يتصاعد القلق داخل إيران من تداعيات انتشار فيروس كورونا الجديد، الذي تتزايد ضحاياه داخلياً يوما تلو الآخر، وبدأت آثاره تنعكس على العديد من القطاعات الخدمية، بعد أن اتجهت العديد من دول الجوار، خلال الأيام الماضية، إلى اتخاذ إجراءات من شأنها عزل إيران خوفا من زحف العدوى.
وتفاقم هذه الأجواء من الصعوبات التي يواجهها الاقتصاد الإيراني، بفعل العقوبات الأميركية الذي جاءت في أعقاب انسحاب الرئيس الأميركي دونالد ترامب من الاتفاق النووي، في مايو/أيار 2018، واستهدفت تصفير صادرات النفط، وتجفيف منابع إيرادات النقد الأجنبي.
ويرى خبراء اقتصاد، أن انتشار كورونا في إيران، وعدم السيطرة عليه خلال الفترة المقبلة، من شأنه أن يغلق النوافذ القليلة، التي ظلت مفتوحة أمام التجارة الخارجية الإيرانية، على ضوء العقوبات الأميركية، ومن أهمها الصين والعراق.
وبالأساس، تأثر الاقتصاد الإيراني بتداعيات “كورونا” الاقتصادية، قبل أن يصل إليها، حيث تعد الصين مركز انتشار الفيروس الجديد، الشريك التجاري الأول لإيران، بينما ألحق “كورونا” بها خسائر اقتصادية فادحة، وأثر سلبا على مبادلاتها التجارية مع شركائها، بما فيها إيران التي اتخذت إجراءات وقائية وأوقفت رحلاتها إلى العملاق الآسيوي، صاحب ثاني أكبر اقتصاد في العالم.
ويصل حجم التبادل التجاري بين البلدين إلى نحو 40 مليار دولار. وبكين الشريكة في الاتفاق النووي، شبه المنهار، هي الوجهة الأولى للصادرات الإيرانية، التي بلغت، خلال الشهور الثمانية الأولى من العام الإيراني الحالي الذي سينتهي بعد قرابة شهر، 8.3 مليارات دولار، أي نحو 25 في المائة من حجم الصادرات الإيرانية إلى الخارج.
وكانت العاصمة الصينية أيضا الوجهة الأولى للصادرات النفطية الإيرانية “الزهيدة”، خلال العامين الأخيرين، بعد فرض واشنطن حظراً شاملاً عليها، لتتراجع من 2.5 مليون برميل إلى نحو 500 ألف برميل يومياً.
وبجانب الخسائر التجارية مع الصين، يتعاظم القلق من خسائر تجارية لإيران مع دول الجوار. وظهرت بوادر، خلال اليومين الأخيرين، من خلال إجراءات احترازية، اتخذتها بعض الدول، شملت وقف الرحلات وإغلاق الحدود، بما يشير إلى أن الاقتصاد الإيراني سيكون أمام مرحلة أصعب مما مضى، خلال العامين الأخيرين، بفعل العقوبات الأميركية.
وبعد الصين، يشكل جيران إيران الوجهات الرئيسية الأخرى لصادراتها، حيث تشير البيانات الإيرانية إلى أن الصين والعراق والإمارات وتركيا وأفغانستان، هي الوجهات الخمس الأولى للصادرات الإيرانية، لاستقبالها مجتمعة أكثر من 70 في المائة من هذه الصادرات.
ويأتي العراق في مقدمة الدول الجارة التي اتخذت إجراءات احترازية مشددة، الخميس الماضي، منها منع السفر إلى إيران ودخول الوافدين منها ووقف الرحلات الجوية، وإغلاق منافذ حدودية.
ولم تطاول هذه الإجراءات، التجارة مع إيران بعد، وفق هيئة المنافذ الحدودية العراقية، التي أكدت، السبت الماضي، على استمرارها، لكن محللين يرون أنه في حال اتساع نطاق المرض في إيران، فستكون له آثار سلبية على التجارة مع العراق، في ظل احتمال صدور تدابير قد تضطر بغداد إلى اتخاذها خلال الفترة المقبلة.
لكن علی موسوی، مساعد رئيس دائرة النقل والترانزيت في منطقة “اروند” الاقتصادية الحرة في إيران، قال، في تصريح لوكالة الجمهورية الإسلامية للأنباء “ارنا”، أمس الأحد، إن منفذ شلمجة الحدودي مع العراق مفتوح أمام تصدير البضائع.
وأضاف موسوی أن الجانب العراقي أغلق الحدود أمام حركة الزائرين، ولكن عملية نقل البضائع مستمرة، مشيرا إلى أن الشاحنات العراقية التي تحمل الترخيص تدخل لشحن البضائع إلى العراق.
ولفت إلى أن ما بين 100 إلى 150 شاحنة تدخل يومياً إلى قسم الشحن في منفذ شلمجة، مضيفا أن السلع المصدرة تشمل مواد الإنشاء والفواكه والخضروات والأسماك.
