تكتسب فكرة ترشيح رئيس جهاز الاستخبارات العراقي مصطفى الكاظمي لمنصب رئيس الوزراء، المزيد من الأهمية، بسبب السجال العلني الذي يخوضه ضد أخطر ميليشيا عراقية شكلتها إيران، وهي “كتائب حزب الله”، التي تتهمه بالوقوف وراء عملية اغتيال قائد “فيلق القدس” التابع لـ “الحرس الثوري الإيراني” قاسم سليماني ونائب رئيس هيئة “الحشد الشعبي” أبو مهدي المهندس.
مصدر قوة الكاظمي
وبرز اسم الكاظمي بقوة، عقب اعتذار رئيس الوزراء المكلف محمد توفيق علاوي عن تشكيل الحكومة، بعدما حاول مراراً إقناع البرلمان بالانعقاد للتصويت على كابينته، من دون جدوى.
واللافت في أمر الكاظمي أنه ليس طرفاً سياسياً ولا ينتمي إلى أي تيار أو حزب، ولم يسبق له أن شغل منصباً حكومياً أو سياسياً، قبل أن يتولى قيادة جهاز الاستخبارات في عهد رئيس الوزراء السابق حيدر العبادي.
اتهامه بتسهيل قتل سليماني والمهندس
وقد حظي الكاظمي بدفعة قوية على المستوى الشعبي، خصوصاً عندما اعتبرت “كتائب حزب الله” أن ترشيحه لمنصب رئيس الوزراء قد يتسبّب في إحراق البلاد.
واتهمت “الكتائب” الكاظمي علناً بأنه سهّل اغتيال سليماني والمهندس في غارة أميركية استهدفت مطار بغداد الدولي في الثالث من يناير (كانون الثاني) الماضي، بينما جاء الرد من جهاز الاستخبارات بأن هذه الاتهامات تمثّل “تهديداً صريحاً للسلم الأهلي”، مؤكداً أن مهام عمله “ليست خاضعة إلى المزاجات السياسية، ولا تتأثر باتهامات باطلة يسوّقها بعض من تسوّل له نفسه إيذاء العراق وسمعة أجهزته الأمنية، بل تستند إلى مصالح شعب العراق الأبي وحجم وقيمة الدولة العراقية في المنطقة والعالم”.
جهاز الاستخبارات العراقي شدّد على “حقه في الملاحقة القانونية لكل من يستخدم حرية الرأي لترويج اتهامات باطلة تضرّ بالبلاد وبسمعة جهازه الأمني، وواجباته المقدسة بحفظ أمن العراق وسلامة شعبه”، لافتاً إلى أن واجباته “تحددها مصالح البلد لا انفعالات واتهامات الخارجين عن القانون”.
هذا السجال ألهب مشاعر كثيرين في العراق، إذ “هي المرة الأولى التي تتصدى فيها مؤسسة حكومية عراقية لميليشيا بهذه القوة، يقودها الحرس الثوري الإيراني مباشرة”، على حد وصف المدون العراقي مصطفى سعدون.
الداعمون
مصادر وثيقة الصلة بمشاورات تكليف بديل لعلاوي، أبلغت “اندبندنت عربية”، بأن قوى سياسية شيعية طرحت فعلياً خيار تكليف الكاظمي تشكيل الحكومة المقبلة في العراق، مشيرةً إلى أن هذا الخيار قوبل بترحيب كردي وصمت سني.
وتقول المصادر إن “القوى السياسية الشيعية التي تدعم ترشيح الكاظمي تتمثل في ائتلاف النصر بزعامة العبادي وتيار الحكمة بزعامة عمار الحكيم”، لافتةً إلى أن زعيم التيار الصدري مقتدى الصدر، الذي يرعى كتلة “سائرون”، كبرى كتل البرلمان العراقي، لم يمانع عندما طُرح عليه هذا الخيار، “لكنه لا يزال منفتحاً على سماع خيارات أخرى”.
كذلك لقي ترشيح الكاظمي ترحيباً من الزعيم الكردي البارز مسعود بارزاني، في حين لم يبدِ رئيس البرلمان محمد الحلبوسي اعتراضاً على الخيار، على الرغم من المؤشرات التي أوحت بأن دعم الأخير لرئيس جهاز الاستخبارات، ربما يكون مشروطاً.
اعتراض إيراني
وتبدو خريطة الداعمين للكاظمي أكثر من كافية كي يضمن نيله ثقة البرلمان في حال كلّفه رئيس الجمهورية برهم صالح بتشكيل الحكومة الجديدة. لكن الحقيقة، أن الكاظمي يفتقر للتأييد الإيراني، فمعظم الأحزاب والتيارات المتكتلة في “تحالف الفتح” بزعامة هادي العامري، الذي يوصف بأنه الممثل السياسي لمصالح طهران في بغداد، يقف ضد ترشيح رئيس جهاز الاستخبارات، أو أنه ليس متحمساً له على الأقل.
أما على المستوى الشعبي، فقد يكون هذا الوضع مثالياً للكاظمي إذ إنه قد يحظى بثقة أكبر من الشارع، كلّما ابتعد عن إيران، ولكنه على المستوى السياسي قد يواجه الكثير من العقبات، لا سيما أن “تحالف الفتح” يملك ثاني أكبر عدد مقاعد في البرلمان العراقي.
طهران مشغولة بكورونا
لكن الأجواء السياسية تشير إلى أن الكاظمي ربما يعوّل على أمرين، الأول حاجة الأطراف الشيعية إلى تجاوز لحظة الفراغ الحكومي الحالية وتشكيل حكومة قادرة على تهدئة الشارع الغاضب الذي يتظاهر ضدها منذ خمسة أشهر، والثاني انشغال إيران بتداعيات تفشي فيروس “كورونا” في أراضيها، ومحدودية قدرتها حالياً على التأثير الخارجي، وهو ما بدا جلياً عندما تركت المكلف محمد توفيق علاوي يسقط، على الرغم من أنه مرشح من قوى عراقية صديقة.
وفي حال تظافر هذان العاملان، قد تتزايد حظوظ الكاظمي في نيل تكليف تشكيل الحكومة، في وقت تحجم مختلف القوى عن اقتراح أي بدلاء، بسبب التعقيدات الداخلية والتطورات الإقليمية.
محمد ناجي
اندبندت العربي