قد يكون غير مستهجن مسارعة إيران لإعلان موقف سلبي من الاتفاق الذي وقعته الإدارة الأميركية ممثلة بالمبعوث الخاص للسلام في أفغانستان زلماي خليل زاده، والمعاون السياسي لحركة طالبان الملا عبد الغني برادر، بحضور وزير الخارجية الأميركي مايك بومبيو، انطلاقاً مما تمسكت به، والمتعلق بغياب الدولة الأفغانية برئاسة أشرف غني عن هذه الاحتفالية لعدم توجيه دعوة رسمية لها.
الخارجية الإيرانية التي لم تشر في موقفها المنتقد لاتفاقية السلام الأميركية الطالبانية إلى الاتفاق الذي تم توقيعه بالتوازي بين الرئيس الأفغاني أشرف غني ونائب الرئيس الأميركي مايك بنس، والذي يُعتبر مكملاً للاتفاق مع طالبان. إلا أنها انطلقت من كون اتفاق الدوحة مع طالبان يتعارض مع مبدأ سيادة الدولة الأفغانية، ولم يأت نتيجة حوار أفغاني – أفغاني داخلي، وأن واشنطن ذهبت إلى عقد اتفاقات منفردة بين الدولة الأفغانية من جهة وحركة طالبان من جهة أخرى، وأن كلا الاتفاقين يخدمان هدفاً أميركياً استراتيجياً واحداً يتلخص في تأمين استمرار الوجود الأميركي في أفغانستان، بعد تحويله من وجود احتلالي إلى حاجة أفغانية يرتكز على طلب من السلطة في كابول والأطراف الأخرى الأساسية، خصوصاً حركة طالبان، التي من المفترض ضمن آليات اتفاق السلام معها التخلي عن العمل العسكري والإرهابي الذي يستهدف الوجود الأميركي في هذا البلد.
وقد يكون من الصعب على إيران القبول بنتائج المفاوضات الطويلة التي خاضها الطرفان، الأميركي وحركة طالبان، على مدى السنوات الماضية، وأن يتوصلا إلى اتفاق والتوقيع عليه في ظل غيابها المقصود أميركياً في إطار تضييق الحصار السياسي على النظام، والصعب إيرانياً لما فيه من إمكانية الجلوس مع ممثلين عن الإدارة الأميركي في ظل الموقف المتشدد لقيادة النظام الرافضة لأي تواصل مع واشنطن، وأيضاً المشاركة في الاحتفال باتفاق جرى بعيداً عنها ويهدف إلى استبعادها عن ملف تعتبر نفسها أكثر المعنيين به منذ سقوط نظام طالبان عام 2001.
من هذه الاعتبارات وغيرها يمكن فهم البيان الصادر عن الخارجية الإيرانية، الذي كشف عن موقف سلبي من الاتفاق انطلاقاً من اعتقاد طهران بأن اتفاق السلام الدائم في هذا البلد لا بد أن يأتي نتيجة حوار أفغاني داخلي، وبمشاركة جميع الأطراف السياسية في هذا البلد، وطالبان جزء من هذا الجميع.
ولم يغفل المصدر القلق الأساس لطهران عندما شدد على ضرورة الأخذ بملاحظات دول الجوار الأفغاني من آليات اتفاق السلام ومدى انسجامها أو تعارضها مع مصالح هذه الدول، خصوصاً إيران التي لعبت دوراً مساعداً للإدارتين الأميركيتين في عهد الرئيس جورج دبليو بوش عندما اتخذت موقف الحياد الإيجابي من الهجوم عام 2001 ودورها المتعاون في مؤتمرات برلين وطوكيو حول مستقبل العملية السياسية في أفغانستان ما بعد طالبان. وأيضاً في عهد الرئيس باراك أوباما والتعاون الإيجابي الذي اتخذه مساعد وزير الخارجية الإيراني آنذاك مهدي أخوندزاده في لقائه مع المبعوث الأميركي الخاص لأفغانستان ريتشارد هولبروك على هامش اجتماع روما عام 2009.
وتتخوف طهران من مواجهة أزمة في أفغانستان مع الوجود الأميركي على غرار الأزمة التي تواجهها في العراق، وقد يرتفع منسوب هذه المخاوف مع رفعها لشعار إخراج القوات الأميركية من منطقة غرب آسيا، لذلك ترى في اتفاق السلام مع طالبان تحديداً، وليس الاتفاق مع حكومة أشرف غني محاولة أميركية لإضافة الشرعية على وجودها العسكري وتحويله من احتلال إلى قوة دعم وإسناد وتدريب ومساعد على فرض الأمن والاستقرار، ما قد يشكل استمرار التهديد لها في الوقت الذي تدفع باتجاه انسحاب كامل للقوات الأميركية، بما يعنيه من إبعاد أي إمكانية لاستخدام هذا الوجود في أي مواجهة محتملة بينها وبين واشنطن.
