بعد هجوم فريق “القبعات الزرق” التابع لـ”سرايا السلام”، الجناح العسكري لـ”التيار الصدري” بزعامة مقتدى الصدر، على متظاهري النجف وكربلاء، يومي الأربعاء والخميس الماضيين، ما أدى إلى سقوط عشرات القتلى والجرحى، أسفرت ضغوط مورست على الصدر لسحب أتباعه من خطّ المواجهة مع المتظاهرين في بغداد ومدن جنوب ووسط البلاد، عن نتائج مهمة خلال الساعات الماضية. وأعقب الاجتماع الذي عقده ممثل الصدر، أو ما يعرف بـ”معاونه الجهادي”، أبو دعاء العيساوي، مع متظاهري ساحة التحرير في بغداد، ليل أول من أمس الجمعة، عن تفاهماتٍ على سحب “القبعات الزرق” من ساحات التظاهرات، في الوقت الذي خلت فعلاً بعض الساحات الرئيسية للتظاهرات جنوب العراق من هؤلاء العناصر، باستثناء النجف والبصرة.
واعتبرت هذه التفاهمات نصراً جديداً للمتظاهرين نتيجة ثبات موقفهم، على الرغم من تصعيد القمع. وهي تأتي بعد خطبة المرجع الديني في النجف علي السيستاني، التي ندّد خلالها بالهجوم على متظاهري النجف، مشدداً على أن تأمين التظاهرات، أو الكشف عن المندسّين، من مهمة قوات الأمن، وليست أي جهة أخرى، أياً تكن.
وأمر زعيم “التيار الصدري”، أمس السبت، “القبعات الزرق” بالانسحاب من ساحات التظاهرات. وكشف الناشط البارز في بغداد، سيف سجاد، لـ”العربي الجديد”، أن انسحاب الصدريين من ساحات التظاهرات سيكون مقتصراً على أصحاب “القبعات الزرق”، وعلى وقف هجماتهم، أما بالنسبة لتواجد المناصرين في الساحات، فلا يحق لأحد منعهم أو منع أي عراقي من التظاهر. ونتيجة لذلك، رأى سجاد أن اليوم الأحد سيكون “بداية لتظاهرات جديدة أقل قلقاً بعد الهجمات المفاجئة بالسكاكين والحراب والعصي”.
”
انسحاب الصدريين من ساحات التظاهر سيقتصر على أصحاب “القبعات الزرق”، وعلى وقف هجماتهم
”
وفي ما يخص تفاصيل الاجتماع، قال أحمد عبد الحسين، أحد أبرز قادة التظاهرات في بغداد، لـ”العربي الجديد”، إن “أبو دعاء العيساوي، المستشار الأمني والعسكري لزعيم التيار الصدري مقتدى الصدر، اقترح على التنسيقيات في ساحة التحرير القبول بترشيح محمد توفيق علاوي لرئاسة الحكومة الجديدة خلال الفترة الراهنة، لكنه مقترح قوبل بالرفض من قبل أغلب تلك التنسيقيات والناشطين”. وأوضح أنه “من ضمن الاتفاق الذي جرى خلال الاجتماع، أن يقدّم التيار الصدري اعتذاراً، وهو أمر مهم جداً، لأنه يدل على أنه الجهة التي تقف وراء قمع وقتل المحتجين، ما يتطلب إجراءات لتعويض الضحايا، وتقديم وعد حقيقي بعدم التكرار”. وإذ رأى أن “انسحاب القبعات الزرق من ساحات التظاهرات سيخفف من حدة الاحتقان”، أشار إلى أن “من ضمن الاتفاق أيضاً، تسليم المطعم التركي للمتظاهرين، بشرط أن يكون التسليم من الشخصيات المعرفة من أصحاب الخيم المتواجدين في ساحة التحرير”.
