في خطوة مفاجئة اجتمع رئيس مجلس السيادة السوداني عبد الفتاح البرهان يوم أمس في عنتيبي في يوغندا، برئيس وزراء الكيان الصهيوني بنيامين نتنياهو. واتفق الطرفان على «بدء تعاون يقود نحو تطبيع العلاقات بين البلدين»، وفق ما نشر الحساب الرسمي لمكتب نتنياهو على موقع «تويتر».
ومن المفارقات ان المدينة التي شهدت اللقاء «عنتيبي» كانت المحطة الأخيرة لطائرة اختطفها الفدائيون الفلسطينيون وعلى متنها عدد كبير من الإسرائيليين وقررت حينها حكومة الاحتلال الحسم العسكري وأرسلت قوة خاصة دارت معركة بينها وبين الفدائيين وقتل فيها شقيق بنيامين نتنياهوالذي كان يرأس القوة الإسرائيلية.
والغريب في كل اللقاءات بين مسؤولي دولة الاحتلال ومسؤولين عرب أن إسرائيل هي التي تسارع لفضحها والكشف عنها لأغراضها الخاصة فيما يلتزم المطبعون العرب الصمت المطبق، متجاهلين شركاءهم في الحكم وأبناء شعبهم الذين ائتمنوهم على بلادهم.
يعكس هذا اللقاء عددا من الحقائق:
أولا ـ هذه الزيارة جاءت تتويجا للقاءات سرية وهي كما يبدو توجها من جانب العسكر لتعزيز نفوذهم معتقدين خطأ ان هذا اللقاء سيمنحهم صك الغفران الأمريكي.
ثانيا ـ هذا اللقاء بالتأكيد لا يعكس موقف الشارع السوداني ولا حتى الحكومة السودانية المدنية بعد أن أعلنت وزيرة الخارجية أسماء محمد عبد الله عدم معرفتها مسبقا بالأمر.
ثالثا ـ هذه الخطوة ستكون سببا بأزمة سياسية وأخرى قانونية، فإدارة العلاقات الخارجية ليست من صلاحيات رئيس المجلس السيادي، بل من صلاحيات الحكومة التنفيذية ورئيسها عبد الله حمدوك.
رابعا ـ سينجم عن هذه الخطوة التطبيعية اصطفاف سياسي جديد، فبعض القوى اليمينية ستقف إلى جانبه وتسانده، بينما ترفضها القوى اليسارية التي يقودها الحزب الشيوعي السوداني الذي أعلن قبل أيام عن رفضه لصفقة القرن، والتيارات الإسلامية إضافة إلى الشارع السوداني بأغلبيته.
وأعطى نتنياهو «صك الغفران» للسودان بالقول إنه يمضي في اتجاه جديد وإيجابي، بنقل رأيه هذا لوزير الخارجية الأمريكي. وتابع «يريد البرهان مساعدة بلاده في القيام بعملية تحديث من خلال إخراجها من العزلة ووضعها على خريطة العالم».
ويطمئن الصحافي الإسرائيلي ايدي كوهين في تغريدة له على تويتر، الشعب السوداني بأنه «منذ اللحظة (أي منذ لحظة لقاء نتنياهو والبرهان) سيكون الشعب السوداني في حصانة ومنعة شديدة من أي دسائس ومؤامرات عربية وخلافه… رمينا عليها حصانة من لا يضام جواره. فهي (السودان) في منعة بني صهيون».
تأتي خطوة الجنرال البرهان، بعد أيام قليلة من إعلان الرئيس الأمريكي دونالد ترامب «صفقة القرن» التي يُراد منها تصفية القضية الفلسطينية ليشكّل هذا اللقاء طعنة في ظهر الشعب الفلسطيني وخروجاً صارخاً عن الإجماع العربي.
وأيا كانت مآرب هذا اللقاء، فإن عبد الفتاح البرهان لا يملك حق القفز فوق إرادة الشعب السوداني الرافض تاريخيا للتطبيع. لقد ولى ذلك الزمن الذي يستمد فيه القائد شرعيته من دولة الاحتلال، وجاء زمن الثورة التي تعطي وحدها الشرعية لمن يستحق. والشعب السوداني يعرف تماما كيف سيحبط هذه المؤامرة مكشوفة الأهداف.
القدس العربي