يشكل الانخفاض الكبير في أسعار النفط والغاز وأسهم شركات النفط، بخاصة شركات النفط الصخري، فرصة استثمارية كبيرة في قطاعي النفط والغاز. فأسهم شركات النفط منخفضة بكافة المقاييس، وأسهم شركات النفط الصخري منخفضة بشكل أكبر. ونظراً لمعاناة عدد من الشركات الصغيرة ومتوسطة الحجم في قطاع النفط الصخري، فإن أصولها، أو جزءاً منها، أصبحت لقمة سائغة للشركات الغنية، أو لصناديق الاستثمار الخاصة. ويكفي أن نذكر هنا أن بعض الشركات ضاعف إنتاجه تقريبا، إلا أن السهم أقل مما كان عليه قبل مضاعفة الإنتاج.
انخفاض أسعار النفط سيجعل قطاع النفط الصخري الأميركي أكثر لياقة، وأكثر ربحية، ولكن ليس بالضرورة أن يستمر الإنتاج في الارتفاع. فبعض الشركات ستفلس، وستنتهي. بينما ستفلس شركات أخرى، ثم ترجع من الإفلاس أكثر قوة بعد التخلص من أغلب ديونها والمستحقات عليها. ولكن جزءاً كبيراً من الشركات الأصيلة سيستفيد من الوضع بشكل كبير، فتلتهم الشركات الصغيرة والمفلسة بأسعار زهيدة، ثم تقوم بتطوير أصولها وزيادة ربحيتها. وهنا لا بد من التنويه إلى أمرين. الأول أن الإفلاس في الولايات المتحدة لا يعني التوقف عن الإنتاج. والثاني أن أغلب الشركات الصغيرة والمتوسطة يبيع جزءاً كبيراً من إنتاجه في المستقبل بأسعار مستقبلية تم الاتفاق عليها وقت العقد. فإذا انخفضت أسعار النفط فإنها تحصل على أسعار مرتفعة على كل الحالات. لهذا لم تتأثر بعض الشركات كثيراً بالانخفاض الأخير.
اقرأ المزيد
مشكلة أسواق النفط… سلبية الطرف الآخر
العداء للنفط… والرد السعودي
وستسفيد هذه الشركات من ارتفاع أسعار النفط بشكل ملحوظ في عام 2021، وبشكل أكبر في السنوات التي تليها. وتشير التحليلات المالية إلى أن أسعار أسهم بعض الشركات الصغيرة قد يتضاعف ثلاث أو أربع مرات إذا ارتفعت أسعار خام برنت فوق 75 دولارا للبرميل. فأسعار النفط لن ترتفع كثيراً في عام 2020 بسبب فيروس كورونا من جهة، والانتحابات الأميركية من جهة أخرى، ولكن عدم ارتفاعها في عام 2020 سيكون إحدى بذور ارتفاع الأسعار فيما بعد.
أضف إلى ذلك أن مبيعات السيارات الكهربائية ستكون أقل بكثير من التوقعات في عام 2020، وبالتالي فإن أعداد السيارات الكهربائية المستخدمة في عام 2021 ستكون أقل، الأمر الذي سيجبر المنظمات والشركات على تعديل توقعاتها للطلب على النفط صعوداً، الأمر الذي سيؤدي بدوره إلى أسعار النفط.
أسباب توقع ارتفاع الأسعار في عام 2021
1- انتعاش الطلب العالمي على النفط بشكل كبير بعد انتهاء أزمة فيروس كورونا. وتشير البيانات التاريخية إلى حدوث نوع من “الطفرة المؤقتة” في الطلب على النفط بعد انتهاء الكوارث أو الأوبئة، يتبعها عودة إلى النمو الطبيعي في الطلب.
2- وسيكون انتعاش الطلب على النفط وارتفاع أسعاره مدعوماً بالسياسات المالية والنقدية لعدد كبير من الدول لمكافحة آثار فيروس كورونا في اقتصاداتها. فأسعار الفائدة ستنخفض، وبرامج التحفيز الاقتصادي من الصين إلى الولايات المتحدة مروراً بأوروبا ستضخ أموالاً ضخمة. وكما هو معلوم، فإن آثار هذه السياسات لا يظهر إلا بعد شهور عدة من تبنيها. هذا يعني أن الآثار الإيجابية والتضخمية ستظهر بشكل جليّ في عام 2012. كما يُتوقع أن يكون هناك برامج إضافية لإنقاذ بعض الصناعات أو بعض الشركات.
