بين المسيرات التركية والمقاتلات الروسية… فضاء إدلب مزدحم

بين المسيرات التركية والمقاتلات الروسية… فضاء إدلب مزدحم

لم تكد تنقضي المهلة التي حددها الرئيس التركي رجب طيب أردوغان لقوات النظام السوري لتنسحب من نقاط المراقبة في إدلب في نهاية فبراير (شباط) الماضي، حتى شهد ريف المدينة، بخاصة سراقب، أعنف المعارك التي أفضت إلى استعادة النظام لها أخيراً.

تحليق غير مسبوق

وازدحمت سماء ريف إدلب خلال الأيام الثلاثة المنصرمة بأنواع مختلفة من الطائرات الحربية الروسية الصنع والمسيّرات من دون طيار ذات الإنتاج التركي، بشكل غير مسبوق.

ولفتت “بيرقدار” الطائرة التركية المسيرة، الأنظار بدخولها أجواء المعركة حيث قلبت موازين القوى في الجو بشكل واضح، واضعةً حداً لتقدم قوات النظام بعد استهدافها في سراقب وتراجعها قبل أن تعاود السيطرة على المنطقة الاستراتيجية في إدلب. وسرعان ما تدخلت أسراب مقاتلة روسية داعمة لتعيد سيطرة الجيش السوري على سراقب ثاني مدن ريف إدلب الجنوبي بعد معرة النعمان المطلة على الطريق الدولي (دمشق ـ حلب) وتبعد عن مدينة حلب 50 كيلومتراً.

في المقابل، علّق عضو الائتلاف الوطني لقوى المعارضة السورية، ياسر فرحان في حديث لـ “اندبندنت عربية”، عن “عدم استخدام قوى الثورة كل أدواتها عسكرياً بعد، فيما يشهد الآن الجيش الوطني السوري دعماً حقيقياً من تركيا”.

ورأى فرحان أن “الوقت حان ليحصل الجيش الوطني السوري على أدوات ضاغطة في المجال العسكري. منذ فترة طويلة ونحن نطلب حظر طيران وحماية دولية للمدنيين في سوريا وتزويد الجيش الحر بمضادات للطيران تحميهم من القصف العشوائي المستخدم من قبل روسيا والنظام يستخدمونه بتدمير البنى التحتية من مدارس ومستشفيات”.

ولفت عضو الائتلاف الوطني إلى أن “الطائرات المسيرة التي دُعمت بها معركة الشعب السوري لها نتائج مهمة وهي تغيير التموضعات على الأرض، ولعل استخدام هذا الجيل المطوّر من الطائرات المسيرة يعطي فرصة لاستعادة المناطق التي سيطر عليها النظام ويحل مشكلة النازحين بالعودة إلى مناطقهم”.

المضادات تعمل

إزاء ذلك لم يكتف الجيش التركي بالتدخل في ميدان المعارك بعد الخسارة الجسيمة التي تكبدها يوم الخميس 27 فبراير (شباط) الماضي، بعد مصرع 33 جندياً تركياً، إضافة إلى مصرع عشرات الجنود الأتراك في معارك متفرقة وإلحاق خسائر في الآليات والمدرعات التركية، بل قدم دعماً غير مسبوق لفصائل المعارضة عبر الدفاعات الجوية والتي كانت تطلبها دوماً. وتفيد المعلومات الواردة من إدلب بامتلاك الفصائل المعارضة مضادات للطيران، وبات مشهد سقوط المقاتلات في سماء إدلب معتاداً خلال الأيام الماضية إذ وصل عددها إلى ثلاث بما فيها سقوط طائرة ومصرع أحد الطياريَن لقي مصرعه ونجاة الآخر الثلاثاء.
وذكر المرصد السوري لحقوق الإنسان أن طائرة تابعة لسلاح الجو السوري سقطت الثلاثاء 3 مارس (آذار)، عقب استهدافها بصاروخ من طائرة “أف 16” تركية حلقت قرب الحدود شمال جسر الشغور، في ريف إدلب، وتعد هذه الطائرة الثالثة بعد إسقاط طائرتين سوخوي 24 تابعتين للنظام السوري، في الأول من الشهر الحالي.

