سيكون على رئيس الوزراء المقبل في العراق، مواجهة أزمة اقتصادية كبيرة، بسبب العجز المقلق في واردات البلاد المالية عن تغطية النفقات المتوقعة خلال العام الجاري. ومعلوم أن الاقتصاد العراقي يعتمد على النفط بشكل أساسي، إذ تشكّل عوائد البترول حوالى 95 في المئة من قيمة الإنفاق الحكومي السنوي.
وعلى الرغم من انقضاء شهرين من عام 2020، فإن البرلمان لم يصادق حتى الآن على موازنة البلاد السنوية، ما يعني أن الإنفاق الحكومي يجب أن يكون مقيّداً، لكن هذا الأمر ليس مؤكد الحدوث في ظل فوضى القوانين وتداخل الصلاحيات وغياب الرقيب. وكشفت وثيقة حكومية صادرة عن وزارة المالية العراقية، الشهر الماضي، عن “وجود عجز كبير”، يصل إلى حوالى 45 مليار دولار أميركي في موازنة العام الحالي “لا يمكن تغطيته”.
وقف فوري لأي علاوات
الوثيقة التي اطّلعت عليها “اندبندنت عربية”، والموجهة إلى عدد من مؤسسات الدولة، تقترح وقفاً فورياً لأي علاوات في رواتب الموظفين، وتجميد جميع معاملات تعويض المتضررين لأي سبب كان، وهو ما أثار مخاوف بشأن قدرة الحكومة على الإيفاء بالتزاماتها المالية.
كما تقترح الوثيقة أيضاً “تجميد جميع العلاوات والترفيعات في جميع مفاصل الدولة”، بدءًا من مطلع العام الحالي، وهي بقيمة حوالى ثمانية مليارات دولار، و”اعتبار أي إجراء بالتعاقد باطلاً، ما لم يغطّ بقرار من مجلس الوزراء، وإيقاف جميع إجراءات تعويض المفصولين سياسياً في مؤسسات الدولة المدنية والعسكرية.
ولا تشرح الوثيقة الأسباب التي دعت إلى زيادة الإنفاق الحكومي نحو المستوى الذي يشكّل مثل هذا العجز المخيف، لكن متخصّصين في مجالات اقتصادية يلومون إجراءات حكومية غير مدروسة، نجم عنها تشغيل آلاف العاطلين في إطار خطة عاجلة لاحتواء الاحتجاجات الشعبية الواسعة التي انطلقت في البلاد منذ أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، وتستمر حتى الآن.
وأبلغت مصادر حكومية خاصة “اندبندنت عربية” في بغداد بأن حكومة رئيس الوزراء المستقيل عادل عبد المهدي سارعت إلى توظيف حوالى نصف مليون عاطل عن العمل خلال الأشهر الثلاثة التي تلت انطلاق الاحتجاجات، من دون وجود حاجة فعلية لخدماتهم في مؤسسات الدولة، ولا تخصيصات تكفي تغطية رواتبهم في الخزينة العامة. وفي العادة تدور الموازنات السنوية للعراق في أجواء الـ 100 مليار دولار كل عام، ما يعني أن قيمة العجز في موازنة 2020 يصل إلى حوالى نصف الواردات، وهو أمر لم يسبق حدوثه حتى خلال أزمة انخفاض أسعار النفط خلال عامي 2015 و2016.
مشرعون في البرلمان العراقي اطّلعوا على الوثيقة، طالبوا الحكومة بتجنب المساس برواتب الموظفين، التي تُعدُّ الركن الأساسي للاستقرار الاقتصادي في الداخل.
العجلة المحركة للاقتصاد
ومع وجود حوالى سبعة ملايين شخص بين موظف مدني وعسكري ومتقاعد، ومستفيد لأنه عاطل أو عاجز، تُعتبر الرواتب التي تدفعها الحكومة العجلة المحرّكة للاقتصاد الداخلي في البلاد، وأي مساس بها، قد يؤدي إلى هزات لا تُحمد عقباها. وعندما احتسبت وزارة المالية القيمة النهائية لرواتب الموظفين، تبين أنها تبلغ حوالى 48 مليار دولار في العام، ما يعكس حجم الترهّل الكبير في الجهاز الوظيفي للدولة، مقابل سوء الخدمات التي يقدمها.
وطالب النائب عن ائتلاف دولة القانون محمد شياع السوداني، وزارة المالية، بالبحث عن أبواب إنفاق أخرى لسدّها، بعيداً من رواتب الموظفين، محذراً من مغبة أي “إجحاف” يقع على هذه الشريحة.
ولا تقف مخاوف الحكومة العراقية عند حد الآثار التي تسبّب بها التشغيل العشوائي للعاطلين بهدف احتواء التظاهرات، بل تمتد لتشمل الأضرار التي سيتركها فيروس “كورونا” على الصين التي تغطي بغداد حوالى 30 في المئة من حاجاتها البترولية. ويتوقع مسؤولون في وزارة النفط العراقية أن تنخفض صادرات البلاد النفطية الى الصين بمعدل مليون برميل يومياً، ما قد يعمّق حالة نقص الواردات ويفاقم عجز الموازنة.
محمد ناجي
اندبندت العربي