تتبيّن يوما بعد يوم صعوبة تنفيذ القرار الذي اتخذه البرلمان العراقي بإخراج القوات الأجنبية وضمنها القوات الأميركية، من العراق، وذلك بالنظر إلى ضعف الدولة العراقية وارتباك العمل الحكومي مع وجود حكومة مستقيلة واستعصاء تشكيل حكومة جديدة. ورغم الضغوط الإيرانية على بغداد لتنفيذ القرار إلاّ أنّ الأخيرة لا تبدو مستعدّة للدخول في عملية ليّ ذراع غير متكافئة مع الولايات المتحدة التي يمثل إبقاء قواتها على الأراضي العراقية مصلحة استراتيجية ليست بوارد التفريط فيها.
بغداد – نفت قيادة العمليات المشتركة في العراق، الإثنين، أن تكون أي من الدول المشاركة في التحالف الذي تقوده الولايات المتّحدة ضدّ تنظيم داعش بصدد سحب قوّاتها من الأراضي العراقية.
وجاء النفي بعد رواج “معلومات” عن انسحاب قوات أميركية من قواعدها في العراق، وتقديم ثلاث دول من حلف شمال الأطلسي طلبا لسحب قواتها المشاركة في التحالف الدولي ضدّ داعش.
ومن جهتها قالت مصادر سياسية عراقية إنّ تلك “المعلومات” مجرّد إشاعات ضمن حرب نفسية مرتبطة بصراع النفوذ في العراق الذي تخوضه بشكل أساسي كل من الولايات المتحدة وإيران.
ورجّح أحد المصادر طالبا عدم الكشف عن اسمه “أن تكون طهران وراء ترويج إشاعة انسحاب القوات الأجنبية من العراق، وهي التي أعلنت بشكل متكرّر أن إخراج تلك القوات، وتحديدا القوات الأميركية، من الأراضي العراقية سيكون أنسب ردّ على قتل الجنرال بالحرس الثوري الإيراني قاسم سليماني بغارة جوية قرب مطار بغداد الدولي فجر الثالث من يناير الماضي”.
وربط ذات المصدر ترويج تلك الإشاعة بأربعينية سليماني الذي قتل معه القيادي في الحشد الشعبي العراقي أبومهدي المهندس. وقال إنّ إيران ما تزال تشعر بالحرج من عدم تنفيذ وعيدها بردّ مؤلم على قتل سليماني واكتفائها بقصف صاروخي على قاعدتين أميركيتين في العراق لم يسفر سوى عن خسائر مادية.
وقال اللواء تحسين الخفاجي المتحدّث باسم قيادة العمليات المشتركة في العراق إنّ الأنباء التي نُشرت بشأن تقديم ثلاث دول طلبا إلى قيادة العمليات المشتركة، من أجل وضع جدول زمني لسحب قواتها من العراق، عارية عن الصحة.
وأضاف “هناك أخبار أخرى تحدثت عن انسحاب القوات الأميركية من 15 قاعدة في العراق، وهي غير صحيحة ولا يوجد أصلا مثل هذا العدد” من القواعد.
وكانت وكالة الأنباء العراقية قد نقلت عن بدر الزيادي النائب بالبرلمان عن تحالف سائرون الذي يرعاه رجل الدين الشيعي مقتدى الصدر، قوله إنّ كلاّ من فرنسا وألمانيا وأستراليا، قدمت طلبا إلى قيادة العمليات المشتركة من أجل وضع جدول زمني لسحب قواتها من العراق، لافتا إلى أنّ “جميع قوات التحالف أوقفت عملياتها كخطوة أولى للانسحاب”.
وأضاف الزيادي أنّ “الحكومة المقبلة مسؤولة عن وضع جدول زمني سواء لخروج القوات الأجنبية أو وجود القواعد العسكرية في بعض المناطق، وخاصة في إقليم كردستان”، مبينا أنه “لا يوجد أي تحرك أو طلعات جوية لقوات التحالف في الوقت الراهن”.