في غضون ذلك، ومع تصاعد حدة النزاع في الشمال السوري يبدو أن صراع الطائرات هو لغة المعركة اليوم، بشكل لم يشهده تاريخ الحرب السورية من قبل. وبعدما كانت الأجواء مفتوحة أمام الطيران السوري من دون تهديد أو خطر يُحدق بالمقاتلات السورية والروسية على حد سواء، قوضت المضادات الجوية لفصائل المعارضة في 28 فبراير (شباط) الماضي، حركة الطيران بعدما أسقطت مروحيتين عسكريتين للقوات النظامية وبدأت الطائرات تتهاوى في سماء إدلب بعد ذلك.
في المقابل، كثفت مضادات النظام السوري تعقبها لطائرات “بيرقدار” من دون طيار وأسقطت عدداً منها وفق بيانات عسكرية، فيما تحدثت معلومات عن تدمير طائرتين مسيرتين تركيتين مساء الثلاثاء 3 مارس.

الحماية الجوية

يأتي ذلك كله، بعدما ضاق النظام ذرعاً خلال الأيام الماضية، بتحرك الطائرات التركية المسيرة التي دكت تموضع القوات السورية الجديد في ريف إدلب الجنوبي، بوابل من الصواريخ، في مقابل تحليق كثيف للطائرات المقاتلة الروسية والسورية التي ترصد وتقصف تجمعات وأرتال الجنود الأتراك.

وفي وقت تُطوّر أنقرة منذ عام 2017 أنواعاً جديدة من طائرات “بيرقدار” من طراز TB2 كشفت تقارير عن نشاط عدد منها إلى جانب قوات حكومة الوفاق التي يرأسها السراج في ليبيا. وتدخل هذه الطائرات في خدمة القوات المسلحة وقوى الأمن والشرطة في تركيا.

وصرح عضو الائتلاف الوطني، ياسر فرحان عن استخدام هذه الأسلحة المتطورة والمتكافئة بالقول، إن “امتلاك الجو هو ما يسعى إليه الجيش الوطني لحماية المدنيين. ويفتح ذلك فرصةً لمطالبة المجتمع الدولي بتقديم أسلحة لقوى الثورة أو تدخل الولايات المتحدة مباشرةً عبر إنشاء منطقة آمنة. هذا ما طلبناه في زيارتنا إلى جنيف وقلنا للبعثة الأميركية بشكل مباشر وصريح إنه يجب تأمين حظر للطيران وتقديم الدعم عبر إنشاء منطقة آمنة”.

ورجّح فرحان أنه “ما زال هناك أمام الجيش الوطني والجيش الحر وسائل أخرى عسكرية مواجهة مباشرة مع روسيا. وتستطيع فصائل المعارضة تنفيذ حملات مركزة خلف خطوط قوات النظام”.

تصعيد إدلب والانحسار

على المقلب الآخر، سيتوجه الممثل الأعلى للاتحاد الأوروبي جوزيب بوريل إلى أنقرة الثلاثاء في زيارة تستمر يومين، ليبحث وضع المدنيين واللاجئين السوريين في تركيا. وذلك بعد ممارسة أنقرة ضغوطاً على الأوروبيين عبر فتح الطريق أمام اللاجئين لديها في اتجاه أوروبا وتنصلها من الاتفاق الذي تم التوصل إليه مع القارة العجوز عام 2016 بخصوص استقبال اللاجئين.

من جانبه، أعلن الكرملين عن محادثات هاتفية أجراها الرئيس الروسي فلاديمير بوتين مع المستشارة الألمانية أنغيلا ميركل حول الوضع في إدلب.
أما وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف فأعلن خلال مؤتمر صحافي مع نظيره الفنلندي في هلسنكي عزم بلاده عدم الكف عن “محاربة الإرهاب في منطقة إدلب”.

مغامرة تركية

ويرجح مصدر سياسي محايد تصاعد وتيرة المعارك وحدتها خلال الأيام المقبلة بهدف كسب الأرض والميدان، بالتالي تحديد صيغة المفاوضات.
وتدعم القيادة العسكرية الروسية الجبهة الشمالية في سوريا بالمضادات الجوية للتصدي لسيل الطائرات المسيّرة التركية، حيث تعاني وفق مصدر ميداني، شحاً في الدفاع الجوي على عكس الجبهة الجنوبية، مضيفاً أن “المنظومات الدفاعية الجديدة وصلت وبدأت بالخدمة”.

ويبدو أن لدى أنقرة رغبة في تدمير المنشآت الأساسية للطائرات السورية عبر قصفٍ متوالٍ تشنّه عليها بشكل متواصل، في وقت يبدو أنها تراجعت عن فكرة الزج بطائراتها الحربية في المعركة، وتكتفي بإرسال طائرات من دون طيار تجنباً لمغامرة لا تُحمد عقباها، بخاصة أنها لم تضمن بشكل قطعي رفع يد روسيا عن الشمال السوري.

رولا اليوسف

اندبندت العربي