يتزايد الحديث عن مصير القوات الأميركية في العراق بعد تكليف محمد توفيق علاوي رئاسة الوزراء، بالتزامن مع احتمالية أن تقوم القوى المساندة له والمتمثلة بتحالفي “الفتح و”سائرون” بالضغط لتحريك تلك القضية، وجديتها في هذا السياق مع تزايد الحديث عن أنها ورقة تُستخدم لصياغة التسويات السياسية ومحاولة خلق التهدئة.
أولى مهام رئيس الوزراء
واعتمدت تلك القوى على الترويج لقضية إخراج القوات الأميركية في حراكها السياسي، إذ كان تحالف “الفتح”، المقرّب من إيران قد أعلن أنه “من أولى مهام رئيس الوزراء المقبل هي إخراج تلك القوات، بعد إصدار قرار برلماني يقضي بخروجها من العراق”، في وقت شدّدت الولايات المتحدة على عدم نيتها الخروج من البلاد في المرحلة الحالية، حين لوَّح الرئيس الأميركي دونالد ترمب بفرض عقوبات على العراق، إذا أصر على إخراج قواته.
وتستمر القوى السياسية الشيعية وتحديداً التيار الصدري بزعامة مقتدى الصدر، وباقي القوى والفصائل الموالية لإيران، في مطالبتها القوات الأميركية بالالتزام بمقررات البرلمان العراقي، الأمر الذي يبدو مُستبعداً في الوقت الحالي.
وأعاد الحديث عن احتمالية خروج القوات الأجنبية “التلويح بالإقليم السني بذريعة الحماية من إمكانية عودة تنظيم داعش، فضلاً عن مخاوف بدت واضحة من تزايد نفوذ الفصائل المسلحة الموالية لإيران في مناطقهم التي تُعدُّ ذات أهمية استراتيجية كبرى”.
في المقابل، عبَّرت القوى الكردستانية بشكل واضح عن رغبتها في بقاء تلك القوات على أراضيها وعدم نيتها الالتزام بأي قرارات بهذا الشأن، إلى جانب عدد من القوى السياسية الشيعية الأخرى، الأمر الذي قلّل من إمكانية تحقيق إجماع وطني حول هذا القرار.
وباتت غالبية القوى السياسية تدرك أن التصعيد في الفترة الحالية ستكون له انعكاسات كبيرة على الوضع السياسي والأمني للبلاد.
“بروباغاندا” للاستهلاك المحلي
في السياق ذاته، قال يحيى الكبيسي، مستشار المركز العربي للدراسات الاستراتيجية، إن “التحالف بين كتلتي سائرون والفتح هو تكرار لسيناريو تمرير عادل عبد المهدي وبالآليات ذاتها”، مبيّناً أن “تلك القوى تحاول ضمان الهيمنة على القرار الحكومي بالكامل”.
وفي ما يتعلق بإمكانية إخراج القوات الأميركية، أوضح لـ”اندبندنت عربية”، أنه “ليست هناك جدية حقيقية للمطالبة بخروج تلك القوات، باعتبار أن الأمر لا يصب في مصلحة إيران لأنه سيعني احتمالية عودة خطر داعش بشكل جدي، وربما يعرِّض العراق لعقوبات مباشرة من قبل الولايات المتحدة”.
ولفت إلى أن ” أميركا هددت بفرض عقوبات على أي دولة لا تلتزم العقوبات على إيران، لكنها استثنت بغداد من هذا الملف”.
وتابع “العراق يشكّل المصدر الثاني للعملة الصعبة لإيران، وهي ليست مستعدة لخسارة هذا الأمر. بالتالي، هي حريصة على عدم خروج القوات الأميركية”، لافتاً إلى أن “القوى المحسوبة على إيران في العراق ليس لديها أي قرار ذاتي، بل تنفذ ما يُملى عليها”.
ورجّح أن يكون الحديث عن إخراج القوات الأميركية “نوعاً من الابتزاز والمفاوضات الإيرانية غير المباشرة مع أميركا”.
وبناء عليه، رأى أن “قرار مجلس النواب لا يُعتبر ملزماً للسلطة التنفيذية وواشنطن هي التي دفعت هذه القوى إلى الاضطرار لوضع هذا المطلب بعد مقتل قاسم سليماني”.
ووصف دعوة إخراج القوى الأجنبية بـ”بروباغاندا للاستهلاك المحلي”.
