لا يمكن لإدارة ترامب أن تقرر ما إذا كانت خطة السلام التي وضعتها بمثابة مناورة افتتاحية لإطلاق حل وسط أو أمر واقع يحول دون ذلك. ورداً على سؤال حول ردود الفلسطينيين على الخطة، قال وزير الخارجية الأمريكي مايك بومبيو، “آمل أن يقدموا عرضاً مقابلاً إذا ما كان قد عُرِض غير مقبول”. وهذا أمر عادل بما فيه الكفاية، باستثناء إعلان ديفيد فريدمان، سفير الولايات المتحدة لدى إسرائيل، أن بإمكان إسرائيل ضم أراضي من جانب واحد، تلك الأراضي المخصصة في الخطة، بمجرد إنهاء لجنة ثنائية أمريكية -إسرائيلية عملها على تحديد حدود إسرائيل بدقة. ولكن إذا كان ضمّ إسرائيل للأراضي الخطوة الأولى ضمن الخطة وتمّ تنفيذها فعلاً خلال الأشهر المقبلة، فسيحول ذلك دون تقديم أي عرض فلسطيني مقابل.
وربما أن هذه الاستراتيجية هي ببساطة أسلوب الإدارة الأمريكية لممارسة أقصى قدر ممكن من الضغط على الفلسطينيين، من خلال الإشارة إلى أن الاحتمالات المتاحة أمامهم ستتقلص ما لم يقدّموا عرضاً مقابلاً؛ على أية حال، إذا كان الأمر كذلك، فما معنى الحدود التي تضعها اللجنة الأمريكية – الإسرائيلية الثنائية في صيغتها النهائية إذا كان بإمكان الفلسطينيين اقتراح خريطة بديلة؟
غير أن كلا المقاربتين لا يمكن أن تكونا صحيحتين وواقعيتين.
بالإضافة إلى ذلك، لكي تنجح الخطة، يجب أن تؤخذ بجدية من قبل طرف آخر غير الإسرائيليين. وفي الوقت الحالي، تشعر الإدارة الأمريكية بالارتياح من عجز الفلسطينيين عن حشد الدعم الدولي لرفضهم القاطع للخطة – فالبيانان التمهيديان من “جامعة الدول العربية” و”منظمة التعاون الإسلامي” يتضاءلان في أهميتهما بالمقارنة مع عدم قدرة الرئيس الفلسطيني محمود عباس، على نحو غير معهود، على حشد 9 أصوات في “مجلس الأمن الدولي” لتقديم قرار يدين الخطة الأمريكية.
ومع ذلك، يجب أن لا يكون لدى الإدارة الأمريكية أي أوهام. صحيح أن دول أخرى قد لا تدعم الفلسطينيين، لكن على غرار ممثلي الدول الأوروبية وغيرهم في الأمم المتحدة، يتجه الميل العام نحو تسليط الضوء على أوجه القصور في الخطة. والأسوأ من ذلك، يُظهر استطلاع للرأي بين الفلسطينيين أنهم – وليس القادة فقط – يرفضون الخطة بأغلبية ساحقة. وربما لم يعد الفلسطينيون يؤمنون بقيادتهم بالذات، لكنهم يرون خطة ترامب كاقتراح ليس لإقامة دولة بل كإهانة.
ولا يمكن للفلسطينيين أن يتغاضوا عن خارطة تُنتِج دولة مقطعة الأوصال، محاطة بإسرائيل بصورة كاملة، وأراضيها مقسمة وتحتضن 128 مستوطنة إسرائيلية، من بينها 77 مستوطنة خارج الجدار الأمني أو شرقه. وحيث أن إسرائيل مسؤولة عن الوضع الأمني العام وتتحكم بحركة الدخول والخروج من الدولة الفلسطينية، فما تسفر عنه الخطة لا يبدو كدولة للفلسطينيين. وفي حين تحظى إسرائيل بحق المباشرة بضمّ الأراضي وتلبية احتياجاتها الأمنية بشكل مفهوم، فإن الفلسطينيين لن ينعموا بما يسميه وزير الخارجية الإسرائيلي يسرائيل كاتس “الحكم الذاتي الموسع” المذكور في الخطة ما لم يفوا بجميع التزاماتهم، بما فيها نزع سلاح «حماس» في غزة – الأمر الذي تجنبته إسرائيل.