ووفق تقرير صادر عن إدارة جمارك شلمجة، جرى، خلال الأشهر الـ11 الأخيرة، تصدير ما يبلغ 700 مليون دولار من السلع والبضائع غير النفطية إلى العراق، بزيادة قدرها 165 في المائة عن الفترة المماثلة من العام الماضي.
ويقع منفذ شلمجة على مسافة 15 كيلومتراً من مدينة خرمشهر جنوب إيران، و25 كيلومترا عن محافظة البصرة العراقية، ويعتبر من أهم المنافذ الحدودية، سواء لعبور التجارة أو المسافرين بين البلدين.
كما أعلن علي فرهودي، مدير منفذ جذابة الحدودي، عن استئناف تصدير السلع والبضائع غير النفطية إلى العراق، أمس الأحد، بالتنسيق مع الجانب العراقي، الذي أغلق الحدود يوم الجمعة الماضي.
وأفاد تقرير لجمارك جذابة بأن قيمة صادرات إيران من السلع والبضائع غير النفطية إلى العراق بلغت 400 مليون دولار، خلال الأشهر الـ 11 الماضية. ويقع منفذ جذابة على بعد 110 كيلومترات من شمال غرب مدينة اهواز، مركز محافظة خوزستان (جنوب غرب إيران).
وتعول إيران بشكل كبير على السوق العراقية، خاصة في ظل تهاوي صادراتها إلى أوروبا بسبب العقوبات الأميركية. وفي نوفمبر/تشرين الثاني الماضي، قال رئيس الغرفة التجارية المشتركة بين إيران والعراق، يحيى آل إسحاق، إن الصادرات الإيرانية إلى العراق شهدت نمواً جيداً خلال الشهور الستة الأولى من العام الإيراني الحالي (من 21 مارس/آذار إلى 22 سبتمبر/أيلول)، مسجلة 4.6 مليارات دولار، بينما تراجعت إلى أوروبا بنسبة 75 في المائة.
وأضاف آل إسحاق، لوكالة أنباء فارس الإيرانية، أن حجم التجارة بين إيران والعراق وصل إلى 13 مليار دولار، خلال العام الماضي، مشيرا إلى أن البلدين يخططان لبلوغ التجارة البينية 20 مليار دولار على المدى البعيد.
ورغم القلق من تراجع المبادلات التجارية، إلا أن التأثير السريع المباشر للتدابير العراقية وبقية الدول، بمستواها الحالي، على الاقتصاد الإيراني، يتمثل في حرمانه من عوائد السياحة، التي تكون إيران بأمسّ الحاجة إليها، في ظل تجفيف مصادرها الأخرى بفعل العقوبات الأميركية، بينما أدى التركيز على تنشيط القطاع إلى نمو في العائدات خلال العامين الأخيرين.
ووصل حجم عوائد إيران من السياحة إلى 11.8 مليار دولار، بعد زيارة أكثر من 7 ملايين سائح أجنبي أراضيها، العام الماضي. وكان معظم هؤلاء السياح وافدين من الدول الجارة، مثل أذربيجان وأفغانستان وتركيا وباكستان والعراق، والأخير يشكل خزانة كبيرة للسياحة إلى إيران، حيث يقصدها العراقيون في إطار السياحة الدينية لزيارة العتبات والسياحة العلاجية.
وتشير البيانات الإيرانية إلى أن مليونا و690 ألف عراقي زاروا الأراضي الإيرانية، خلال الشهور الخمسة الأولى من العام الإيراني الحالي، أي من أواخر مارس/آذار حتى أواخر أغسطس/آب الماضي. ويصل معدل صرف كل سائح في البلاد إلى 1400 دولار، وفقا لتقديرات وزارة التراث الثقافي والصناعات اليدوية والسياحة الإيرانية.
وتأتي الأضرار المتوقعة في قطاع السياحة من كورونا، استكمالا لأضرار أخرى لحقت بالقطاع خلال الأشهر الأخيرة لعدة أسباب. وفي وقت سابق من فبراير/شباط الجاري، قال رئيس السياحة في وزارة التراث الثقافي والسياحة والصناعات اليدوية الإيرانية، ولي تيموري، إن عدد السياح الوافدين، خلال الأشهر الستة الأخيرة، تراجع بسبب تصاعد التوترات في المنطقة، وحادث إسقاط الطائرة الأوكرانية بصاروخ الدفاع الجوي الإيراني في طهران “عن طريق الخطأ”، في الثامن من يناير/كانون الثاني الماضي، وانتشار فيروس كورونا في الصين.
وأضاف تيموري أنه بحسب بيانات المنظمة العالمية للسياحة، كانت إيران قد استحوذت، خلال العام الماضي، على الترتيب الثالث من حيث النمو السياحي، لافتاً إلى أن بلاده كانت تتوقع أن يصل عدد السياح إلى نحو 10 ملايين شخص، لكن الحوادث آنفة الذكر حالت دون ذلك.
العربي الجديد