الصدر واللعبة المزدوجة
وعن تأرجح مواقف الصدر في الفترة الماضية، اعتبر الكبيسي أن “الصدر يلعب لعبة مزدوجة، ويريد أن يكون فاعلاً أساسياً في السلطة. وفي الوقت ذاته، يحتكر الشارع للضغط على هذه السلطة”، مردفاً “هذا قد انتهى مع حركة الاحتجاج الأخيرة”.
وعبر عن اعتقاده بـ”ألاّ وجود لشيء اسمه مقاومة، بل هي كذبة تستخدمها هذه الفصائل كنوع من الخطاب المستعمل على مستوى المنطقة بما يتعلق بإيران”، مضيفاً “في المعارك ضد تنظيم داعش، كانت القوات الأميركية تقدم الأسلحة والغطاء الجوي والسياسي لهذه الفصائل وتغاضت عن كل الانتهاكات التي ارتُكبت في تلك الفترة”.
القوات الأميركية والتوافق السياسي
من جانبه، قال رئيس مركز التفكير السياسي إحسان الشمري، إن “القوى القريبة من إيران في المشهد السياسي لن تستطيع إخراج القوات الأميركية، ويرتبط الأمر بتوجهات الحكومة المقبلة وتعاطيها مع الأمن وتوازن العلاقات الإقليمية والدولية”.
وأضاف لـ”اندبندنت عربية”، “قرار إخراج هؤلاء يرتبط بالتوافق السياسي، ولا وجود لمثل هكذا توافق ولا غالبية داعمة”، لافتاً إلى أن “جزءًا من البيت السياسي الشيعي يطرح موضوع بقاء هذه القوات ويعتقد أن بقاءها جزء من حالة التوازن ورسالة إلى واشنطن أن العراق لم يُبتلَع من إيران”.
وتابع أنه “على الرغم من تصدّر الصدر وقوى تحالف الفتح لمعادلة السلطة، يبقى موضوع بقاء القوات الأميركية قيد الانتظار”، مردفاً “هذا الموضوع سيُستخدم كورقة ضغط من طهران على واشنطن”.
مفاوضات محتملة
في السياق ذاته، رأى المستشار السابق في وزارة الدفاع العراقية معن الجبوري أن “الوجود الأميركي جاء وفق معاهدات واتفاقات بين حكومتَيْ البلدين، ولا يمكن إلغاء هذا الدور من طرف واحد”، مستدركاً “ربما ستكون هناك مفاوضات لتعديل بعض بنود الاتفاق وفق المتغيرات الحالية”.
وأوضح لـ”اندبندنت عربية” أن “هذا الأمر سيُستخدم كورقة ضاغطة من خلال الأحزاب الموالية لإيران ف يما يتعلق بالعقوبات، وغيرها من القضايا العالقة بين الجانبين”.
ولفت إلى أن “غياب سليماني كان مؤثراً في الفصائل والأحزاب الموالية لإيران، لكن سياسة طهران باقية في هذا الاتجاه ولا يمكن أن ينتهي دور تلك القوى الموالية لها”.
وأكد في هذا السياق، أن “الصدر أكثر زعيم يستطيع التحكم بالشارع العراقي وهو يبعث رسائل للداخل والخارج، وهو فاعل كبير ومؤثر في التنسيق مع إيران، ويتناغم معها أيديولوجياً في الكثير من القضايا، وهو يحاول سد فراغ غياب سليماني على مستوى العراق”.
وتابع أنه “لا يمكن إسناد دور إخراج القوات الأميركية للصدر وتحالف الفتح فقط ولا حتى لرئيس الوزراء، باعتبار أن هناك كتلاً سياسية فاعلة كالكتل الكردية والسنية وحتى بعض الكتل الشيعية، التي باتت منشطرة على نفسها ومتناغمة مع الوجود الأميركي”، مبيّناً أن “تلك العوامل تصعّب من إمكانية أن تنفرد هذه القوى بإخراج القوات الأميركية وتسيير سياسة رئيس الوزراء الجديد”.
وكان البرلمان العراقي صوَّت على قرار يلزم الحكومة العمل على إنهاء وجود القوات الأجنبية، بعد الغارة التي أسفرت عن مقتل قائد فيلق القدس الإيراني قاسم سليماني ونائب رئيس “الحشد الشعبي العراقي” أبو مهدي المهندس، في مطار بغداد.
احمد السهيل
اندبندت عربي