ومن السهل رفض خطة مماثلة، إذ يستحيل على القادة العرب أن يشيروا إلى أي محاسن في خطة ترامب وبالتالي أن يقروا بميزاتها. ولذلك، تجنبت مصر والأردن والسعودية والإمارات والمغرب إلى حد كبير النقد أو التعليق المباشر على الخطة ودعت بدلاً من ذلك إلى إجراء مفاوضات بين الإسرائيليين والفلسطينيين.
ويعكس الموقف العربي شعور العرب المتزايد بالإرهاق من رفض فلسطيني مستمر (وتاريخي) بالإضافة إلى حقائق جديدة في المنطقة. فالعديد من القادة العرب يعتبرون أن التعاون مع إسرائيل ضروري بالنظر إلى التهديدات المشتركة التي يواجهونها وإيمانهم بأن أمريكا غير قادرة على ردع تلك التهديدات. فهم يريدون أن يكونوا قادرين على العمل مع إسرائيل ليس في الظل بل في وضح النهار، وهم محبطون بشكل متزايد من قبل قيادة فلسطينية منقسمة وغير قادرة على صنع السلام، ناهيك عن تقديمها مقترحات مضادة جادة.
وإدارة ترامب ليست مخطئة في سعيها إلى تعديل توقعات الفلسطينيين. كما أنها ليست مخطئة في إبلاغ الفلسطينيين أن هناك تكلفة لرفض الخطة.
قد يكون من الصواب الإشارة إلى أن الوقت ينفد بالنسبة للفلسطينيين إذا كانوا يريدون دولة خاصة بهم، ومن الأفضل اغتنام الفرصة قبل أن تكون البدائل الوحيدة المتاحة لهم هي الأسوأ.
لكن الإدارة الأمريكية كانت مخطئة في الاعتقاد بأن عرضها سيؤخذ كخطوة أولية موثوقة. ولكي تكون ذات مصداقية، كان يجب أن ينص عرضها على توفير دولة متصلة الأراضي في معظم أراضي الضفة الغربية وليس دولة واحدة مجزأة إلى حد كبير في حوالي ثلثي هذه الأراضي.
ومن المفارقات أن الرئيس ترامب أشار إلى الخريطة التي تم الكشف عنها في حفل البيت الأبيض كخريطة (رئيس الوزراء الإسرائيلي) بنيامين نتنياهو، تقدم للفلسطينيين أقل بكثير مما حدده نتنياهو للكنيست في عام 2010. وفي ذلك الوقت، قال على انفراد لوزيرة الخارجية الأمريكية في ذلك الحين هيلاري كلينتون أن بإمكانه تصوّر حصول الفلسطينيين على حوالي 90 في المائة من [أراضي] الضفة الغربية.
ومفارقة أخرى هي أنه بينما لا يُعتبر الوقت في صالح الفلسطينيين بسبب ازدياد الاستياء من رفض الخطة، إلا أنه ليس في صالح الإسرائيليين أيضاً. على إسرائيل التنبه إلى عدم تجاوز الخط الذي يُفقدها قدرتها على الانفصال عن الفلسطينيين – وتصبح الدولة الواحدة لشعبين هي الخيار الوحيد. وعلى وجه التحديد، لأنه لا يمكن لأي فلسطيني أو عربي أن يروّج لخطة ترامب باعتبارها استجابة جدية للتطلعات الوطنية الفلسطينية، فإن التوصل إلى حل الدولة الواحدة يصبح أكثر ترجيحاً.
والمفارقة الأخيرة هي أنه إذا أراد الرئيس ترامب الالتزام بكلماته والتعامل مع الخطة على أنها “رؤية” يمكن تعديلها، ولن يسمح بأي عمليات ضم للأراضي ضمن إطار السنوات الأربع التي منحها للفلسطينيين للتفاوض بشأن هذه المسألة، وتعاوَنَ مع الأوروبيين والعرب في تنفيذ مشاريعه الاقتصادية التي تنص عليها “رؤيته” من أجل التأكيد للفلسطينيين أن التغيير سيكون حقيقياً، فقد يتمكن من إنقاذ خطته. وقد تكون هذه هي الطريقة الوحيدة لمنع التوصل إلى حل الدولة الواحدة – وهي حصيلة تفقد فيها إسرائيل هويتها اليهودية أو الديمقراطية بينما يفقد الفلسطينيون دولة خاصة بهم.
وقد تكون هذه هي الطريقة الوحيدة لإيجاد حل للتناقض الجوهري في مقاربة ترامب: تقديم مناورة افتتاحية تؤدي إلى التوصل إلى حل وسط ولا تخلق واقعاً لا رجوع عنه يجعل التسوية مستحيلة.
دنيس روس
معهد واشنطن