بعد ساعات من التنقل بين ميدان وآخر ومنطقة وأخرى لرصد آراء الشعب الإيراني وخياراته في الانتخابات البرلمانية، توقفنا لشرب العصير عند بسطة برتقال في الشارع ودفعنا ببطاقة الائتمان، في مشهد غير مألوف.
ولا يتوقف الأمر عند بسطة في الشارع أو محل خضار، إذ إن الباعة المتجولين في محطات “مترو الأنفاق” يقدمون خدمة الدفع بالبطاقة عبر الماكينات التي أصبحت من أدوات عملهم الرئيسية.
وهذا الأمر غير مسبوق في باقي الدول، ولكن إذا علمنا أن أكثر من 90% من المعاملات المالية بين المواطنين تتم ببطاقات ائتمان خاصة بالمصارف المحلية بعيدا عن الشركات الأميركية والأوروبية المشهورة عالميا، يصبح الأمر مبررا.
فإذا كنت تزور إيران لأول مرة، تتفاجأ بأن هناك نظاما مصرفيا وماليا متكاملا يخدم عشرات ملايين الإيرانيين، والأهم أنه منفصل بشكل كلي عن النظام العالمي بسبب العقوبات التي بدأت بالتهاطل على الجمهورية الإسلامية من سنوات طويلة.
فمعظم الشعب لا يحمل النقود خاصة بعد ارتفاع سعرها مقابل الدولار، إضافة إلى التسهيلات التي تقدمها الحكومة في استخدام البطاقات الائتمانية وتوجيه المواطن إلى الاعتماد الكلي عليها والتخلي عن العملة الورقية بشكل كامل.
رأي الناس؟
يقول محمد -الذي يعمل في مجال التجارة والعطارة- وهو يدفع بالبطاقة لسائق سيارة الأجرة إنه لا يذكر آخر مرة حمل فيها مبلغا كبيرا من النقود، ويتابع “لا أضع في محفظتي العملات الورقية لأنني أستطيع استخدام بطاقة الائتمان في كل أوجه الحياة، ومنذ فترة طويلة لم يطلب مني أحد الدفع نقدا مقابل أي خدمة يقدمها لي أو سلعة اشتريها، فلا حاجة لي بالعملة الورقية”.
ويقول أيضا “من الواضح أن نظامنا المصرفي جيد وأن الحكومة بذلت جهدا كبيرا لإقامة خدمات كهذه في ظل الحصار المالي والاقتصادي الخانق على البلاد والذي يحرمنا من معاملات خارجية كثيرة”.
ويستطرد “كنت أدرس في الجامعة بإحدى الدول العربية، وذهبت للمصرف لأطلب بطاقة ائتمان لكنني قوبلت بالرفض فقط لأنني إيراني، وهذا يعني أن الدول الأجنبية تحاصر الإيراني وتلاحقه في أبسط حقوقه”.
وختم “كنت أتمنى أن أستخدم بطاقتي الائتمانية خارج بلادي لشراء السلع التي احتاجها، لكن ما تفعله الحكومة في هذا المجال ينعكس إيجابا على المواطن”.
أما مير حسين (عامل فندق) فيقول إنه رغم حمله النقود الورقية لكنه لا يستخدمها ويفضل الاعتماد على بطاقات الائتمان “لأنها أسهل وأسرع”. وتابع أن والده وكل شخص يتلقى مساعدات من الحكومة يجب أن يكون لديه حساب بنكي وبطاقة ائتمان للدفع عبرها أو سحب النقود. ويضيف “نظامنا المصرفي مستقل ومتطور”.
وهناك ميزة إضافية لهذا النظام المصرفي والمالي أنه يعمل “ضمن شبكة الإنترنت الوطنية ولا علاقة لها بتاتا بالشبكة العنكبوتية العالمية” بحسب د.سعيد ليلاز أستاذ علم الاقتصاد بجامعة “الشهيد بهشتي” في طهران، في إشارة إلى نسبة الأمن والأمان اللذين يتمتع فيهما هذا النظام.
غير أن ليلاز كشف أمرا غير معلوم للكثيرين هو أن “بعض أجهزة الصراف الآلي نصبت وبدأ العمل فيها قبل الثورة عام 1979، ولم يكن بعد قُطعت علاقة النظام المصرفي الإيراني بنظام السويفت والنظام المصرفي العالمي، أي أنه لا علاقة للعقوبات بإنشاء النظام المصرفي الحالي”.
وتابع “هذا النظام المصرفي بدأ قبل نحو عشرين عاما وتوسع مع مجيء الرئيس حسن روحاني إلى سدة الحكم قبل سبع سنوات، وكان لهذا النظام فوائد كثيرة، أبرزها: تقليل حجم التداول بالأوراق النقدية، وهذا أمر مهم لأن استخدامها يؤدي إلى ارتفاع معدلات التضخم في البلاد”.
وساهم استخدام بطاقات الائتمان -بحسب ليلاز- في محاولات الحكومة احتواء التضخم وتقليل عدد زيارات الزبائن لفروع المصارف التي أغلق المئات منها خلال العام الجاري، بعدما أصبحت الخدمات متوفرة إلكترونيا.
وأوضح أنه لا يمكن إدارة اقتصاد البلاد دون هذا النظام المصرفي الإلكتروني “ففي إيران هناك أكثر من أربعين مليون هاتف ذكي حتى باتت البطاقات الائتمانية والصرافات الآلية جزءا لا يتجزأ من يوميات المواطن”.
المصدر : الجزيرة