في وقت حسم فيه المرشح الرئاسي السيناتور بيرني ساندرز قيادته لليسار الأميركي، هناك صراع رباعي الأطراف على التيار الوسطي بين عمدة ساوث بيند الأسبق، بيت بوتيدجيج، ونائب الرئيس السابق جو بايدن، والسيناتور إيمي كلوبوشار، وعمدة مدينة نيويورك الأسبق مايكل بلومبرغ. هذا الصراع الفرعي يريح ساندرز على المدى القريب، لا سيما إذا تعمّق هذا الانقسام، لكن احتمال التفاف التيار الوسطي حول مرشح واحد خلال الأسابيع المقبلة قد يعني خسارة ساندرز الانتخابات التمهيدية.
على عكس الهامش الكبير الذي فاز به في انتخابات نيوهامبشير عام 2016 (حوالي 60 في المائة أو 151,000 صوت) ضدّ منافسته وزيرة الخارجية السابقة هيلاري كلينتون حينها، فإنّ فوز ساندرز في هذه الولاية عام 2020 كان محدوداً (حوالي 25 في المائة أو 74,000 صوت)، في ظلّ منافسة قوية من بوتيدجيج وكلوبوشار حتى في معاقل نفوذ ساندرز التقليدية، باعتبار أنه يمثل ولاية فيرمونت المجاورة في مجلس الشيوخ. قوة ساندرز أنه يقود حركة سياسية ملتزمة بأفكاره، لكن نقطة ضعفه في المقابل هي وجود سقف لهذا التأييد الشعبي له بين الليبراليين، في وقت يبدو فيه أنّ القاعدة الأوسع في الحزب الديمقراطي تبحث عن مرشح آخر.
”
الخطر الأول على بايدن يأتي من بوتيدجيج الذي حاول نائب الرئيس الأسبق وضعه تحت جناحيه في المراحل الأولى من الحملة الرئاسية
”
انتخابات نيوهامبشير أكّدت المؤكّد، أي أنّ هناك إجماعاً ديمقراطياً على ضرورة هزيمة الرئيس دونالد ترامب، لكن لا يزال هناك تردّد في اختيار أفضل مرشّح أو مرشحة لهذه المهمة، وبالتالي الانطباع هو كأنّ الناخب الديمقراطي يتصرّف مثل متسوّق يقارن السلع قبل حسم أمره. بايدن بنى كل منطق حملته حول قدرته على الفوز في الانتخابات العامة ضدّ ترامب، لكنه ناقض نفسه هذا الأسبوع عندما قال متهكماً حتى “ميكي ماوس” لو ترشّح سيفوز على الرئيس الأميركي، في دليل جديد على عدم انضباطه كمرشح بين الحين والآخر. وبدأ بايدن يحذر أخيراً من أنّ احتمال خوض ساندرز الانتخابات العامة ضدّ ترامب يعني عدم استرجاع الأكثرية الديمقراطية في مجلس الشيوخ، لكن مشكلة نائب الرئيس السابق أصبحت أكبر مع منافسيه داخل التيار الوسطي.
الخطر الأول على بايدن يأتي من بوتيدجيج الذي حاول نائب الرئيس الأسبق وضعه تحت جناحيه في المراحل الأولى من الحملة الرئاسية. تمكّن بوتيدجيج من بناء حملة أثبتت فعاليتها في ولايتي أيوا ونيوهامبشير مع قدرة على جمع التبرعات الانتخابية، لا سيما من المتمولين الكبار في الحزب الديمقراطي. هذا الشاب من ولاية إنديانا، يسعى ليكون صدى للرئيس الأسبق باراك أوباما من ناحية تجاوز الإيديولوجية في التعامل مع التحديات الداخلية، لكن اسمه لا يزال مغموراً على المستوى الوطني ويحتاج إلى إثبات قدرته على الفوز. اللافت كان مقالة افتتاحية نشرتها “واشنطن بوست” تقول فيها ليس هناك مرشحون وسطيون في الحزب الديمقراطي، بل كلهم أقرب إلى اليسار في برامجهم، في كلام يعكس ضمنياً مدى نفوذ خطاب ساندرز في الحزب الديمقراطي.
