القضية الفلسطينية في الجامعة العربية… لماذا يتكرر الفشل؟

القضية الفلسطينية في الجامعة العربية… لماذا يتكرر الفشل؟

كأول ردّ فعل للجامعة العربية، ورداً على طلب المندوبية الدائمة لدولة فلسطين في الجامعة العربية، عقدت الدورة العادية لمجلس الجامعة العربية على المستوى الوزاري اجتماعها لبحث الخطة الأميركية للسلام في الشرق الأوسط في ظل رفض فلسطيني مُسبق لما تضمّنته الخطة من بنود، والإعلان عن البدء في سلسلة إجراءات جديدة تتعلق بوضع السلطة الفلسطينية والتغيير الوظيفي لمهامها بناءً على الطرح، الذي أعلنه الرئيس محمود عباس بعد إعلان تفاصيل الخطة رسمياً.

وقائع جديدة

سيتحرّك الجانب الفلسطيني على عدة مستويات في الفترة الراهنة، انطلاقاً من حركة دبلوماسية بدأت بالجامعة العربية لمحاولة إيجاد أرضية فلسطينية عربية وعبر لجنتها للمتابعة، التي تواصلت مهامها عدة سنوات دون جدوى حقيقية.

لكن الجانب الفلسطيني سيصطدم بوجود مواقف، وليس موقفاً بالمعنى المعروف تجاه القضية الفلسطينية، خصوصاً أن ردود الفعل العربية لم تكن واحدة تجاه الخطة الأميركية المُعلنة للسلام في الشرق الأوسط، ما بين مؤيدٍ، ومعارضٍ، ومؤيدٍ بتحفظ، وهو ما سينعكس على تحرّكات الجامعة العربية.

وظهر جلياً في اجتماع القاهرة الأخيرة، وهو أمر طبيعي بالنظر إلى أن القضية الفلسطينية، بات إشكالية حقيقية أمام تطور العلاقات العربية الإسرائيلية، ودخولها مرحلة نوعية جديدة خارج المنظومة التقليدية المعتادة .

علمتُ من مصادر خاصة أن الرئيس محمود عباس سيتجه خلال الأيام المقبلة إلى الأمم المتحدة لطلب عقد اجتماع خاص لمجلس الأمن، وأن تحركات فلسطينية سرية تجري مع المبعوث الأممي نيقولاي ميلاينوف للمعاونة في هذا الإجراء، خصوصاً أن فريقاً من الخبراء والاستشاريين الفلسطينيين الموجودين في واشنطن أوصوا بأن التحرك السريع والمباشر قد يؤدي إلى نتائج إيجابية حقيقية في هذا التوقيت ارتكاناً إلى وضع الرئيس ترمب واستمرار الإجراءات لعزله.

تعاني الجامعة العربية حالة شلل عام في مؤسساتها، وفي ظل عدم وجود إرادة سياسية من الدول العربية لتطوير دورها وتنشيط مؤسساتها مقارنة مثلاً بالاتحاد الأفريقي ليس في الملف الفلسطيني، إنما في سائر القضايا العربية الأخرى.

1- والواقع، أن الجامعة العربية فشلت منذ معاهدة السلام بين مصر وإسرائيل في صياغة موقف عربي موحد في مواجهة إسرائيل ما عدا إعلان بيروت في عام 2002، كما فشلت الجامعة في الضغط على بريطانيا عام 1947 لمنع تقسيم فلسطين، ولعل حرب 1948 كانت الأولى والأخيرة التي خاضتها الجيوش العربية بقرار من مجلس الجامعة، ثم تحوّلت القضية بأكملها إلى الأمم المتحدة.

كما فشلت الجامعة العربية رغم اتفاقياتها العربية في معاملة الفلسطينيين في الدول العربية كمواطنين عرب، وفشلت تباعاً في منع حصار الرئيس ياسر عرفات، ثم فشلت في منع التطبيع مع إسرائيل، بل وتم اختراق المقاطعة التي لم يعد لها وجود في الوقت الراهن .

2- بقيت الجامعة العربية أسيرة موقفها التاريخي من المبادرة العربية، باعتبارها المشروع العربي المطروح فعلياً رغم أن الجانب الإسرائيلي لم يتعامل مع بنود المبادرة بجدية، بل ووضع عشرات التحفظات عليها، وانطلق يصفي عناصرها تباعاً، ولم يعد مطروحاً من الجامعة العربية أي توجه، ولو أوليّ لسحب المبادرة أو تجميدها كرسالة أولى للجانب الأميركي ردّاً على الخطة المقدمة .

3- ظلت الجامعة العربية تتبنى خطاباً إعلامياً وسياسياً ومكرراً تجاه التعامل مع تفاصيل الملف الفلسطيني منذ سنوات طويلة، ما جعل اللقاءات الدورية سواء على مستوى المندوبين أو الرؤساء متوقعاً، وكأنّه إثبات لوجود الجامعة رغم أن إسرائيل باتت تتبنى خطاباً يدعو إلى إنشاء جامعة شرق أوسط مقابل الجامعة العربية وسوق شرق أوسطية جديدة مقابل السوق العربية المشتركة وفي إطار إقليمي أوسع.

