يبدو أن العراق يسير إلى المجهول بعد اعتذار رئيس الوزراء المكلّف محمد توفيق علاوي عن تشكيل حكومة مع استمرار الاحتجاجات المطالبة بإصلاحات شاملة، وتغيير للطبقة السياسية الممسكة بالسلطة.
واستقال رئيس الحكومة عادل عبد المهدي تحت ضغط الشارع، وكُلف علاوي بتشكيل حكومة، لكن المحتجين اعترضوا على تسميته، معتبرين إياه من الطبقة السياسية التي يرفضونها، كما أن تسميته تسببت في انقسام بين المتظاهرين وأنصار زعيم التيار الصدري مقتدى الصدر .
ويزيد من أجواء التوتر والأزمة وصول فيروس كورونا المستجد إلى العراق، وقد أصاب 27 شخصا حتى الآن، بالإضافة إلى انخفاض أسعار النفط، الذي يمثل المورد الرئيسي لميزانية البلاد.
وقال سياسي كبير -رفض الكشف عن اسمه- إن “المسؤولين يعيشون داخل فقاعة، بعيدا عن كل ما يحدث”. وأضاف أن عبد المهدي وحكومته “مستمرون كأن شيئا لم يحدث”.
وأعلن عبد المهدي -الذي استقال في ديسمبر/كانون الأول الماضي- في رسالة وجهها إلى رئيسي الجمهورية والبرلمان؛ أنه سيلجأ إلى “الغياب الطوعي”، وطلب تكليف أحد الوزراء بإدارة جلسات مجلس الوزراء بدلا منه.
لكن البيان أشار إلى أن عبد المهدي سيتعامل مع الأمور الحصرية العاجلة والضرورية بما يتوافق مع صلاحيات حكومة تصريف الأعمال اليومية، وذلك منعا لحصول أي فراغ في السلطة التنفيذية.
واقترح عبد المهدي تحديد 4 ديسمبر/كانون الأول القادم موعدا لإجراء انتخابات نيابية مبكرة، ودعا إلى حل البرلمان قبل ستين يوما من تاريخ إجرائها.
وكُلف علاوي مطلع فبراير/شباط بتشكيل حكومة، وأعدّ قائمة بالمرشحين للمناصب الوزارية، وقال إنهم مستقلون تكنوقراط، وهو أحد مطالب المحتجين.
لكن البرلمان الأكثر انقساما في تاريخ العراق الحديث، فشل ثلاث مرات في الالتئام خلال الأسبوعين الماضيين للتصويت على منح الثقة للتشكيلة الحكومية بسبب عدم اكتمال النصاب القانوني.
مصالح خاصة
وفي ظل هذه الفوضى السياسية، لا يوجد نص في الدستور ينص بوضوح على كيفية التعامل مع مثل هذه الأزمة. وأصبحت الكرة اليوم في ملعب الرئيس العراقي برهم صالح الذي يفترض أن يقدم مرشحا جديدا لتشكيل حكومة في مهلة 15 يوما.
وبدأ صالح مشاورات لاختيار مرشّح بديل، حسب بيان صادر عن مكتبه. وبين المرشحين الذين يتم تداول أسمائهم رئيس جهاز المخابرات مصطفى الكاظمي، وفقا لمصادر سياسية.
لكن المتحدث باسم كتائب حزب الله العراقي أبو علي العسكري سارع لرفض هذا الترشيح، متهما الكاظمي بمساعدة الولايات المتحدة في تنفيذ اغتيال قائد فيلق القدس الإيراني قاسم سليماني وأبو مهدي المهندس نائب رئيس الحشد الشعبي في بغداد مطلع يناير/كانون الثاني الماضي.
في غضون ذلك، تتواصل الاحتجاجات في ساحة التحرير (وسط بغداد). وقال متظاهر يعرّف نفسه باسم محمد (21 عاما) إن “الشعب يريد شخصا لم يشغل منصبا على الإطلاق”.
وقالت المتظاهرة رقية (20 عاما) إن “الأحزاب السياسية تبحث عن مصالحها الخاصة، ولا تستمع لرأينا أو مشاكلنا”، مشيرة إلى أن واحدا من كل أربعة شباب في هذا البلد يعاني من البطالة، ويعيش على خط الفقر واحد بين كل خمسة أشخاص، رغم كونه من أكبر الدول النفطية.
مهمة صعبة
ويقول المحلل السياسي حميد أبو نور “حاول علاوي التوفيق بين مصالح الأحزاب ومصالح الناس لكسب الشارع، لكنه فشل في الأمرين”، ويرى أن كل من سيأتي بعده ستكون مهمته صعبة.
ويسعى كثيرون إلى أن يعمل رئيس الوزراء القادم على السير بالبلاد نحو إجراء انتخابات مبكرة لتغيير النظام السياسي المتهم بالفساد وعدم القدرة على تلبية مطالب العراقيين.
ويقول أبو نور إن “الانتخابات وحدها قادرة على تغيير الوضع، لكن إجراءها بحاجة إلى تشكيل حكومة”.
وتتنافس الأحزاب على المناصب الوزارية في بلد يأتي في المرتبة 16 بين الدول الأكثر فسادا في العالم، حيث “تُباع” المناصب الوزارية و”تشترى” الوظائف.
الجزيرة