لكن إذا كان هناك من وسطية بكل ما تعنيه هذه الكلمة في السباق الرئاسي، فهي تتمثّل في كلوبوشار الأكثر قدرة على سحب الأصوات من بايدن في مواقفها التي تستوعب غير الليبراليين في حملتها، لا سيما في القضايا الاجتماعية مثل الموقف من الإجهاض. حافظت كلوبوشار على الخطاب نفسه منذ بداية حملتها على أمل أن يعطيها الناخبون فرصة، وهذا ما حصل في نيوهامبشير. السيناتور عن ولاية مينسوتا تخاطب المستقلين والمعتدلين الجمهوريين كما تخاطب الليبراليين، وترى أنّ معركة الديمقراطيين هي الحصول على كل هذه الأصوات بدل الاتجاه إلى اليسار. هي أيضاً من الوسط الغربي حيث الولايات المتأرجحة التي تصنع الرؤساء الأميركيين. لكن التحديات التي تواجهه كلوبوشار مشابهة لتحديات بوتيدجيج، أي غياب الماكنة الانتخابية المتجذرة، وعدم وجود تأييد جدي بين الأقليات وكذلك عدم امتلاك اسم معروف بعد على المستوى الوطني.
بلومبرغ في المقابل نسج علاقات مع قيادات الحزب الديمقراطي في العقد الأخير، تمهيداً لإعلان ترشيحه الرئاسي، لا سيما تعاونه مع أوباما حول التغيّر المناخي وقوانين ضبط السلاح الفردي. كما قدم الدعم المالي ليحصل الديمقراطيون على الأكثرية في مجلس النواب عام 2018. ينتظر بلومبرغ انتخابات الشهر المقبل في “الثلاثاء الكبير” لخلط الأوراق واستغلال هذا التخبط في الانتخابات التمهيدية، ولديه وصول غير محدود إلى الأموال عبر ثروته الشخصية وقد صرف إلى الآن 356 مليون دولار على حملته.
”
إذا كان هناك من وسطية بكل ما تعنيه هذه الكلمة في السباق الرئاسي، فهي تتمثّل في كلوبوشار
”
من جهته، حاول ترامب الدخول على خطّ الانتخابات التمهيدية للحزب الديمقراطي، مشيراً إلى أنه يخشى مواجهة ساندرز أكثر من بلومبرغ، لأن المرشح اليساري لديه “أتباع”، في انتقاد لاستخدام بلومبرغ لثروته في الحملة الرئاسية. لكن ترامب ينتظر ساندرز في الوقت نفسه بحال فاز، بتهمة “الشيوعي”، لرسم الصورة عنه للرأي العام الأميركي، وسيفعل الأمر ذاته مع توصيفات جديدة لأي مرشح ديمقراطي في الانتخابات العامة.
لكنّ المعركة الآن هي داخل الحزب الديمقراطي، حيث تتهاوى حملة بايدن ويسعى كل من بوتيدجيج وكلوبوشار وبلومبرغ لسحب أصوات قاعدتها الانتخابية. ظلّ ثلث ناخبي نيوهامبشير مترددين في وجهة تصويتهم حتى يوم الانتخابات الثلاثاء الماضي، وهذا يعكس المزاج الديمقراطي في الولايات المقبلة على الجدول الانتخابي. يحتاج بايدن إلى نصر انتخابي أو صدمة إيجابية لحملته، كي يوقف هذا النزيف السياسي اليومي في حملته، وأي أداء ضعيف له في انتخابات نيفادا وكارولينا الجنوبية في وقت لاحق من الشهر الحالي، سيؤدي إلى بداية هجرة جدية من حملته نحو منافسين آخرين.
الوقت يضيق وقلق القيادة الديمقراطية من صعود ساندرز بلغ ذروته، وبدأت تشعر بأنّ عليها التحرّك لوقف زحف المرشّح اليساري نحو نيل ترشيح الحزب في الانتخابات الرئاسية في شهر نوفمبر/تشرين الثاني المقبل. لكن ليس واضحاً بعد ما إذا كان انهيار حملة بايدن، سيكون سريعاً أم ستتماسك في الأسابيع المقبلة لإطالة هذه المعركة داخل التيار الوسطي.
جو معكرون
العربي الجديد