الموقف السلبي الإيراني من الاتفاقية يأتي من منطلق أن طهران تعتبر استبعادها يطيح بكل الجهود الدبلوماسية وحتى الأمنية والمصالح الاستراتيجية التي أقامتها ووظفتها في أفغانستان وكل الأدوار التي لعبتها في محاولات التقريب بين الحكومة الأفغانية وطالبان والتي كان آخرها الزيارة التي قام بها أمين المجلس الأعلى للأمن القومي علي شمخاني إلى كابول والاجتماعات التي عقدها وفد من حركة طالبان في الخارجية الإيرانية بطهران بعدها، من هنا فإن طهران ترى أن واشنطن غير مؤهلة لعقد اتفاق سلام ورسم مستقبل أفغانستان على حساب دور الأمم المتحدة، التي من المفترض بها توفير الأرضية والآليات التي تسهل عملية التفاوض الأفغاني، وتلعب دور المراقب والضامن لتنفيذ الاتفاقيات التي يتوصلون إليها.
في موازاة موقف الخارجية الإيرانية الذي لا يصدر من دون التنسيق مع المجلس الأعلى للأمن القومي، فإن أوساطاً في مؤسسة حرس الثورة الإسلامية، والتي تعتبر الجهة المعنية أكثر من غيرها بالساحة الأفغانية، لا تتردد في التعبير عن مخاوفها من هذا الاتفاق (اتفاق السلام الأميركي – الطالباني)، في أن يؤدي الاتفاق إلى نوع من انقلاب يسمح لحركة طالبان بالسيطرة من جديد على السلطة على حساب الدولة الرسمية، خصوصاً في ظل الأوضاع السياسية المعقدة والصعبة التي تحكم العلاقة بين كابول وطالبان، وإذا ما فشل مسار السلام في تحقيق أهدافه، قد تدفع واشنطن لمساعدة طالبان في إعادة فرض سيطرتها ما قد ينقل الوضع الأفغاني إلى مرحلة مختلفة عما هو عليه الآن.
وتعتقد هذه الأوساط أن الاتفاق بين الطرفين يأخذ في الاعتبار مصالح حركة طالبان وواشنطن على حساب مصالح الشعب والدولة الأفغانية، ولعل مسارعة حكومة كابول لإعلان موقف سلبي ورافض لما جاء من المادة المتعلقة بإطلاق سراح سجناء من الحركة في سجون الدولة، يشكل تعبيراً واضحاً عن شعور الخيبة لدى حكومة كابول من استبعادها عن مجريات الاتفاق بين واشنطن وطالبان. فضلاً عن البنود التي تتحدث عن نية واشنطن الاحتفاظ بنحو 8600 جندي من أصل 12 ألفاً في أفغانستان تحت عناوين مختلفة ما قد يعقد مآلات هذا الاتفاق ويضعه أمام أزمة حقيقية.
وتعتقد هذه الأوساط أن اتفاق السلام في أفغانستان قد يصب في إطار الجهود التي تبذلها طالبان لترميم موقفها السياسي والحصول على الاعتراف الدولي، خصوصاً أن الاتفاق بين واشنطن وحكومة كابول نص على قيام الحكومة بالعمل على المستوى الدولي وعبر مجلس الأمن لرفع اسم طالبان عن لائحة الإرهاب. فضلاً عن حاجة الرئيس الأميركي لمثل هذا الاتفاق، خصوصاً قبل موعد الانتخابات الرئاسية، والذي سيعمل على توظيف هذه الورقة في معركة الرئاسة وتأكيد التزامه بالتعهدات التي قدمها قبل أربع سنوات بإعادة القوات الأميركية إلى بلادها.
طهران تصف اتفاق السلام الأفغاني بأنه غير دائم وبأهداف سياسية وانتخابية مؤقتة، لكنها تنظر بعين القلق إلى إمكانية استمراره، وهو قلق يضاف إلى القلق الذي تواجهه في ملفات أخرى في الإقليم، خصوصاً في سوريا والعراق، بالتالي قد تكون أمام مرحلة ستكتفي بتعداد الخسائر والعمل على وقف تداعياتها.
حسن فحص
اندبندت العربي