أميركا تفصح عن عراق ما بعد الاتفاق النووي

أميركا تفصح عن عراق ما بعد الاتفاق النووي

_58539_ii3

بدت تصريحات رئيس الأركان الأميركي الجديد، الجنرال جوزيف دان فورد، أمام الكونغرس بمناسبة تعيينه خلفا لمارتن ديمسي، وكأنها تفكير أميركي بصوت عال، يهدف إلى إطلاع جميع الأطراف في المنطقة على التصور الأميركي الجديد لمستقبل العراق، ويذكرهم بأنّ اليد الطولى والقوية المنتصرة والتي يمكن للولايات المتحدة الأميركية أن تعتمد عليها في إدارة عراق “مستقر”، وبالتالي ضمان مصالحها في عموم منطقة، لا تزال وستبقى إحدى أهم نقاط الارتكاز الأميركية للهيمنة على العالم.

دان فورد أفصح بوضوح، عن “أنّ العراق سيكون للطرفين القويّين، وهما “الشيعة” الذين تتوفر لديهم كل مقوّمات السلطة، والأكراد أصحاب الإمكانات العسكرية الأكثر قوة وتنظيما والحلم القومي الراسخ بإنشاء دولتهم، ولذلك يقبل العراق القسمة على هذين المكونين، باستثناء السنة الذين لا يملكون أي موارد لإنشاء دولة”، على حد قوله.

هذا التصور الجديد الذي أتى على لسان قائد الأركان الجديد، لا يمكن اعتباره مجرد “شطحة” فردية من بنات أفكار أحد أعمدة الكيان الأميركي دون أن يكون لإطلاقها وظيفة ما؛ فالحديث عن تقسيم العراق لطالما كان حاضرا، وقد لوحت به الإدارة الأميركية بتصورات مختلفة، منها التقسيم الثلاثي مع بداية الغزو الأميركي، ومن ثم الأكثر ترديدا، وهو التصور الفيدرالي الموحّد للكيانات الرئيسية الثلاثة (شيعة وسنة وأكراد) بعاصمة اتحادية، حيث شكل هذا التصور محور قناعة تيار عريض في الكونغرس الأميركي، دعاه لاقتراح مشروع قانون في مايو الماضي، ينصّ على إنشاء تلك الصيغة الاتحادية، وضمان تسليح السنة والأكراد دون المرور ببغداد. ويعدّ هذا التيار الأكثر مناوءة للهيمنة الإيرانية المطلقة على العراق، وهو من دعاة تحجيم نفوذها السياسي والعسكري، عبر خلق قوى موازية، سنيّة تحديدا، لمواجهة مناطق نفوذ طهران وأذرعها في العراق، عدا عن معارضته المستمرة للاتفاق النووي بين إدارة أوباما والنظام الإيراني قبل وبعد إبرامه.

واليوم يطل التصور الجديد، الذي أطلقه جوزيف دان فورد، ليغازل الأذن الإيرانية التي لم يستهوها مطلقا طرح التقسيم بتصوراته السابقة، وهي التي كرّست جل جهودها لمنع تبلور كيان “سني” سياسي وعسكري، يحول دون هيمنتها على كامل البلاد، ويشكل حاجز صد باتجاه ما تعتبره فضاءها الاستراتيجي الممتد عبر سوريا وصولا إلى لبنان. ويأتي إطلاق هذا التصور، بعيد ما صرح به باراك أوباما، عقب إبرام الاتفاق النووي مع طهران، عن عزم بلاده إعادة صياغة رؤى سياسية جديدة تعيد ترتيب الأوضاع في العراق وسوريا واليمن.

وعلى ضوء ذلك يمكن القول إن عزوفا أميركيا عن فكرة التقسيم والفدرلة، وفق التصورات السابقة قد تم، لصالح إطلاق يد إيران في العراق، لتكون سلطة الأحزاب والميليشيات الموالية لها كاملة وشاملة على كافة الأراضي العراقية، باستثناء المنطقة الكردية، وذلك وفق صفقة شاملة تعيد ترتيب خارطة النفوذ في كامل المنطقة، بموجب ما تم التوافق عليه على طاولة الاتفاق النووي.
ويعزز هذا التصوّر، سلوك أميركيا بدا مختلفا في التعاطي الميداني، مع مجريات الصراع ضد تنظيم داعش، حيث يشكل هذا الصراع الآن، أولى محاور التحالف بين واشنطن وطهران، عقب صفقة النووي، الأمر الذي تمظهر في المعارك الدائرة في محافظة الأنبار، من خلال غض النظر الأميركي عن إبعاد قوات العشائر السنية عن ساحة المعركة، البالغ عدد عناصرها قرابة الـ 10 آلاف مقاتل تمّ تدريبهم وتسليحهم بإشراف أميركي مباشر، وترك الساحة كاملة أمام قوات الحشد الشعبي، مع توفير غطاء جوي كامل لها من قبل التحالف الدولي، ممّا يمكن أن يجعل من حسم المعركة، أمرا واردا في أي لحظة بفضل ذاك الغطاء الجوي الكثيف، على غرار ما حصل في تكريت.

ولم يعد خافيا أنّ الجرأة الإيرانية في اعتبار العراق “محمية خاضعة لها” قد تعاظمت عقب الاتفاق النووي، فزيارة محمد جواد ظريف لبغداد، في إطار جولته الإقليمية عقب إعلان فيينا، سرّعت في اتّخاذ إجراءات عملية، تكرس سلطة قادة الميليشيات، دون أن يكون لتلك الإجراءات أي سند قانوني، كتعيين هادي العامري قائد فيلق بدر، مسؤولا أمنيا مباشرا لمحافظة ديالى، دون أن تكون له أي صفة قانونية، وإعلان المرشد الإيراني علي خامنئي عن تعيين مجتبى الحسيني نائبا ووكيلا له في العراق، يشرف على تنفيذ أوامر الولي الفقيه، وفق ما ورد في إعلان بيان التوكيل، الأمر الذي اعتبره متابعون للشأن العراقي تطورا نوعيا باتجاه فرض وصاية الفقيه الإيراني على شيعة العراق.

وعلى ضوء ذلك، أضحى من المحتمل أن يدخل العراق مرحلة جديدة، تعمل على تنفيذ الرؤية الأميركية الإيرانية لإعادة صياغة مجمل الوضع فيه، ضمن إطار واقع جديد تشهده المنطقة ككل، عقب إبرام الاتفاق النووي، الثابت أنّ انعكاساته ستطال كذلك الساحتين السورية واليمنية.

الوليد خالد يحيى

صحيفة العرب اللندنية