4- تبنّت الجامعة العربية تجاه القضية الفلسطينية موقفاً يدعو إلى حل الدولتين، وإقامة دولة فلسطينية مستقلة عاصمتها القدس الشرقية، ووفقاً للقرارات والمواقف الدولية خصوصاً قراري 242 – 338 ومبادلة الأرض مقابل السلام، وهو الأمر الذي لم يعد له وجود على أرض الواقع فعلياً، وفي ظل تنفيذ كامل لمخططات التهويد وإتمام خطة تهويد القدس 2020، ورفض حق العودة، وباتت الجامعة في موقفها نظراً إلى غياب الرؤية، وافتقاد التنسيق بين الدول العربية، ويكفي الإشارة إلى أن أصغر دولة قادرة على جعل الإجماع ممتنعاً .

علمت من مصادر خاصة أنه لا صحة لإمكانية أن يقوم الأمين العام للجامعة العربية بأي دور دولي في الأمم المتحدة في الوقت الراهن، وأن الأمين العام للجامعة سيكتفي بإجراء سلسلة من اللقاءات والاتصالات.

كما علمت بأن الأمين العام لن يتدخل في أي وساطة في الداخل الفلسطيني في الوقت الراهن بين قطاع غزة والضفة الغربية، خصوصاً أن هناك تحفّظات واردة من بعض العواصم العربية التي قد تتحمّس لمثل هذه الزيارة في الوقت الراهن.

5- قيام دول عربية بدور ومهام الجامعة في الملف الفلسطيني ما بين القيام بدور المصالحة بين حركتي فتح وحماس والدعم التطوعي وتوفير احتياجات الشعب الفلسطيني، وتقديم المساعدات رغم أن بعض مقررات بعض القمم ومنها قمة الظهران وتونس وموريتانيا على سبيل المثال دعت إلى إقرار خطة دعم القضية الفلسطينية، وتوفير ما يحتاجه الشعب الفلسطيني، وفي ظل قطع المساعدات الأميركية عن السلطة الفلسطينية، وتجفيف مصادر الدعم للوكالة الدولية، وهو ما جعل الجامعة تقف في موقعها لا تبارحها رغم كل ما يجري من حولها من متغيرات حقيقية تتطلب مراجعة الجامعة لميثاقها وإصلاح نظامها السياسي وبدء مواجهة حقيقية لتطوير مؤسساتها .

دور نظري

وفقاً لما قاله الأمين العام للجامعة العربية أحمد أبو الغيط، فإن تحقيق السلام بين الإسرائيليين والفلسطينيين مرهون بإرادة الطرفين، وليس بإرادة طرفٍ دون الآخر، وخطة السلام التي أعلنها الرئيس الأميركي ترمب تعكس رؤية غير ملزمة، وأن المعيار الأساسي في الحكم على أي خطة لتحقيق السلام هو مدى انسجامها مع القانون الدولي ومبادي الإنصاف والعدالة، لكن موقف مجلس الجامعة العربية على المستوى الوزاري يشير إلى ما يلي:

1- صعوبة تشكيل موقف عربي موحد في الجامعة العربية تجاه الخطة الأميركية، خصوصاً أن الرئيس محمود عباس حدد مسارات متعددة دون التركيز على مسار واحد، يحتاج فيه إلى دعم عربي رغم رد الفعل في اجتماع القاهرة، الذي عكس ما يدور في الأجواء العربية من تباين في الموقف تجاه السلطة ودعمها ومساندتها دبلوماسياً ومالياً بدليل عدم الالتزام بتقديم ما اُتفق بشأنه في القمم العربية تباعاً.

2- استمرار تمسّك الجامعة العربية بالمشروع العربي المعروف باسم مبادرة السلام العربية في إشارة مهمة إلى أن الجامعة ليس لديها أي توجه للتعامل مع المبادرة ونصوصها رغم انتهائها على أرض الواقع، وأنها لم تحقق أي تحوّل إيجابي ولو مبدئي بين العرب وإسرائيل.

علمت من مصادر خاصة أنه لا نية حقيقية لعقد قمة عربية مصغرة في الوقت الراهن ترتب لها الأردن في الوقت الراهن بمشاركة فلسطين والعراق ومصر ولبنان والمغرب، وأن ما يتردد سيكون مرتبطاً بتحقيق وجود فلسطيني حقيقي في الجمعية العامة للأمم المتحدة لمناقشة الخطة الأميركية للسلام في الشرق الأوسط.

3- وجود لوبي عربي حقيقي يدفع بقوة للتعامل مع المستجدات الراهنة في العلاقات العربية الأميركية، وهو ما يتجاوز بالفعل ما يجري في الجامعة العربية التي ما زال الجانب الفلسطيني يسعى لتطوير دورها رغم ما يشير إلى عكس ذلك، وأن الجامعة كمؤسسة إقليمية تتعامل مع الاتصالات العربية الإسرائيلية دون رؤية أو استراتيجية محددة، بل وغابت التحفظات التي كانت تطرح نفسها في ملف المقاطعة، بل بالعكس سعت دول في الجامعة العربية إلى القفز على كل ما جرى الاتفاق بشأنه وطوال سنوات طويلة بشأن قرارات الجامعة العربية الخاصة بفلسطين.

