احتفل النظام الإيراني بمرور السنة الأولى من العقد الخامس على انتصار ثورته في عام 1979، والاحتفال هذه السنة قد يختلف عن احتفالات السنوات الماضية، نظراً للظروف الداخلية والخارجية التي تمر بها إيران على خلفية التطورات التي تشهدها الصراعات بين الأقطاب السياسية من ناحية، وما تتعرض له إيران من حصار أميركي ذي طابع دولي وضغوط تطال دورها الإقليمي.
ولعل ما يميز احتفالات هذه السنة، اللهجة العالية التي استخدمها الرئيس الإيراني حسن روحاني في خطابه في احتفال ذكرى الانتصار الذي يقام كل سنة في ساحة الحرية إلى الغرب من مدينة طهران، وهي لهجة تعبر عن عمق الخلافات القائمة داخل أركان النظام في ما يتعلق بطبيعته السياسية، وتشكل المواقف التي أطلقها روحاني حول ما يعتري العملية الانتخابية المرتقبة لاختيار نواب البرلمان في الأسابيع المقبلة أبرز وجوه الخلاف بينه وبين مراكز القرار في تركيبة النظام، ومن صلب دفاعه عن إحدى أهم وظائفه الدستورية في الدفاع عن الركن الجمهوري للنظام، طالما أن الركن الإسلامي فيه بات طاغياً وله قوى تعمل على تغليبه وتكريسه خياراً يضع النظام في بعد آحادي ينسجم مع توجهاتها.
روحاني في الانتقادات المباشرة التي وجهها إلى جهات في النظام والتي تمتلك مفتاح التحكم باتجاهات الانتخابات البرلمانية والرئاسية، استعاد المبادئ والمواقف التي سبق لمؤسس الثورة والنظام، واستعادة مواقف المؤسس وبعد أربعة عقود يشكل بحد ذاته موقفاً نقدياً من السياسات التي يتبعها ويطبقها النظام، خصوصاً في ما يتعلق بالانتخابات، وتحمل اتهاماً غير مبشر بابتعاد القيادات الحالية عن الأفكار والمبادئ التي قامت عليها الثورة ومن أجلها ثار الإيرانيون على النظام الملكي. فأشار إلى وجود أشخاص يعتقدون بضرورة إضعاف ركن الجمهورية في النظام وتعزيز ركن الإسلامية، “وأقول لهؤلاء الأعزاء بكل أدب واحترام إنكم مخطئون”، معتبراً الاختيار بين هذا الركن وذاك الركن “ليس صحيحاً” كالاختيار بين المقاومة والدبلوماسية في التحديات التي تواجهها إيران في هذه المرحلة، مؤكداً أن الأمور ليست بهذه الحدة، بل يجب اعتماد منهج يجمع بين البعدين، “أي الجمهورية والإسلامية كما علمنا الأمام الخميني”، المقاومة والدبلوماسية للتعامل مع العالم والصمود، الاكتفاء الذاتي والتجارة مع الخارج، والتقدم مع العدالة.
عودة روحاني للتذكير بأن السبب الرئيس لثورة الشعب الإيراني وخروجه ضد النظام الملكي يعود إلى أن النظام الملكي حرم هذا الشعب من حق الانتخاب والاختيار، إن كان على صعيد العملية البرلمانية أو في الحياة السياسية أو الاجتماعية، وإن الشعب الإيراني ثار من أجل الحصول على حق الانتخاب، هذا التذكير حمل ويحمل رسالة واضحة من روحاني إلى قيادة النظام من مغبة اعتماد سياسات مماثلة لسياسات النظام الملكي وسلب الشعب حق الانتخاب والاختيار، وأن ما تشهده العملية الانتخابية والمجزرة التي وقعت بحق المرشحين غير المنتمين إلى التيار المحافظ والذين لا يمثلون وجهة نظر النظام، ستقود في المستقبل إلى انفجار يشبه الانفجار الذي أدى إلى وقوع الثورة والقضاء على النظام الملكي.
هذا الموقف من روحاني يكشف عن حجم وعمق الخلاف القائم بين أركان النظام حول العملية السياسية عشية الانتخابات البرلمانية، وما تشهده من عملية إقصاء قصرية لشريحة واسعة من الإيرانيين (الإصلاحيون) لصالح شريحة لا تمثل غالبية الشعب الإيراني، وإن الاكتفاء بـ 10 ملايين شخص من مجموع أكثر من 80 مليوناً، يضع النظام أمام تساؤل جوهري يتعلق بمدى قدرته على تمثيل الإيرانيين بكل أطيافهم وتوجهاتهم حتى المعارضين منهم الذين ينضوون تحت عنوان “الاختيار والانتخاب” جوهر الثورة التي قاموا بها ضد النظام الملكي الديكتاتوري، فالثورة بحسب روحاني هي “الاختيار، والاختيار هو الثورة”.
ويمكن اعتبار خطاب روحاني محاولة جادة لتنبيه قيادة النظام من مخاطر الحالة التي وصلت إليها الأمور في إيران، وضرورة الابتعاد عن حافة الهاوية التي يسير عليها، من خلال التأكيد إن وحدة الشعب الإيراني هي التي أنتجت وقامت بالثورة قبل 41 عاماً، وهي أشد ما تحتاجه إيران في هذه المرحلة لمواجهة التحديات التي تمر بها البلاد، إن كان على مستوى الصراع مع الولايات المتحدة والحصار الاقتصادي والسياسي الذي تفرضه، وإن كان لعبور التحديات الداخلية واستعادة حالة الانسجام والوحدة بعيداً من إقصاء الآخرين أو استعدائهم.
ولعل الأخطر في كلام روحاني أنه لم يكن في حالة الدفاع عن النفس، وإن كان قد تطرق إلى العديد من الإنجازات التي حققتها حكومته في ظل الحصار الذي تواجهه جراء العقوبات الأميركية التركيعية، واعتبار ما تعرض له من هجوم وانتقاد من قبل تيار داخل النظام لا يستند إلى الحقائق وهدفه النيل من التجربة التي قادت إيران في أصعب الظروف والأوضاع من خارج رغبة وإرادة هذا التيار، فالآخر هو ما حذر منه واعتبره الأخطر ويحمل تهديداً كامناً، وهو غياب الحريات عن الحياة السياسية في إيران والثورة على العكس من الوعود التي قامت عليها، وإن غياب الحريات قد يؤسس لثورة جديدة على غرار ما حدث ضد النظام الملكي قبل أربعة عقود عندما خرجت الناس إلى الشوارع مطالبة بالحريات، وانتهت بالقضاء على هذا النظام وقيام نظام الجمهورية الإسلامية.
حسن فحص
اندبندت العربي