وتروج توقّعات بأن يكون إقليم كردستان العراق موضعا بديلا لتواجد القوات الأميركية على الأراضي العراقية في حال اضطرت واشنطن بالفعل إلى سحب قواتها من باقي مناطق البلاد، وذلك بالنظر إلى العلاقات الوطيدة التي تجمع بين واشنطن وقيادة الإقليم.
ومن جهته أكّد عضو لجنة الأمن والدفاع النيابية، علي الغانمي النائب عن تحالف الفتح الممثّل السياسي لفصائل الحشد الشعبي المقرّبة من إيران “بدء انسحاب القوات الأميركية من قواعدها الموجودة على الأراضي العراقية”.
وقال الغانمي في تصريح صحافي، إن الولايات المتحدة بدأت تغادر العراق وبدأت قواتها بالانسحاب فعليا من 15 قاعدة عسكرية.
ولفت إلى أن الأميركيين اقتصر وجودُهم في قاعدتين؛ الأولى في أربيل مركز إقليم كردستان العراق والثانية قاعدة عين الأسد في محافظة الأنبار.
وأضاف الغانمي، أن الولايات المتحدة تتمسك ببقاء قواتها في القاعدتين المذكورتين، “لكن الضغط الشعبي والبرلماني يصر على انسحاب القوات الأميركية من جميع القواعد”.
وكانت قاعدة عين الأسد قد تعرّضت لقصف صاروخي إيراني في إطار الردّ على مقتل سليماني. ووصلت، الإثنين، فرق هندسية عسكرية أميركية إضافية إلى القاعدة بحسب مصادر عسكرية وعشائرية نقلت عنها قناة العربية. وربطت المصادر استقدام تلك الفرق بمزيد حماية القاعدة وإقامة تحصينات جديدة لها.
ووقفت إيران التي تملك تأثيرا واسعا على الحياة السياسية في العراق عن طريق قادة الأحزاب والميليشيات النافذين الموالين لها، وراء إصدار البرلمان العراقي الشهر الماضي قرارا يلزم حكومة بغداد بإخراج القوات الأجنبية من البلاد.
لكن أغلب المتابعين للشأن العراقي قللّوا من قدرة الحكومة العراقية الضعيفة -وهي أساسا حكومة مستقيلة تقوم بتصريف الأعمال- على تنفيذ ذلك القرار الذي اقتصر التصويت عليه في البرلمان على النواب الشيعة، في غياب أغلب النواب السنّة والأكراد.
ويعني إصرار بغداد على مطالبة الولايات المتّحدة بسحب قواتها من العراق، الدخول في عملية ليّ ذراع غير متكافئة مع واشنطن التي تمتلك الكثير من وسائل الضغط على السلطات العراقية.
ورغم رفع حكومة رئيس الوزراء المستقيل عادل عبدالمهدي بادئ الأمر من نبرة مطالبة القوات الأميركية بالرحيل عن العراق، يؤكّد نفس المصدر أنها ليست جادّة في ذلك ولا ترغب في خوض تلك المعركة ضدّ إدارة دونالد ترامب المستعدّة لإشهار سلاح العقوبات الاقتصادية في وجه أي دولة لا تستجيب لطلباتها ولا تساير سياساتها.
وقال ترامب في وقت سابق إنّ بلاده لن تغادر العراق قبل أن يدفع تكلفة قواعدها العسكرية هناك، مهدّدا بفرض عقوبات على بغداد “لم تر مثلها من قبل، وتكون العقوبات على إيران بجوارها شيئا صغيرا”.
وسبق لواشنطن أنّ هدّدت بفرض عقوبات على العراق في حال لم يلتزم بتنفيذ العقوبات الشديدة المفروضة على إيران. ومن شأن تنفيذ ذلك التهديد أن يوجّه ضربة قاصمة للاقتصاد العراقي، ويجعل البلد الذي يستخدم الغاز الإيراني في توليد جزء كبير من الطاقة الكهربائية عاجزا عن إمداد قسم كبير من سكّانه بالكهرباء.
ولجأت الولايات بشكل متكرّر إلى تمديد السماح للعراق بمواصلة استيراد الغاز الإيراني. وقال مسؤولان بالحكومة العراقية، الاثنين، إنّ واشنطن وافقت مجدّدا على تمديد فترة السماح تلك.
العرب