مع تصاعد القناعة لدى العراقيين بعجز الإدانات المحلية والدولية، في الحد من استخدام العنف المفرط ضد المتظاهرين المطالبين بالإصلاح من قبل القوات الأمنية والفصائل المسلحة، واحتمال لجوء الحراك إلى خيارات أخرى، تخوض أحزاب السلطة صراعا شرسا، للحصول على نصيب في كعكة حكومة محمد علاوي المقبلة، التي يشكك الكثيرون في جدواها وقدرتها على تغيير الواقع الراهن في العراق.
وقد أثارت عدة قوى سياسية في العاصمة العراقية والمحافظات المنتفضة هذه الأيام، مخاوف من تداعيات فرض حكومة محمد علاوي على العراقيين مع استمرار العنف المفرط المنظم لإجهاض الحراك الشعبي، وسط ظهور مؤشرات احتمال لجوء المتظاهرين إلى وسائل جديدة لحماية أنفسهم وحراكهم من بينها استخدام القوة.
ففي لقاء تلفزيوني لرئيس القائمة الوطنية اياد علاوي، أبدى مخاوف من منعطف خطير قد تتجه نحوه الأوضاع في العراق، نتيجة القمع الوحشي للانتفاضة واستباحة الدم العراقي بهذا الشكل من دون توقف. وكشف علاوي بأنه يتواصل مع المتظاهرين، وأن “بعضهم أبلغوه انهم لن يبقوا للأبد بدون رد امام الاعتداءات وإراقة دمائهم، وأن بعض المتظاهرين لوحوا باحتمال اللجوء إلى السلاح للدفاع عن أنفسهم” مؤكدا أن ذلك سيتسبب في إراقة دماء كثيرة للعراقيين. وكشف علاوي عن تحركه على الأمم المتحدة، والمحكمة الجنائية الدولية والمجتمع الدولي، لكون “النظام تجاوز كل الحدود في استباحة دماء العراقيين”. وأعرب رئيس القائمة العراقية عن اعتقاده “أن الانتخابات المبكرة لن تجري في العراق لأن إيران لا تريد ذلك بل تريد المحافظة على الوضع الحالي كما هو” منتقدا الدور السيء الذي تلعبه إيران مع الانتفاضة.
وتعززت أهمية حديث اياد علاوي، بمواقف قوى دولية، منها “منظمة العفو الدولية” التي أدانت في أحدث تقرير لها عن حالة حقوق الإنسان في المنطقة، السلطات العراقية، وقالت “إنها، إلى جانب حكومة طهران، اختارت ألا تُنصت إلى أصوات المتظاهرين التي تحتج على مظالم شتى، ولجأت بدلاً من ذلك إلى القمع الوحشي لإسكات المنتقدين السلميين، سواء في الشوارع أو على مواقع الإنترنت”. وكانت بعثة الأمم المتحدة في العراق (يونامي) أكدت “انها تتلقى معلومات ذات مصداقية عن استهداف متظاهرين فى ساحة التحرير في بغداد الأسبوع الماضي، ما أدى إلى إصابة 50 شخصًا على الأقل، إضافة إلى إصابة أكثر من 150 محتجًا في كربلاء فى شهر كانون الثاني/يناير وحده”. ويجري ذلك بالتزامن مع وصول مساعد وزير الخارجية الأمريكي ديفيد شينكر، إلى بغداد واجتماعه مع الرئاسات الثلاث، لبحث العلاقات بين البلدين وانتقاده “الهجمات المستمرة ضد المتظاهرين السلميين الذين يمارسون حقهم الديمقراطي في حرية التعبير ومطالباتهم بالإصلاح”.
وفيما تستمر عمليات قمع الحراك سواء من خلال عمليات الاعتقالات والتعذيب واغتيالات الناشطين، أو من خلال هجمات متفرقة على المتواجدين في ساحات الاعتصام، فقد لوحظ تطور خطير في ساحة التحرير في بغداد، التي تعرضت إلى اختراقات من قبل جماعات مسلحة ترتدي الزي المدني وتتغلغل وسط التجمعات، وتشن هجمات على خيام الاعتصام وتحرق بعضها، وتستخدم بنادق الصيد ضد المتظاهرين، الأمر الذي أدى إلى إصابة متظاهرين بجروح متفاوتة، إضافة إلى قتل ناشط بمسدس كاتم للصوت عندما هاجم مجهولون خيمته.
وبالرغم من هذه التطورات، ولأن أحزاب السلطة في وادي والشعب الثائر ومطالبه في واد لآخر، فإن أحزاب السلطة ينصب اهتمامها على حصد الوزارات في حكومة محمد علاوي المقبلة وتوزيعها ليس على أساس اختيار وزراء يخدمون الشعب ويحققون مطالبه، بل باعتبارها حصة للأحزاب في كعكة الوزارات المغرية.
ولأن رئيس الوزراء المكلف محمد علاوي، وضع نفسه وسط مطرقة الشارع وسندان الأحزاب، فقد عقد سلسلة اجتماعات مرهقة مع رؤوساء الكتل السياسية لاقناعهم بالتخلي عن امتيازاتهم ولو لفترة محدودة والقبول بتمرير تشكيلة حكومته التي سيقدمها للبرلمان لإسكات الاحتجاجات، إلا أن موعد عرض التشكيلة على البرلمان تأجل مرارا بسبب ضغوط الأحزاب وتمسكها بحصتها من الغنائم، وسط تسريبات عن صفقات لبيع الوزارات، دفعت مجلس القضاء الأعلى إلى فتح تحقيق بادعاء بعض السياسيين علنا، بوجود صفقات لبيع الوزارات بملايين الدولارات، وهو أسلوب ليس جديدا وتتبعه الأحزاب مع تشكيل أي حكومة منذ 2003.
وفي هذه الأجواء زار رئيس البرلمان محمد الحلبوسي، الزعيم الكردي مسعود بارزاني واتفقا على ضمان (حقوق الكرد والسنة) في الوزارات وعدم السماح للشيعة وحدهم في فرض رئيس الوزراء والوزراء، إلا أن محمد علاوي حسم أمره ودعا البرلمان إلى جلسة يوم غد الاثنين لطرح تشكيلة حكومته (التي يدعي أنها بعيدة عن الأحزاب) والتي من المتوقع أن يتمكن من تمريرها مراهنا على تأييد الأغلبية الشيعية في البرلمان ودعم إيران العلني له.
وفيما تتصارع أحزاب السلطة على الوزارات، فان تنسيقيات الحراك، استبقت طرح حكومة علاوي على البرلمان للتصويت عليها، حيث عقدت اجتماعات لبحث كيفية التحرك في المرحلة المقبلة، وقررت تنظيم تظاهرات كبيرة يوم الجمعة الماضية في بغداد للإعلان عن رفض حكومة محمد علاوي، واحتمال ترشيح رئيس وزراء من ساحات التظاهرات يعبر عن رغبات الشارع المنتفض ويكون بعيدا عن هيمنة الأحزاب، وليس رئيس حكومة يحافظ على مصالح أحزاب السلطة ويعجز عن إيقاف قمع المحتجين، بما تترتب عليه من خطورة تحول الانتفاضة من طابع السلمية الذي حافظت عليه حتى الآن، إلى أساليب جديدة تحمي فيها نفسها من بطش الحكومة والميليشيات، وقد تجر البلاد إلى احتمالات وقوع المواجهات المسلحة وتدهور الأوضاع الأمنية من جديد.
القدس العربي