بعد مجازر اتهم بها أنصاره أوقعت عشرات القتلى والجرحى في عدة مدن عراقية أطلق الزعيم الشيعي مقتدى الصدر تغريدة سماها «ميثاق ثورة الإصلاح». تضمنت الوثيقة 18 بندا طالب فيها الصدر بالاستمرار بسلمية المظاهرات وعدم تسييسها «لجهات داخلية أو خارجية»، بعدم التدخل في تشكيل الحكومة المؤقتة ولكنّ أكثر البنود إثارة للجدل كانت مطلب «الفصل بين الجنسين» في الحراك، في إعادة استخدام لاتهام المتظاهرين بـ«أمور غير أخلاقية» في ساحات الاحتجاج، وهي التهمة التي استعملها أنصار الصدر في هجمات استخدم فيها الرصاص الحيّ والسكاكين والهراوات.
تستعيد التهمة المذكورة سلسلة طويلة من الأمثلة السابقة التي طالما استخدمتها أنظمة عربية لحرف الحراكات السياسية عن طابعها وتوجيهها باتجاه «أخلاقي»، ونتذكر في هذا السياق وصف صحيفة «الوفاق» السودانية لاحتجاجات جرت عام 2009 بـ«مظاهرات الشواذ والعاهرات»، كما نستذكر اتهامات مشابهة قام بها النظام المصري للإساءة إلى المتظاهرين في ساحة التحرير عام 2011، وضد ناشطات بعد الانقلاب العسكري عام 2013، وقد استخدمت اتهامات جنسية وأخلاقية للإساءة لحراكات سياسية ولإسكات معارضات وصحافيات.
بلغ عدد قتلى انتفاضة العراق حتى الآن قرابة 780 شخصا، وتم توثيق 171 حالة اختطاف واغتيال واعتداء على ناشطين وصحافيين، وكان للنساء نصيبهن من عمليات الخطف والاغتيال كما حصل مع المسعفة جنات ماذي التي اغتيلت في 22 كانون الثاني/يناير الماضي، والطالبة الجامعية والناشطة الميدانية زهراء علي سلمان (19 عاما) التي اختطفت ثم ألقيت جثتها أمام منزلها بعد 10 ساعات من خطفها، كما اختطفت المسعفة صبا المهداوي، كما نجت الناشطة نهاوند تركي من محاولة اغتيال في مدينة الناصرية، وتوفيت الناشطة والمسعفة هدى خضير أثناء مشاركتها في إسعاف المحتجين، كما تم قتل المتظاهرات مريم كامل وشهد علي وعلياء صلاح ومروة حسن وعلياء وسارة حيدر وزينة بهاء.
ماري محمد، إحدى الناشطات اللاتي تم اختطافهن وأطلق سراحها بعد 5 أيام حكت عن قيام الجهة الخاطفة بالتحقيق معها وسؤالها عن «دعم من جهة أجنبية»، ويشير إطلاق سراح هذه الناشطة والأسئلة التي وجهت إليها الطابع المسيّس للاعتقال، ولعلّ إطلاقها يعود لتعدد «الجهات» التي تقوم بالخطف، وطرق «الاجتهاد» في التعاطي مع المخطوفات.
رغم أن الزعيم الشيعي لا يستنّ في دعوته لـ«الفصل بين الجنسين» سنّة جديدة ولكنّه يتجاهل، بقصد أو بغير قصد، تراثا إسلاميا عظيما يبدأ من الثورة المحمدية نفسها، ودور النساء فيها عظيم، مرورا بالتراث الشيعي نفسه والتقديس الكبير الذي يوليه لفاطمة زوجة علي، وزينب ابنته، وكثيرات غيرهن، مرورا بالعراقية بنت الهدى الصدر شقيقة الزعيم الشيعي الكبير محمد باقر الصدر والذي هو والد زوجة مقتدى الصدر نفسه، وصولا إلى الثورة الإيرانية نفسها عام 1979، والتي كانت النساء فيها في كل المظاهرات.
بإساءة تياره المتعمدة للنساء، واستهدافه المتظاهرين، يسيء مقتدى الصدر لتراث عائلته نفسها، وللتراث الثوري الإسلامي، وفوق ذلك كله يسيء للعراق.
القدس العربي