في الانتخابات والمفاوضات وتشكيل الحكومات والمظاهرات ضدها في العراق، اسم واحد يبحث عنه الجميع لمعرفة مجريات السياسة في البلاد، هو اسم مقتدى الصدر الذي يعد الكفة الراجحة في المشهد العام.
يطرح المعمّم الذي غزا الشيب لحيته، نفسه راعيا للإصلاح في بلد يحتل المرتبة 16 في لائحة الدول الأكثر فسادا في العالم، مع طبقة سياسية تحتكر السلطة منذ 16 عاما.
لكن رغم ذلك، يقول الخبير بالشأن العراقي فنر حداد إن “الصدريين جزء لا يتجزأ من الطبقة السياسية، ولم يغيبوا مرة عن المناصب الوزارية والعامة الرفيعة المستوى”.
ولد مقتدى الصدر الذي يقول مقربون منه إنه سريع الغضب وقليل الابتسام، يوم 12 أغسطس/آب 1973 في الكوفة جنوب بغداد، وورث شعبية كبيرة، إذ هو نجل محمد محمد صادق الصدر أبرز رجال الدين الشيعة المعارضين للرئيس الأسبق صدام حسين الذي قتله مع اثنين من أبنائه عام 1999.
ووالد مقتدى هو أحد أبناء عمّ محمد باقر الصدر المفكر البارز الذي أعدمه صدام مع شقيقته نور الهدى ربيع العام 1980.
ومنح هذا النسب المرموق اندفاعة لمقتدى، فكان أحد أبرز الشخصيات التي لعبت دورا أساسيا في إعادة بناء النظام السياسي بعد سقوط نظام صدام عام 2003، وقائد إحدى أكثر الحركات الشيعية نفوذا وشعبية في البلاد.
مسيرة بدأت بمعارك ضارية مع القوات الأميركية التي اجتاحت العراق عام 2003، وانتهت بنزاع مع رئيس الوزراء نوري المالكي الذي حكم البلاد بين عامي 2006 و2014.
خط متعرج
توارى مقتدى الصدر عن الأنظار أواخر العام 2006، حيث انقطع لطلب العلم في الحوزة بمدينة قم الإيرانية، حتى عاد إلى مقر إقامته بحي الحنانة في النجف بداية العام 2011.
يقول الباحث في العلاقات الدولية كريم بيطار إن “الصدر شخص ذو خط متعرج، تنقّل من كونه قائدا وطنيا مناهضا للولايات المتحدة خلال حرب العراق، لنجده متحالفا مع السعودية، وعاد فجأة مرة أخرى إلى اتخاذ منعطف جذري والتقرب من الإيرانيين”.
والمعروف أن شخصية الصدر ونهجه موضع إشكال لدى إيران والولايات المتحدة على حد سواء.
فإذا كانت واشنطن لا تنسى “جيش المهدي”، فإن طهران لا تنسى بدورها المواقف العدائية لآل الصدر المعروفين بزعامتهم الدينية ذات الاحترام الواسع.
وبعد اغتيال أميركا مطلع الشهر الماضي في بغداد قائد فيلق القدس الإيراني قاسم سليماني مع آخرين، كان للصدر موقف متشدد ضد واشنطن، وكان أول الساعين للمطالبة بإنهاء الوجود الأميركي في البلاد عبر مظاهرة ضخمة نظمها في العاصمة.
تويتر
يتوجه الصدر بشكل شبه يومي إلى مناصريه، مستغلا منصة “تويتر” التي يحرك من خلالها شارعا ويهدئ آخر.
يقول الباحث ريناد منصور من “شاتام هاوس” إن الصدر -وهو من القادة القلائل الذي عايشوا فترة صدام حسين- “يوصف بالمتناقض مع مرور السنين، لكنه في نهاية الأمر يجري بما يشتهي الشارع”.
وبالفعل، ورغم أنه كان عراب حكومة عادل عبد المهدي المستقيلة، لم يرض الصدر -وفق منصور- أن “يرى حكومة شكّلها تفشل”.
وبالتالي، فإن موجة الاحتجاجات التي أسفرت عن مقتل أكثر من 480 شخصا، كانت عذرا كافيا للصدر الذي يتزعم ائتلاف “سائرون” الفائز في الانتخابات التشريعية الأخيرة مع 54 مقعدا في البرلمان، ليضع ثقله فيها ويسقطها في الشارع، وحتى بالتحالف مع فصائل الحشد التي لم يكن على وفاق معها.
يقول الخبير حداد إن “الدعم الصدري كان حاسما في تشكيل الحكومة الحالية وحكومات سابقة عدة، لكن يبدو أن هذا التناقض كان له تأثير كبير على صورة الصدر خارج قاعدته”.
وقبل أسبوع، قرر الصدر الانسحاب من المظاهرات ثم العودة إليها في الأسبوع التالي، مما شكل حيرة حتى لدى أنصاره الذين رفض بعضهم خطوة الانسحاب.
حركة الصدر الأخيرة أدخلها البعض في إطار تقويض الاحتجاجات الشعبية بعد تكليف وزير الاتصالات الأسبق محمد توفيق علاوي تشكيل الحكومة الجديدة بالتحالف ذاته الذي أفرز عبد المهدي سابقا، وذلك بالنظر إلى أن الصدر يتمتع بشعبية واسعة في أوساط فقراء الشيعة، خصوصا في مدينة الصدر ذات الكثافة السكانية الكبيرة في بغداد.
ورغم الرسم البياني المتعرج لمسيرة الصدر السياسية، يقول بيطار إنه “شخصية خلافية ذات مسار متقلب، لكنه سيبقى ضرورة في العراق خلال السنوات المقبلة”.
المصدر : الفرنسية