وربّما بعوامل أخرى تظهر لاحقاً، أي في حال بدء تطبيق الاتفاق. وبخصوص العامل الثقافيّ، فإنه بالضرورة، كما هو معلوم، محكوم بالعامل السياسيّ، في بُعديه الراهن والاستراتيجيّ، ويتأثر بالتطورات التي تطاول هذا العامل.
على المدى القصير، أي التكتيكيّ والرّاهن، ربّما راهنت إيران، وتراهن، على أن يُسهم توقيع الاتفاق في كسبها معركتَها، بل معاركها الدائرة منذ سنوات على الأراضي العراقية والسورية، كما في بلدان وساحات أخرى، كاليمن ومن قبلها البحرين، هذه المعارك التي يبدو أن إيران نفسها باتت ترى أنها ستكون خاسرة بالنسبة إليها. لذلك، تحاول أن تكسبها من خلال الدعم الأميركي لها، أو على الأقل إطلاق يدها فيها، بلا أية معوقات.
على المستوى الاستراتيجي للقضية، وبحسب ما هو مألوف في الحسابات والسياسات الإيرانية المعروفة، ربّما كانت طهران تراهن على الوقت المسموح به للبدء في تنفيذ بنود الاتفاقية، لعلّ تغيّرات تحدث في الواقع، وتساعدها على تحسين شروطها. وهي مراهنة لا تخلو من النظر الواقعيّ، لو أخذنا في الاعتبار سرعة المتغيّرات، ودراماتيكيّتها، في هذه المنطقة المشتعلة.
ثقافيّا، واجتماعيّا ربّما، ثمّة مؤشرات على أن الاتفاقيّة تحمل بذور تغيير ثقافيّ كبير في الساحة الإيرانية، وبالتوقف على بعض المعطيات، يتبين أنّ لدى فئة من الإيرانيّين رغبة عارمة في حدوث، أو إحداث، التغييرات اللازمة للخروج من حالة الحصار التي تعيشها البلاد منذ ما يزيد على عشر سنوات، إلى حالة من التعايش مع ثقافات “العالم الحرّ” الذي يفرض الحصار، وربّما ما يتجاوز التعايش إلى التفاهمات العميقة، ما يعني تغييرات جذرية في المفاهيم والممارسة معا.
لكنّ حلم فئة معينة بالتغيير في مجتمع ما، كالمجتمع الإيراني المحكوم بشروط وظروف مذهبية، فضلا عن طموحات إيران في هذا “الإقليم”، هذا الحلم لا يعني بالضرورة أنه بات “غِبَّ الطلب”، فغالبا ما تكون التغييرات في البنية الفوقيّة صعبة التحقيق، وتتطلّب مقدّمات كثيرة، وربّما كان الوضع الإيراني و”تحوّلاته” أقرب إلى حلم الإصلاح منه إلى حلم “الثورة على الثورة”.
فما يعتبره بعضهم، كما كتب الزميل معن البياري في (العربي الجديد)، مؤشرات إلى “أشواق عريضة هناك نحو التحرر من المناوأة المقيمة في البلاد لأميركا، باعتبارها شيطاناً أكبر، والعبور إلى انفتاح على العالم، على غير صعيد وفي غير شأن، من دون التنازل عن الثوابت الوطنية العامة”، هو مؤشرات حاضرة فعليّا في المشهد، لكنّها قد تكون، مؤشرات لحظية وآنيّة مرتبطة بالوعود التي يطلقها مجرد توقيع الاتفاقية. لكن، هل أحلام فئة، هي غالبا فئة “هامشيّة” ويجري تهميشها أكثر فأكثر، يمكن أن تنجح في جرّ الفئة المتحكّمة بالسياسات والمصائر إلى إحداث التغيير الجذريّ، أو حتّى مجرّد القبول بأيّ مقدار منه لا يتلاءم مع مصالح الفئة الحاكمة والمتسلّطة؟
لقد تجذّرت ثقافة “الثورة” الخمينية تماما، إن لم يكن في العقول، ففي قبول الاستسلام لها ولحيثيّاتها ومعطياتها. ما يجعل أشد المتفائلين حيال التغيير الجذريّ، في طبيعة البلاد ونظامها الحاكم، ينظر إلى هذه المسألة بوصفها مجرد حلم قد يبلغ حدود الوهم. فما الذي يجبر القوى الحاكمة على تقديم تنازلات في المجال الداخليّ، إذا كانت قدّمت التنازلات المطلوبة منها خارجيّا؟ ألا يجوز القول إنها قدّمت هذه التنازلات في برنامجها النوويّ، لكي تتحاشى حدوث ما يشبه “ثورة ثقافية” في الداخل، لا يمكن للبلاد وللحكم تحمّلها من دون انهيارات في بِنية النظام.
