معمر فيصل خولي
في المحطة الأخيرة والمنتظرة من أجل تصفية خلافات تركيا مع الدول العربية، وبعد مباحثات أمنية واستخباراتية من أجل التقارب والتي بدأت في عام 2021م، وتبادل الزيارات واللقاءات على مستوى وزيري خارجية الدولتين، وبعد نحو11 عامًا من آخر زيارة له كرئيس وزراء تركيا إلى القاهرة، وبعد نحو 10 سنوات من انعدام التواصل الدبلوماسي عال المستوى.
جاءت زيارة الرئيس التركي رجب طيب أدروغان إلى مصر في 14 شباط/ فبراير الماضي، والتقى مع نظيره عبدالفتاح السيسي، في زيارة وصفت على أنها تاريخية، وهي كذلك. كونها زيارة انهت سنوات من توتر والأزمات التي وصلت إلى مستوى الصراع دون الانزلاق إلى مواجهة عسكرية في ليبيا.
كتب الكثير عن الزيارة، حيث اجمعت التحليلات السياسية على انها آخر استدارة لتركيا تجاه الدول العربية بعد عودة علاقاتها مع المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة. وفي تقديري هي ليست استدارة، ,ومن الصعوبة بمكان وصف الزيارة بهذا الوصف القادم من الفضاء الإعلامي، فهي لا تفسر وفق مفردة تم استحداثها في المجال الإعلامي، وإنما تجد تفسيرها في المدرسة الواقعية في العلاقات الدولية، التي ترى أن الدولة في سلوكها الخارجي تهدف إلى تحقيق مصالحها، وتركيا في هذه الحالة ليست استثناء.
كنت – ولا زلت- على قناعة مفادها أن تركيا من الدول الإقليمية التي تضررت ضررًا سياسيا واقتصاديا من نتائج الربيع العربي بشكل عام، فتركيا قبل الربيع كان التعاون الاقتصادي بوابتها الرئيسة للدول العربية كالمملكة العربيةالسعودية والإمارات ومصر وليبيا وسوريا، وبموازاة ذلك تطورت علاقات تركيا السياسية مع تلك الدول. لكن مع مجيء الربيع العربي لم يبق تلك الأوضاع على حالها بل ألقت تداعياته على علاقات تركيا بالدول العربية المشار إليها آنفًا. حيث ساندت تركيا مطالب الشعوب العربية في التغيير في سوريا ومصر، بينما رأت دول العربية أخرى في ذلك الدعم مصدر تهديد صريح لأنظمتها السياسية لاسيما بعد صعود ما يسمى في ” الإسلام السياسي” ممثلًا في جماعة الإخوان المسلمون. واتسعت حدة الاختلاف بين تركيا والدول العربية وخاصة السعودية ومصر والإمارات والبحرين بعد وقوف تركيا إلى جانب قطر في الأزمة الخليجية التي انتهت تداعياتها إلى غير رجعة – إن شاء الله- في قمة العلا التي استضافتها المملكة العربية السعودية في كانون الثاني/يناير عام 2021م.
وفي علاقاتها مع مصر تحديدًا، وقفت تركيا موقف الرافض من التحولات السياسية التي شهدتها مصر بعد 30 حزيران/ يونيو عام 2013م، والتي اطاحت بحكم الإخوان المسلمين في مصر، ورفضت الاعتراف بالنظام السياسي الجديد فيها. وبعد ذلك التاريخ اتخذت العلاقات التركية المصرية مسارًا تصادميًا في القضايا الإقليمية ذات الاهتمام المشترك من ليبيا إلى غاز شرق البحر المتوسط.
وبعد مرور سنوات على حالة مصرية تركية اضرت في علاقاتهما الثنائية ، ادركت كل من تركيا ومصر أن الخصومة في العلاقات الثنائية وسياسة الاستقطاب في البيئة الإقليمية لا تخدم مصالح هاتين الدولتين، بل بالعكس تعمل على استنزاف قدراتهما ورصيدهما الإقليمي، وادركا بأن الخصومة لا تجلب المنافع في علاقاتهما الثنائية بل العكس صحيح، لاسيما وأن مصر وتركيا من الوحدات الدولية الرئيسة في بيئة الشرق الأوسط، فكلما كانت العلاقات بينهما مستقرة انعكس ذلك ايجابيًا على سائر الإقليم برمته .فما يجمعهما من تقارب جغرافي وقواسم تاريخية مشتركة، وتعاون اقتصادي، وادراك سياسي متبادل لأهمية كل منهما في الإقليم، من شأنها تعزيز تلك الرؤية.
الزيارة بحق، تعد تاريخية ليس لجهة تدشين مرحلة جديدة قد تنطوي على الكثير من المجالات الايجابية بين مصر وتركيا في حال التوصل إلى تفاهمات في القضايا الخلافية بينهما ، وإنما الأهم هو اعتراف القيادة التركية بالنظام السياسي المصري الذي تأسس في 30 حزيران/ يونيو عام 2013م. إذا كانت زيارة نيكسون إلى الصين في 21 شباط/ فيراير عام 1972م، ولمدة عدة أيام ” غيرت العالم”، فإن زيارة الرئيس التركي رجب طيب أردوغان إلى مصر،لا تقل أهمية عن تلك الزيارة، غيّرت علاقة تركيا بمصر ومن شأنها أيضَا أن تغير علاقتها بالبيئة الإقليمية .
وحدة الدراسات التركية
مركز الروابط للبحوث والدراسات الاستراتيجية