بالتزامن مع إعلان صحيفة «إسرائيل اليوم» عن اتصالات تجري لعقد لقاء بين رئيس الوزراء الإسرائيلي ووليّ العهد السعودي محمد بن سلمان يتابع سعوديون خطّا يبدو ممنهجا لترتيب الأجواء الشعبية في المملكة وخارجها على هكذا خطوة وذلك عبر أشكال من التعبير والاقتراحات تثير التعجب مرات، والسخرية في أغلب الأحيان.
كان آخر ما تفتقت عنه مخيلة الأكاديمي السعودي أحمد الفراج، على سبيل المثال، انتقاد ارتداء النائبة الأمريكية لزي فلسطيني خلال الخطاب السنوي للرئيس دونالد ترامب بشأن «حالة الاتحاد». النائبة قالت إن ارتداءها للثوب الفلسطيني كان بقصد الاحتجاج على ترامب، وهو فعل لطيف وحضاريّ للتذكير بهويّتها الفلسطينية التي يحاول ترامب وصهره تصفيتها عبر خطتهما الشهيرة بـ«صفقة القرن»، وعبر الفراج عن انزعاجه باقتراح قدّمه ترامب سابقا، وهو عودة طليب إلى فلسطين، متبرعا لها، على سبيل السخرية على ما يظهر، بشرائه تذكرة سفرها وشقة لها في رام الله، كما أنه تطوّع بتقديم العرض نفسه لزميلتها «المحتجبة بجانبك إلهان عمر»، على حد قوله، فجمع الفراج بتغريدته بين تملّق ترامب، والتعريض بخصومه الديمقراطيين، والإساءة لفلسطين والفلسطينيين، وفوق كل ذلك التعريض بنائبة أمريكية بسبب كونها مسلمة محجبة، معبّرة بذلك عن منظومة من عقد النقص النفسية والسياسية.
كان غريبا، في المقابل، ما جرى للمندوب الدائم سفير تونس لدى الأمم المتحدة منصف بعتي، والذي تمت إقالته بعد شهرين فقط من تعيينه في منصبه، في سابقة أولى للدبلوماسية التونسية التي لم يسبق أن أقالت دبلوماسيا بعد بضعة أسابيع من استلامه موقعه، وحصلت الإقالة بعد ساعات من تقديم السفير لقرار تونسي ـ عربيّ لمجلس الأمن لإدانة «صفقة القرن» الأمريكية ـ الإسرائيلية، والتي دافع فيها المنصف بعتي عن فلسطين وجهّز خطابا حماسيا، اقتداء ربما برئيس الدولة قيس سعيّد، مما أدّى، على ما يفترضه التحليل، إلى غضب الولايات المتحدة الأمريكية التي قامت بدورها بالضغط على الخارجية التونسية فقامت بإقالته بهذه الطريقة المؤسفة.
الفارق مع ذلك، بين القصتين، أن البعض يتطوّعون لإهانة شعوبهم وهويتهم وثقافتهم ويتبارون في الاستخذاء للأمريكيين وللحكام، ممهدين الطريق لمزيد من الاستتباع واستئساد الأجنبي عليهم، والتبرير للمستبدين والمحتلين أفعالهم، فيما البعض الآخر يحاولون، ما استطاعوا، رد الأذى عن إخوانهم الفلسطينيين، وهو في الوقت نفسه، دفاع عن أنفسهم وبلدانهم وأراضيهم وأعراضهم، ويتعرّضون في سبيل ذلك للضغوط والابتزاز.
غير أن وجود بعض المهازل التي تلفت النظر وتثير الجدل لا يجب أن يجعلنا نلتفت إلى أن هذا الاتجاه الثاني، رغم الضغوط والإغراءات، ما زال يجد له صدى كبيرا في الشوارع العربية كما رأينا من تلاحم بين القضايا العربية والفلسطينية في مظاهرات الجزائر وتونس والأردن والسودان واليمن والعراق ولبنان والمغرب.
هذا التلاحم بين نضال الشعوب لنظم ديمقراطية ولقضايا الكرامة والعدالة والتنمية لا يمكن أن ينفصم عن نضال الفلسطينيين ضد الاحتلال، وكل فصل بينهما هو نوع من أنواع الخداع.
القدس العربي