في معنى آخر، هل ستبقى إيران هي نفسها لو كفّت عن أن تكون مناوئة، في صورة من الصور، لأميركا والغرب؟
جدليّة العاملَين الثقافيّ والسياسيّ، في إيران تحديدا، محكومة بميزان قوى شديد الحساسية، ترجح كفّة أحدهما بضعف كفّة الآخر. والآن، نحن حيال تقدّم السياسيّ وانفتاحه في اتجاه العالم الخارجيّ، ما يعني محاصرة هذا السياسيّ للثقافيّ الداخليّ، وخنق طموحه إلى التغيير.
على المستوى الاستراتيجي للقضية، وبحسب ما هو مألوف في الحسابات والسياسات الإيرانية المعروفة، ربّما كانت طهران تراهن على الوقت المسموح به للبدء في تنفيذ بنود الاتفاقية، لعلّ تغيّرات تحدث في الواقع، وتساعدها على تحسين شروطها. وهي مراهنة لا تخلو من النظر الواقعيّ، لو أخذنا في الاعتبار سرعة المتغيّرات، ودراماتيكيّتها، في هذه المنطقة المشتعلة.
ثقافيّا، واجتماعيّا ربّما، ثمّة مؤشرات على أن الاتفاقيّة تحمل بذور تغيير ثقافيّ كبير في الساحة الإيرانية، وبالتوقف على بعض المعطيات، يتبين أنّ لدى فئة من الإيرانيّين رغبة عارمة في حدوث، أو إحداث، التغييرات اللازمة للخروج من حالة الحصار التي تعيشها البلاد منذ ما يزيد على عشر سنوات، إلى حالة من التعايش مع ثقافات “العالم الحرّ” الذي يفرض الحصار، وربّما ما يتجاوز التعايش إلى التفاهمات العميقة، ما يعني تغييرات جذرية في المفاهيم والممارسة معا.
لكنّ حلم فئة معينة بالتغيير في مجتمع ما، كالمجتمع الإيراني المحكوم بشروط وظروف مذهبية، فضلا عن طموحات إيران في هذا “الإقليم”، هذا الحلم لا يعني بالضرورة أنه بات “غِبَّ الطلب”، فغالبا ما تكون التغييرات في البنية الفوقيّة صعبة التحقيق، وتتطلّب مقدّمات كثيرة، وربّما كان الوضع الإيراني و”تحوّلاته” أقرب إلى حلم الإصلاح منه إلى حلم “الثورة على الثورة”.
فما يعتبره بعضهم، كما كتب الزميل معن البياري في (العربي الجديد)، مؤشرات إلى “أشواق عريضة هناك نحو التحرر من المناوأة المقيمة في البلاد لأميركا، باعتبارها شيطاناً أكبر، والعبور إلى انفتاح على العالم، على غير صعيد وفي غير شأن، من دون التنازل عن الثوابت الوطنية العامة”، هو مؤشرات حاضرة فعليّا في المشهد، لكنّها قد تكون، مؤشرات لحظية وآنيّة مرتبطة بالوعود التي يطلقها مجرد توقيع الاتفاقية. لكن، هل أحلام فئة، هي غالبا فئة “هامشيّة” ويجري تهميشها أكثر فأكثر، يمكن أن تنجح في جرّ الفئة المتحكّمة بالسياسات والمصائر إلى إحداث التغيير الجذريّ، أو حتّى مجرّد القبول بأيّ مقدار منه لا يتلاءم مع مصالح الفئة الحاكمة والمتسلّطة؟
لقد تجذّرت ثقافة “الثورة” الخمينية تماما، إن لم يكن في العقول، ففي قبول الاستسلام لها ولحيثيّاتها ومعطياتها. ما يجعل أشد المتفائلين حيال التغيير الجذريّ، في طبيعة البلاد ونظامها الحاكم، ينظر إلى هذه المسألة بوصفها مجرد حلم قد يبلغ حدود الوهم. فما الذي يجبر القوى الحاكمة على تقديم تنازلات في المجال الداخليّ، إذا كانت قدّمت التنازلات المطلوبة منها خارجيّا؟ ألا يجوز القول إنها قدّمت هذه التنازلات في برنامجها النوويّ، لكي تتحاشى حدوث ما يشبه “ثورة ثقافية” في الداخل، لا يمكن للبلاد وللحكم تحمّلها من دون انهيارات في بِنية النظام.
في معنى آخر، هل ستبقى إيران هي نفسها لو كفّت عن أن تكون مناوئة، في صورة من الصور، لأميركا والغرب؟
جدليّة العاملَين الثقافيّ والسياسيّ، في إيران تحديدا، محكومة بميزان قوى شديد الحساسية، ترجح كفّة أحدهما بضعف كفّة الآخر. والآن، نحن حيال تقدّم السياسيّ وانفتاحه في اتجاه العالم الخارجيّ، ما يعني محاصرة هذا السياسيّ للثقافيّ الداخليّ، وخنق طموحه إلى التغيير.
عمر شبانه
صحيفة العربي الجديد