المتظاهرون في العراق ربحوا ثالوث الحب والحرية وكسر المحرمات

المتظاهرون في العراق ربحوا ثالوث الحب والحرية وكسر المحرمات

لم يحقق المتظاهرون في ساحات العراق مطالبهم السياسية بعد، لكنهم استطاعوا أن يكسروا تابوهات كثيرة منها نزول الفتيات إلى الساحات العامة لمشاركة الشباب في الاحتجاجات فهتفن ورسمن وأسعفن وعشن قصص حب بعضها أثمر حفلات خطوبة بطريقة غير تقليدية.

بغداد – كاد علي لا يصدّق عندما أعلن صديقه فجأة أمام المتظاهرين في بغداد خطوبته على فتاة تعرّف عليها خلال الاحتجاجات التي نجحت في كسر محرمات اجتماعية عدة، وعجزت حتى الآن عن إحداث تغيير سياسي كبير.

ويرى علي خريبيط (28 عاما) الذي حضر حفل الخطوبة العفوي، أنّ المتظاهرين سجّلوا “هدفا واحدا” في مرمى السلطة مع استقالة حكومة عادل عبدالمهدي، لكن تمّ تكليف شخصية من النظام نفسه بتشكيل حكومة جديدة. لكن اجتماعيا “حققنا الكثير”.

في المجتمع المحافظ الذي تسيطر عليه إلى حد كبير أحزاب دينية، أحدثت مشاركة النساء إلى جانب الرجال في التظاهرات، وهتاف المحتجين ضد سياسيين بينهم رجال دين، صدمة بين العراقيين الذين لم يكن من الممكن أن يتصوّروا ذلك قبل احتجاجات أكتوبر.

وغصّت ساحات الاعتصام خلال الأشهر الماضية بنساء تظاهرن وأسعفن مصابين وكتبن على الجدران ورسمن الوشم على أكتاف وأذرع الشبان وشاركن في حلقات نقاش وحلقات موسيقية.

وتردّدت عبارات “إلغاء الطبقية” و”إزالة الفوارق” على ألسنة المحتجين وفي وسائل التواصل الاجتماعي، وانتشرت صور الشبان والشابات من مختلف الفئات الاجتماعية وهم يسيرون جنبا إلى جنب ويذرفون الدموع معا بعد فقدان زملاء لهم في مواجهات قتل فيها المئات.

ويلخّص أحد مستخدمي “تويتر” واقع التظاهرات في بغداد بالقول “ساحة التحرير تجعلنا نحلم”، وذلك تعليقا على وقوع صديقه، سائق عربة التوك التوك، في حب مسعفة تنتمي إلى عائلة مرموقة. واندلعت التظاهرات احتجاجا على الفساد والبطالة في بلد غني بالنفط يعاني نحو 20 في المئة من سكانه من الفقر بعد عقود من الحروب والاضطرابات. فقد دخل العراق منذ 2003 نفقا طويلا من النزاعات التي عزلته عن العالم ودفعت بالآلاف من جامعييه ومفكّريه إلى الهجرة.

ويعتبر عراقيون الفترة الممتدة بين إعلان الانتصار على تنظيم الدولة الإسلامية نهاية 2017 وانطلاق التظاهرات، مفصلية في حياتهم كونها أتاحت لهم فرصة اختبار العيش في ظل استقرار نسبي للمرة الأولى منذ أربعة عقود.

وبحسب أحمد الحداد (32 عاما)، فإنّ دوامة العنف أدخلت “الجيل الشاب في غيبوبة لسنوات طويلة، لكن الاستقرار فتح أعينهم على حقيقة أن هناك أكثر من النجاة من الموت، كالعيش بكرامة في مجتمع مدني، وكسر التزمت الاجتماعي، ووقف سطوة الأحزاب الدينية”.

ولم يكن العراق مرادفا للتشدد دوما، غير أنّ الثورة في الجارة إيران عام 1979، والقمع في الداخل حيث لم يكن يحق للمواطنين حتى امتلاك جهاز بث فضائي، ثم الحروب المذهبية والتطرف، دفعت شريحة واسعة من البلاد نحو التزمت، بحسب متابعين.

