بغداد – تشير المعطيات في بغداد إلى أن كتلة “سائرون” التي يرعاها الزعيم الشيعي مقتدى الصدر، هي الطرف الوحيد الذي ما يزال متمسكا بتكليف محمد توفيق علاوي لتشكيل الحكومة الجديدة، خلفا للمستقيلة برئاسة عادل عبدالمهدي.
وفشلت جهود الصدريين في دفع البرلمان العراقي إلى الانعقاد الخميس للتصويت على منح الثقة لعلاوي وكابينته الوزارية وبرنامجه الحكومي، ما دفعهم إلى تأجيل الجلسة حتى أمس السبت. وبدا أن مستوى الثقة انحدر لدى المكلف نفسه، الذي وجد أن تجاوز العقبات التي تحول دون مرور حكومته مستحيل في هذه العجالة، لذلك طلب تأجيل موعد جلسة التصويت عليها حتى اليوم الأحد، في محاولة يائسة لإقناع الأطراف المختلفة بدعمها.
ومع ذلك لا يريد الممثلون السياسيون للصدر الاعتراف بأن فكرتهم عن قوّتهم وتأثيرها لا تتطابق مع الواقع.
ويملك الصدريّون 54 مقعدا في البرلمان العراقي، وهم أكبر كتلة فعلا، لكنهم يتحركون ضمن برلمان مكوّن من 329 مقعدا، ما يعني أن تأثيرهم السياسي سيظل محدودا، فيما لو قرروا العمل منفردين، كما حدث مع علاوي.
وكان الصدر، هدد قبل جلسة الخميس، بأنه سيطلب من أنصاره محاصرة البرلمان والمنطقة الخضراء التي يقع فيها، إذا لم تمر حكومة علاوي. لكن الجلسة لم تنعقد الخميس، ولم يتم التصويت على حكومة علاوي، ما وصف بأنه صفعة كبيرة تلقاها الصدر.
ويقول النائب فائق الشيخ علي إنه سأل العديد من النواب عن سبب عدم حضورهم جلسة منح الثقة الخميس ما تسبب في عدم اكتمال النصاب، فقالوا إنهم فعلوا هذا نكاية في الصدر لا كرها لعلاوي.
وقبيل موعد جلسة الخميس، ظهر الصدر في حوار متلفز، ليقلل خلاله من قيمة تأثير أيّ موقف سياسي لا ينسجم مع موقف تياره، فيما انتقده مراقبون على نبرة حديثه المتعالية.
وربما يفتقد الصدر إلى توازنه السياسي منذ مقتل قائد فيلق القدس في الحرس الثوري الإيراني قاسم سليماني ونائب رئيس هيئة الحشد الشعبي أبومهدي المهندس في غارة أميركية قرب مطار بغداد مطلع العام الجاري.
وبالنسبة إلى الصدر فإن الساحة العراقية باتت خالية ليفرض هيمنته عليها ويملأ الفراغ الذي تركه مقتل سليماني والمهندس بمباركة إيرانية. لكن جميع الاختبارات التي خاضها الصدر مؤخرا، انتهت بالفشل، ما أضر بالصورة العامة لتياره الشعبي وكتلته السياسية.
وعندما تلقّى الصدر أوامر إيرانية بالانقلاب على التظاهرات الشعبية، إثر مقتل سليماني، كان يعتقد أن ساحات الاحتجاج ستخلو بمجرد أن يطلب ذلك. بينما ما حدث هو أن ساحات التظاهرات عاضدت بعضها، فيما تدخل طلبة الجامعات والإعداديات لسد النقص الذي خلفه انسحاب الصدريين من التظاهرات، حتى قيل إن حركة الاحتجاج صارت أشد وقعا بعد خروج الصدريين منها، الأمر الذي منحها استقلالا سياسيا أكبر عن أيّ طرف مشارك في البرلمان أو الحكومة.
وتكررت خيبة الصدر عندما شن حملة قادها بنفسه لاتهام المتظاهرين بأنهم منحرفون، وأن الساحات تحولت إلى أوكار للدعارة والمخدرات، مطالبا بمنع الاختلاط بين الجنسين، بعدما اعتبر أن وجود النساء في هذا النوع من التجمعات يضرّ بهن.
وبدلا من أن تتأثر الساحات بهذه الاتهامات نظمت ناشطات تظاهرات نسوية خاصة في بغداد والمحافظات لتحدّي الصدر، فيما قدم نشطاء زميلاتهم لقيادة تظاهرات حاشدة للبرهنة على الدور القيادي الذي تلعبه المرأة.
والخيبة الأخيرة جاءت من أعضاء مجلس النواب الذين لم يعيروا تهديدات الصدر أيّ قيمة، وقاطعوا جلسة التصويت على علاوي وكابينته.
ويبدو أن خيبات الصدر مستمرة، فرغم إصراره على علاوي إلا أن القوى السياسية الشيعية والسنية والكردية بدأت فعليا في تدارس السيرة الخاصة بعدد من الشخصيات، لتختار من بينها مرشحا جديدا لمنصب رئيس الوزراء، فيما تقدم رئيس الوزراء المكلف محمد توفيق علاوي بطلب إلى رئاسة البرلمان لتأجيل الجلسة المخصصة للتصويت على كابينته التي كانت مقررة أمس السبت إلى اليوم الأحد، ما يؤكد تلاشي فرصه بشكل كبير.
ووفقا لحسابات أعلن عنها سابقا، فإن مهلة رئيس الوزراء المكلف وهي ثلاثون يوما، انتهت أمس السبت، لكن الأخير، تسانده الكتلة الصدرية، ويقول إنها تنتهي اليوم الأحد.
ورغم أن البرلمان لم يردّ على طلب علاوي، فإن انعقاد الجلسة ليس أمرا مهما في حد ذاته، بل ما سيدور فيها.
وفي وقت متأخر الجمعة، وزعت رئاسة مجلس النواب على الصحافيين إشعارا بوجود جلسة استثنائية لمنح الثقة للحكومة يوم السبت، لكنها لم تحدد ساعتها، وقالت للصحافيين إنها ستبلغهم بالمستجدات.
وتقول مصادر مطلعة، إن رئيس البرلمان محمد الحلبوسي ربما يستثمر الارتباك الصدري فضلا عن تراجع ثقة علاوي بإمكانية مرور كابينته، ليترك لنائبيه النقاش بشأن موعد الجلسة المفترضة لمنح الثقة للحكومة.
العرب