كذلك تضمّن الاتفاق، بحسب عبد الحسين، “ترقيم الخيم المتواجدة في ساحة التحرير، لتحديد الجهة التي تتبع لها، وهو بدوره أمر مفيد، فنحن نحتاج إلى القدرة التنظيمية الموجودة لدى التيار الصدري”، مؤكداً وجود “عقبة واحدة، وهي اختلال الثقة بين المتظاهرين وبين التيار الصدري خلال الأيام الماضية، أما إعادة الثقة فهي من مسؤولية التيار الصدري، الذي ينبغي عليه بناء سياسة جديدة”.
من جهته، وصف المتحدث باسم مليشيا “سرايا السلام” التابعة لزعيم “التيار الصدري”، صفاء التميمي، في اتصال مع “العربي الجديد”، اجتماع ليل الجمعة بـ”التنسيقي”، مؤكداً أن فريق “القبعات الزرق سيكونون خارج ساحات التظاهر”.
وفي ما يخص مبنى المطعم التركي في بغداد، أكد التميمي أنه سيعود “المنصّة الحرة لإطلاق صيحات التظاهرات، ويبقى مشتركاً لكل المتظاهرين وكل من يريد أن يدخل إليه من وسائل الإعلام أو المتظاهرين”. وشدّد على أن “خروج أصحاب القبعات الزرق من ساحات الاحتجاج، لا يعني انسحاب المتظاهرين الصدريين منها، فالصدريون متظاهرون عراقيون منذ انطلاق ثورة أكتوبر/تشرين الأول الماضي، وحالهم حال المتظاهرين السلميين الآخرين”.
وفي تصريح صحافي له، لفت المتحدث باسم “سرايا السلام” إلى أن الاجتماعات بين قيادات “السرايا” والمتظاهرين في ساحة التحرير ليست الأولى، لكن المستجد فيها هو مشاركة أبو دعاء العيساوي فيها ليل الجمعة، موضحاً أن الاجتماعات ركزت على نقاط عدة، من بينها استمرار التظاهرات والحفاظ على سلميتها، وإبعاد “المخربين والمندسين”، وتقوية الأجهزة الأمنية في بغداد لحماية ساحات التظاهر.
”
اقترح أبو دعاء العيساوي، مستشار الصدر، على تنسيقيات ساحة التحرير، القبول بترشيح علاوي لرئاسة الحكومة
“وتعليقاً على الاجتماع، رأى المحلل السياسي العراقي، هشام الهاشمي، في حديث لـ”العربي الجديد”، أنه “جاء من أجل التهدئة، وليس التفاوض أو تسوية وتفاهماً لتحالف جديد، وذلك بهدف معرفة كل جهة لحدودها، كما جاء استجابة لخطبة مرجعية النجف، التي جاءت سريعة”.
وأوضح الهاشمي أن “الصدمة التي عاشتها الخيم وساحات الاعتصام والاحتجاج، كانت ضرورية لإجراء مراجعات واضحة فيها مع الصدريين، فهذه تدفعهم إلى تأسيس تنظيمات جديدة، وتحضير الأحزاب للدخول في الانتخابات المبكرة”. وأضاف أن “التهدئة مهمة جداً، فالساحات فرغت من روادها، والمتظاهرون المدنيون لا يستطيعون الصمود أمام تحدي الصدريين، ولهذا فإن الحوار والتهدئة مهمان للمدنيين قبل الصدريين، فهم لا يمتلكون حزباً أو سلطة، ولا آليات لحماية أنفسهم، ما سيجعلهم عرضة للكثير من الخسائر على مستوى الدماء، أو على المستوى الدعم اللوجستي في الساحات”.
سياسياً، واصل رئيس الوزراء العراقي المكلف محمد توفيق علاوي حراكه الرامي إلى إعلان تشكيلته الحكومية قبل انتهاء المهلة الدستورية بعد ثلاثة أسابيع. وفي هذا الإطار، قال رئيس ممثلية حكومة إقليم كردستان في بغداد، فارس عيسى، إن علاوي سيزور قريباً الإقليم بهدف التحاور مع المكون الكردي العراقي، طالباً في تصريح نقله موقع “الحزب الديمقراطي الكردستاني” من “الجميع تقديم الدعم له للنجاح في تأدية مهامه”.