أحد المغردين على تويتر كتب بعد وقوع سائق توك توك في حب مسعفة تنتمي إلى عائلة مرموقة “ساحة التحرير تجعلنا نحلم”

وغالبا ما ينشر عراقيون على وسائل التواصل الاجتماعي صورا للجامعات العراقية وأماكن العمل خلال سبعينات القرن الماضي تظهر فيها نساء يرتدين ملابس متحرّرة برفقة رجال.

وفتحت التظاهرات الأخيرة الباب أمام ما يشبه الانقلاب الاجتماعي، خصوصا في مدن الجنوب الزراعي المحافظة ذات الغالبية الشيعية.

في الديوانية (200 كلم جنوب بغداد)، لم تتخيّل المرشدة التربوية هيّام شايع طوال أعوامها الخمسين أن تكون قادرة يوما على الاختلاط والتعبير عن رأيها في مدينة قلّما تُشاهد فيها المرأة خارج المنزل.

وتقول شايع وهي تقف بالقرب من متظاهرين مرتدية عباءتها الجنوبية السوداء “لقد تغيّرت قضايا اجتماعية كثيرة بشكل مفاجئ وكبير”.

بالنسبة لها، فإن المتظاهرين الذين قتلوا في حملة قمع أودت بحياة 550 شخصا، ضحّوا “من أجل وطن متحضر ومدني، لا متخلّف ورجعي”.

ولم تأت هذه التغييرات دون مقاومة من سياسيين وحتى مواطنين هاجموا مسألة الاختلاط، واتّهموا المتظاهرين بتعاطي المخدرات وشرب الكحول.

وكتب أحد مستخدمي تويتر “لم تسل دماء الشهداء من أجل السفور وقلّة الحشمة. هذه قلة وعي وليست ثقافة”.

إلى جانب مسألة الاختلاط، منح الزخم الكبير عند بداية التظاهرات الشبان الجرأة على انتقاد السلطة ورجال دين وشخصيات أثارت الرهبة لسنوات طويلة. وبينها الزعيم الشيعي مقتدى الصدر الذي وُوجه بسيل من الانتقادات على خلفية موقفه المتقلّب من الاحتجاجات.

وشجّعت التظاهرات كذلك شخصيات على الدعوة إلى إنهاء نظام المحاصصة بين المذاهب الذي ولد بعيد سقوط نظام صدام حسين، ومن بينهم لاعب كرة القدم السابق عدنان درجال الذي طالب بعدم “اعتماد الطائفية والمناطقية” في اللعبة الأكثر شعبية.

ووفقا لخالد حمزة، وهو مدير مركز أبحاث في بغداد، فإن الاحتجاجات قادت أيضا إلى إنهاء “قطيعة كبيرة” بين جيل قديم عايش الحروب والحصار، وجيل شاب يستعجل التغيير والتقدّم في بلد تبلغ فيه نسبة الشباب الذين تقل أعمارهم عن 25 سنة حوالي 60 في المئة من 40 مليون نسمة.

ويقول الرجل الستيني “نحن بصدد حراك تلقائي.. من شريحة من الشباب لم يُتوقع سابقا أن تنهض بهكذا مسؤولية.. لتنجز مهمات كانت أجيالنا غير قادرة على إنجازها”.

أمّا هبة التي شاركت في تظاهرات البصرة في أقصى الجنوب، فتعتبر أنّ الاحتجاجات نقطة تحوّل اجتماعي.

وتقول الشابة وقد غطت نصف وجهها بوشاح خشية التعرّف عليها وملاحقتها، إنّ الحركة الاحتجاجية “قوّت شخصيتنا وجعلتنا نميّز بين الصحيح والخطأ ونطالب بحقوقنا”.

ومع تراجع زخم التظاهرات في الأسابيع الأخيرة، يقف المحتجون عند مفترق طرق.

ويرى محمد العجيل أن الوقت الآن هو للعمل على تحقيق “الوحدة تحت مظلّة رؤية جديدة وخطة تستجيب لاحتياجات العراقيين”، وإن تطلب ذلك سنوات.

ويضيف، “ما يحصل مهم جدا، لكنه في الوقت ذاته جديد علينا. لا يمكن أن نتوقع أن يحدث كل شيء بين ليلة وضحاها”.

العرب