من يخيف الإسرائيليين أكثر: الطيبي أم اردوغان؟

من يخيف الإسرائيليين أكثر: الطيبي أم اردوغان؟

كثيرة هي الدروس التي يمكن استخلاصها من انتخابات الكنيست الإسرائيلي الأخيرة، وهي الثالثة خلال أقل من عام بالنظر إلى أن الجولتين السابقتين في أيلول/ سبتمبر ونيسان/ أبريل 2019 لم تمكّن رئيس الحكومة الحالي وزعيم «الليكود» بنيامين نتنياهو، ولا منافسه بيني غانتس زعيم تحالف «أزرق أبيض»، من تأمين أغلبية الـ61 صوتاً اللازمة لحصول الحكومة الجديدة على ثقة الكنيست.
ولعل أول الدروس هو خروج نتنياهو من هذه الجولة الثالثة أكثر قوة من ذي قبل، وسط إقبال على الانتخابات قارب الـ71٪، الأمر الذي يشير إلى أن أغلبية واضحة في المجتمع الإسرائيلي لا تمانع من تنصيبه لولاية جديدة تستكمل 14 سنة على رأس السلطة، بينها 11 سنة متصلة، نجح خلالها في تحطيم الرقم القياسي الذي كان ينفرد به «مؤسس الدولة» ديفيد بن غوريون من حيث عدد السنوات في الحكم.
ولأن هذه المباركة الأخيرة جرت على خلفية خضوع نتنياهو لثلاثة اتهامات أمام القضاء، تخص الاحتيال والرشوة وإساءة الثقة، وهو أمر انفرد به نتنياهو أيضاً دون جميع رؤساء الحكومات في تاريخ دولة الاحتلال، فإن الدلالة الواضحة وراء هذه الحال تشير إلى أن الناخب الإسرائيلي الذي منح صوته إلى سياسي من هذا النوع يمثّل واحداً من نموذجين لا ثالث لهما: إما أنه يؤمن ببراءة نتنياهو حتى قبل المحاكمة، أو أنه يريده على رأس الحكومة حتى إذا أدين.
الدرس الثاني، بعد هذا الاعتلال العضوي الفاضح في بنية النظام السياسي الإسرائيلي، الذي يسمى زوراً بـ«الديمقراطية الوحيدة» في الشرق الأوسط، هو أن قسطاً من أسباب بقاء نتنياهو في السباق يرجع إلى ما تلقاه خلال الجولات الانتخابية الثلاث من هدايا ثمينة ومتعاقبة بادر إلى إرسالها الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، بدأت من نقل السفارة الأمريكية إلى القدس المحتلة، ومرّت بإسباغ الشرعية القانونية على المستوطنات والجولان المحتل، ولم تنته مع «صفقة القرن» الفاضحة.
وليس جديداً أن يتمحور الدرس الثالث حول لعب الساسة الإسرائيليين على مزيج من رهاب السلام والتعطش إلى الاستيطان والنزوعات العنصرية والدينية والقومية التي باتت قرينة «المزاج» العام لدى قطاعات واسعة في المجتمع الإسرائيلي. وإذا كان نتنياهو قد سعى إلى تخويف الإسرائيليين من خصمه غانتس لأن الأخير يمكن أن يجلب النائب الفلسطيني أحمد الطيبي إلى قلب الحكومة، فإن غانتس من جانبه سعى إلى تخويفهم من خصمه نتنياهو على خلفية انقلاب الأخير إلى نسخة إسرائيلية من رجب طيب أردوغان. لكن نتائج انتخابات الكنيست الأخيرة تدل على أن غالبية الإسرائيليين تخشى الطيبي أكثر من أردوغان، كما يرى المعلق الأمريكي هيرب كينون.
الدرس الرابع هو الحصيلة التاريخية التي خرجت بها «القائمة المشتركة» العربية التي نالت 15 مقعداً، فلم تؤكد بذلك نتائجها الجيدة عموماً في الجولتين السابقتين، بل ثبتت أيضاً أنها باتت حتى إشعار آخر طويل رقماً صعباً في قلب المعادلة الإسرائيلية، ورسخت سلسلة مواضعات حول ضرورات وحدة الصفّ الداخلي الفلسطيني وثوابت الوجود والهوية والمقاومة، في آن معاً.
والأيام القليلة المقبلة سوف تُظهر احتمالات خروج دولة الاحتلال من مآزق الجولتين، وما إذا كان نتنياهو قادراً على تأمين أغلبية الـ61 صوتاً عبر شق تحالف «ازرق أبيض»، وإرسال قرارات القضاء الإسرائيلي إلى سلال قمامة الاستيطان والعنصرية والتطرف.

القدس العربي