وهو يخلق وراءه ناراً أشعلها في خطابه الكفاحي، يُقلع أبو مازن إلى الجمعية العمومية بالأمم المتحدة في نيويورك، ليعمل ما هو جيد فيه أكثر من أي شيء آخر، فيخطب أمام ممثلي الأسرة الدولية ويطلب تأييدهم الذي لم يجده حتى الآن لا في الشارع الفلسطيني ولا في العالم العربي المحيط به.
وبالتالي، ليس هناك ما يحسد أبو مازن ورفاقه في القيادة الفلسطينية عليه. لقد بقوا بلا أوراق وبلا خيارات عمل. التوجه للأسرة الدولية لن يجدي نفعاً في ضوء الوقوف الذي لا لبس فيه من إدارة ترامب إلى جانب إسرائيل. وللحقيقة، الحديث لا يدور فقط عن ترامب وإدارته، فمعظم دول العالم امتنعت عن رفض خطة ترامب، ولا ترى فيها سبباً لتحطيم القواعد الذي يهدد فيه أبو مازن.
في إسرائيل من يدعي بأن ترامب ونتنياهو لم يتركا أمام الفلسطينيين غير طريق واحد، وهو طريق العنف. ولكن أبو مازن يعرف أفضل منهما بأن هذا الطريق مآله الفشل ولن يؤدي إلى أي نتائج. يصعب الافتراض بأن ما فشل الفلسطينيون في تحقيقه في أيام الانتفاضة في بداية سنوات الألفين، التي خلفت أكثر من ألف إسرائيلي قتيل، يمكنهم أن يحققوه اليوم في ضوء التفاوض الأمني والاستخباري الإسرائيلي.
وعليه، مثلما الحال دوماً، تدمن القيادة الفلسطينية على الأمل العابث وتعلق آمالها، سواء على الأسرة الدولية، أو على تغيير يقع في إسرائيل أو في الولايات المتحدة في أعقاب الانتخابات القريبة في الدولتين. وكما الحال دوماً، يفضل الفلسطينيون أن يعيشوا، انطلاقاً من الخيار، بين خطاب في الجمعية العمومية للأمم المتحدة وخطاب في جلسة مجلس الأمن، وبين انتخابات وانتخابات، وليكتشفوا وليخيب أملهم في كل مرة من جديد بأن شيئاً لن يحصل.
الورقة الوحيدة المتبقية في يد أبو مازن، باستثناء العودة إلى طاولة المفاوضات التي لم تعد خياراً بالنسبة له، هي التهديد بحل السلطة، ولكن هذه الخطوة سترجع الفلسطينيين سنوات جيل إلى الوراء. وكبديل، يمكنه أن يهدد بالعنف دون أن يقصد ذلك، غير أن المشكلة هي أن الشباب على الأرض لا يفهمون عمق نوايا الرئيس، ومن شأن النتيجة أن تكون موجات عنف، وإن كانت بعيدة جداً عن انتفاضة حقيقية إلا أن الفلسطينيين سيدفعون ثمنها أولاً وقبل كل الآخرين.
مهما يكن من أمر، وحتى حين لا يفعلون شيئاً غير الحديث والخطابة، فلعدم الفعل دينامية خاصة به. ولا يمكن إبقاء السلطة والحركة الوطنية الفلسطينية على قيد الحياة فقط على أساس الخطابات والأحلام والترقب لنتائج الانتخابات. فكفيلة للسلطة بأن تتفكك في نهاية اليوم، وستكون النتيجة اندفاعاً من الفلسطينيين نحو الإسرائيلية والمواطنة الإسرائيلية، وهكذا سيذكر أبو مازن كمن دفع الفلسطينيين للتحول إلى إسرائيليين.
القدس العربي