الأمم المتحدة

في مقابل موقف الجامعة العربية اهتمت الأمم المتحدة بالقضية الفلسطينية منذ سنوات طويلة، وأصدرت سلسلة من القرارات المهمة في ملفات القضية (الاستيطان – اللاجئين – القدس – حق العودة…) وغيرها من الملفات، التي بقيت أغلبها على المستوى النظري في تاريخ الصراع، ولم يكتب لهذه القرارات الفعالية أو التحقق، وبقي القرار 181 الخاص بالتقسيم حبراً على ورق، كما بقي قرارا 242 و338 دون تنفيذ حقيقي في ظل رفض إسرائيلي كامل للتجاوب مع قرارات الأمم المتحدة، لكن ووفقاً لمقارنة تعامل الأمم المتحدة في التفاعل مع الخطة الأميركية للسلام في الشرق الأوسط مع نظيرتها الإقليمية ممثلة في الجامعة العربية نلاحظ ما يلي :

1- أن الأمم المتحدة بادرت على لسان الأمين العام أنطونيو غوتيريش بالتعهد بمساعدة إسرائيل والفلسطينيين على التوصل إلى سلام قائم على قرارات المنظمة الدولية والقانون الدولي والاتفاقيات الثنائية ورؤية الدولتين بناء على حدود ما قبل عام 1967.

2- أن الأمم المتحدة طرفٌ في اللجنة الرباعية، التي تضم الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي وروسيا، وأنه رغم الإجراءات الأميركية المتتالية بمنع عمل اللجنة فإن الأمم المتحدة تعاملت بإيجابية مع بعض المواقف الفلسطينية بجدية خصوصاً في ملف تجريم أعمال المستوطنات وشرعنه المستوطنات الإسرائيلية، بل وشدد مكتب الأمم المتحدة لحقوق الإنسان ومنظمات أخرى تابعة لها على أن موقف ثابت تجاه المستوطنات في الأراضي الفلسطينية بصفتها تمثل انتهاكاً للقانون الدولي رافضاً بالتالي موقف الإدارة الأميركية المعدل في هذا الصدد.

في ظل عجز مجلس الأمن تجاه تحريك الملف الفلسطيني، وهو الأمر المتوقع في حال ذهاب الرئيس محمود عباس خلال الأيام المقبلة لمجلس الأمن ليقدم الموقف الفلسطيني من الخطة الأميركية سيكون أمام الرئيس محمود عباس خياران، الأول التقدم بوضع الأراضي العربية المحتلة تحت الائتمان الدولي للحفاظ على الوضع الراهن للأراضي المحتلة، والأخير، نقل الملف الفلسطيني إلى الجمعية العامة حال استخدام الإدارة الأميركية للفيتو، إذا لجأت السلطة الفلسطينية للإعلان عن رفض الخطة الأميركية وتجريم عناصرها وبنودها، وسيكون ذلك من خلال استخدام نظام (متحدون من أجل السلام)، وفي حال صدور قرار من الجمعية العامة بذلك فسيكون له صفة الإلزام شأنه شأن قرار صدر من مجلس الأمن.

4- إذا استمر عجز مجلس الأمن في الملف الفلسطيني يمكن إذن تحريك هيئات أخرى داخل الأمم المتحدة لاتخاذ قرارات أو تبني سياسات لا تحتاج إلى قرار من مجلس الأمن، ولعل تفعيل ذلك يتم من خلال محكمة العدل الدولية مثالاً، وهو الأمر الذي لم يتوافر للجامعة العربية التي لا تملك هذه المؤسسات القادرة على أداء دور ولو رمزي لدعم القضية الفلسطينية.

الخلاصة

ستظل الجامعة العربية مقارنة بالأمم المتحدة، ورغم التسليم بأنها هي الأخرى ظلت رهينة القوى الكبرى ونظام مجلس الأمن الذي عرقل كثيراً من تمرير بعض القرارات الدولية، تعاني حالة من الفشل المزمن نتيجة تباين إرادات الدول ونظام التصويت والاتجاه إلى تبني علاقات جديدة في نطاقها الإقليمي ليس فقط تجاه إسرائيل، إنما أيضا تجاه إيران وتركيا، وهو ما أثر في موقف الدول العربية ودعمها الحقيقي للقضية الفلسطينية التي باتت تحتل واقعياً، رغم كل ما يتردد، مرتبة تالية بدليل عدم تفعيل شبكة الأمان المالية العربية والالتزام بدعم موازنة دولة فلسطين بمبلغ 100 مليون دولار وفقاً لمقررات قمة تونس وغيرها من القرارات التي ظلت حبراً على ورق، ما سيعطي الفرصة للجانب الإسرائيلي للدعوة لجامعة شرق أوسط جديدة في إطار إقامة علاقات تعاون إقليمي بين العرب وإسرائيل.

طارق فهمي

اندبندت العربي