3- يرى بعض الخبراء أن شركات عدة ستقوم بتنويع مصادر المواد الصناعية اللازمة لإنتاج سلعها، إما بشكل دائم، أو احتياطاً لأزمات مستقبلية لتجنب ما حصل من وقف للإمدادات في الصين. هذه الاستثمارات ستنعش بعض الاقتصادات أكثر من المتوقع، وستزيد الطلب على النفط.
4- انخفاض إنتاج دول خارج “أوبك” بسبب مبالغة وكالة الطاقة الدولية وأوبك وغيرها في نمو إنتاج هذه الدول، بما في ذلك البرازيل. وتشير البيانات التاريخية إلى أن انخفاض أسعار النفط خفّض الإنتاج في بعض الدول المستهلكة، مثل الصين والهند، وهذا يعني زيادة استيرادها للنفط.
5- كجزء من رقم 2 أعلاه، انخفاض نمو إنتاج النفط الأميركي بأقل من التوقعات بكثير، بينما يرى آخرون انخفاضاً في إنتاج النفط الأميركي بسبب هروب المستثمرين من القطاع وانخفاض أسعار الغاز والسوائل الغازية بشكل كبير، إلا أن المشكلة الأكبر هي زيادة إنتاج الغاز والغازات السائلة والمكثفات مع قِدَم الآبار في ظل انخفاض الاستثمار. فقد لوحظ أن كل الإضافات في حقول الصخري في شهري نوفمبر (تشرين الثاني) وديسمبر (كانون الأول) كانت من المكثفات، كما توضح زيادة إنتاج الغاز في شهر فبراير (شباط) رغم الانخفاض المريع في أسعار الغاز.
6- استمرار العقوبات على فنزويلا. وحتى لو توقفت العقوبات، فإن عودة النفط الفنزويلي تتطلب وقتاً طويلاً بسبب تدهور الأوضاع في الآبار والحقول بشكل لا يمكن إصلاحه. كما أن الأمر يحتاج إلى استثمارات أجنبية كبيرة، وهذا يتطلب تغييراً في الأوضاع السياسية والقانونية.
7- زيادة إنتاج بعض المناطق في عام 2020 ليست زيادة مستمرة، وإنما مرة واحدة فقط. فقد تم تطوير هذه المشاريع على مدى السنوات الماضية وأتت ثمارها في عام 2020.
8- زيادة معدلات الهبوط في الإنتاج عالمياً بسبب انخفاض الاستثمار في الصناعة بشكل عام، وانخفاض الأسعار بشكل خاص. فقد ذكرت بعض التقارير أن معدلات الهبوط السنوية قد تصل إلى 7 في المئة، بدلا عن 4 في المئة إلى 5 في المئة المتعارف عليها عالمياً.
9- نجاح ترمب في فترة رئاسية ثانية يعني أنه لن يهتم كثيراً بأسعار البنزين، كما كان يهتم خلال فترته الرئاسية الأولى، وبالتالي فإن معارضته لارتفاع أسعار النفط ستخفّ. أما إذا نجح أحد منافسيه الديمقراطيين فإنه سيتبنى قوانين ستحجّم بطريقة أو بأخرى من نمو النفط الأميركي. وكانت صناعة النفط الأميركية قد عانت من مضايقات عدة في عهد الرئيس أوباما، من الحزب الديمقراطي.
10- مع ارتفاع أسعار النفط تتحسن اقتصادات الدول المنتجة، بخاصة دول الخليح، الأمر الذي يؤدي إلى زيادة استهلاك الطاقة والنفط. هذه الزيادة في الاستهلاك ستؤدي إلى تخفيض الصادرات في بعض الدول، بخاصة خلال أشهر الصيف.
11- عودة النفط الليبي للأسواق ستعوض عن جزء من الزيادة في الطلب وانخفاض الإنتاج، ولكنها ستنافس أيضاً صادرات النفط الصخري الأميركي.
12- سواء عاد الإنتاج الإيراني إلى أسواق النفط أو لم يعد فإن أثر عودته سيكون بسيطاً، والذي سيحصل أن صادرات إيران التي يتم تهريبها ستصبح قانونية. أي أنها تحصيل حاصل.
أنس فيصل بن حجي
اندبندت العربي