الزائر لإيران -وتحديدا لعاصمتها طهران هذه الأيام- لا يشعر بأن البلاد تشهد يوم الجمعة المقبل انتخابات برلمانية، فلا لافتات أو شعارات أو صور لمرشحين أو دعوات لانتخاب هذا التيار أو ذاك.
للوهلة الأولى، يظن المرء أن برودة الطقس انعكست على أجواء الانتخابات، ولكن جولة في الشوارع والميادين والسؤال عما يحصل، تأتيك الجواب، فالمرشحون هجروا الواقع إلى الفضاء الإلكتروني الذي أصبح عصب حملاتهم الانتخابية.
الجزيرة نت حاولت رصد المزاج الشعبي الإيراني، وطرحت سؤالا واحدا على أشخاص يمثلون مختلف شرائح المجتمع الإيراني: من ستنتخب، الإصلاحيين أم المحافظين أم الخيار الثالث الذي بات يعرف بـ”تيار الاعتدال”؟ غير أن هؤلاء أجابوا عن السؤال بسؤال آخر: “لماذا ننتخب؟”.
هذا الإجماع على طرح السؤال دفعنا لنأخذ النقاش إلى جدلية تنتشر في إيران هذه الفترة، ووصلت إلى أروقة السياسة، حول فائدة المشاركة في الانتخابات من عدمها، وليست عن هوية المرشح وإلى أي تيار ينتمي.
رأي الشارع
يقول الشاب محمد أمين للجزيرة نت “لم يتغير شيء.. سواء شاركت أم لم أشارك، اقترعت في الانتخابات السابقة وصوتي ذهب مع الريح”.
ويتابع أن “الخيارات كلها باتت مجربة، والجميع يرفع شعار التغيير، وقد أخفقوا في تغيير سوء الإدارة ووقف الفساد المستشري في كافة المستويات وتقديم نموذج جديد يختلف عن سابقيه.. عدم الانتخاب رسالة اعتراض شديدة بوجه الجميع”.
اعلان
ومن بعيد نرى سائق سيارات الأجرة داود، متجهم الوجه وكأن لديه الكثير ليقوله، “لن أنتخب أحدا، النواب يقدمون الوعود ويخلفونها، هؤلاء لا يملكون من أمرهم شيئا، فلماذا أذهب لمراكز الاقتراع؟”.
وعلى عكس محمد أمين وداود، يؤكد محسن ضرورة الانخراط في العملية “للتغيير والتطوير”، وتابع “لا أنكر أن لدينا العديد من المشاكل في البلاد ولهذا علينا انتخاب وجوه جديدة، فبعض الوجوه القديمة رفُضت أهليتهم من مجلس صيانة الدستور لأنهم اتهموا بملفات فساد.. التغيير الديمقراطي حاجة لتجديد النظام وتحسين الأوضاع”.
هذا على أرض الواقع، أما في الفضاء الإلكتروني، فكل مرشح يحشد أدواته ويعد العدة لإقناع أكبر شريحة ممكنة من الشعب -خاصة الشباب- للتصويت له وإيصاله إلى الندوة البرلمانية.
فمواقع التواصل -بحسب الخبير في الإعلام الاجتماعي بوريا أستركي- باتت السلاح الأبرز لكافة المرشحين، للوصول إلى الناخب وشرح برامجهم وخططهم المستقبلية له، فمنذ عشر سنوات تقريبا دخل الإنترنت ومواقع التواصل بقوة على خط السباق نحو طرق باب السياسة أو العمل العام في إيران.
وهناك عامل آخر مهم توفره مواقع التواصل هو “تقليل النفقات”، وحتى الدولة تشجع المرشحين لاعتمادها منصة للوصول إلى المقترعين، وفقا لأستركي الذي يضيف أن مواقع التواصل تجمع بين التأثير وسرعة الانتشار والكلفة المقبولة.
لماذا اليأس؟
ولكن ما أسباب ثقة الشعب بأن الانتخابات لن تأتي بجديد؟ يقول المحلل السياسي سياوش فلاح بور إن الشرخ بين التيارات السياسية يتسع، وهذا ينعكس على الشعب.
ويتابع أن هناك من يحمل سياسات الحكومة الخارجية مسؤولية تدهور الظروف الاقتصادية، وآخرين يرون أن إيران معها حق وصاحبة مبدأ وأنها تقف في وجه السياسات الأميركية.
اعلان
ويرى بور أنه في حال فاز التيار المحافظ، فإن التشدد سيكون سيد الموقف، وسيحاول استعادة البرلمان الذي فقد الكثير من مكانته، أما فوز الإصلاحيين فيعني سياسة خارجية مرنة.
ويتابع أن الأوضاع الاقتصادية أثرت كثيرا على حماسة الشعب في المشاركة بالانتخابات، كما أن بعض شرائحه ترى أن السلطة السياسية لا تسمع نداءات الشعب ولا تتجاوب معها.
وتوقع أن الإقبال في المدن الصغيرة سيكون أفضل من الكبيرة، وتبقى العين على الشريحة الرمادية -وهي ليست كبيرة- التي لم تقرر المشاركة في الانتخابات من عدمها بعد.
المصدر : الجزيرة