نشرت صحيفة “واشنطن بوست” تقريرا لمراسليها في إيرن كانينغهام ودالتون بينت حول أثر انتشار فيروس كورونا المستجد على القيادة الإيرانية التي سحقت تحت ضرباته بعدما كشفت البيانات عن انتشار الفيروس بشكل أوسع مما كشفت عن الحكومة.
وقال إن الفيروس الذي انتشر في أنحاء إيران مثل “ضربة صارخة” للقيادة الإيرانية البارزة وحكومتها وأصاب عددا من نواب البرلمان و15 مسؤولا سابقا وحاليا وهو ما اعترفت به الحكومة نفسها. ومن بين المصابين نائبة الرئيس ونائب وزير الصحة ومستشارا للمؤسسة القضائية وضرب الفيروس قلب السلطة في إيران حيث قتل مستشارا كبيرا لآية الله علي خامنئي، المرشد الأعلى للثورة الإسلامية.
وبعد تحول إيران إلى ثاني أكبر بؤرة للفيروس في العالم قال المتحدث باسم وزارة الصحة كيانوش جهانبور يوم الأربعاء إن حصيلة القتلى في أنحاء البلاد وصلت إلى 92 شخصا وإصابة أكثر من 3.000 شخص. إلا أن البيانات التي تم الحصول عليها من مجموعة مستشفيات في طهران تقترح أن الوباء انتشر على قاعدة أوسع مما اعترفت بها الحكومة.
وأعلنت عدد من المستشفيات في العاصمة طهران عن 80 حالة وفاة جراء فيروس كورونا وخلال فترة ستة أيام حتى يوم الأربعاء. وتقول المراكز الطبية إن هذه الأرقام تمثل جزءا بسيطا من عدد المصابين في العاصمة.
وأظهرت البيانات التي قدمت معلومات ديمغرافية وشرحا للحالات، فهناك زيادة بنسبة 17% في حالات الوفاة ما بين الثلاثاء والأربعاء.
وقالت الصحيفة إن المعلومات التي جمعت من المستشفيات وقدمتها لها الناشطة الإيرانية المقيمة في بريطانيا ناريمان غريب الناقدة للرد الحكومي على انتشار الوباء وتخشى من إخفاء المعلومات عن الرأي العام.
وبناء على المعلومات القادمة من طهران قدرت أشلي تويت الباحثة في الأمراض المعدية بمركز دالا لانا للصحة العامة بجامعة تورنتو أن الموجة الجديدة من المرض وصلت إلى 28.000 حالة مضيفة أن الأعداد ربما تتزايد. وقالت إن الممرضين والممرضات الذين اتصلت الصحيفة معهم عبر الهاتف في طهران ومشهد، شمال شرق البلاد إن الحالات في تزايد مستمر، هذا بدون ضم المسؤولين البارزين الذين أصابهم المرض، وبما في ذلك العدوى التي تم تشخيصها بناء على التصوير الطبقي.
وقال الممرضون والممرضات الخمس الذين اتصلت الصحيفة معهم وأكدوا على عدم الكشف عن هويتهم إن الممرضين في المستشفيات منعوا من ارتداء الأقنعة الواقعية حتى لا يثيروا الفزع بين المرضى وأن هناك نقص في القفازات والأقنعة والمواد الطبية الأخرى الضرورية للوقاية من الفيروس. ووصف الممرضون وضع النقص في الممرضين والطاقم الطبي الذي يتم نقله ما بين المستشفيات لمواجهة الأزمة.
وبعيدا عن الجهد الذي قامت من خلاله السلطات الإيرانية للتقليل من خطر انتشار المرض ورفض الحجر الصحي، فإنها قامت في الأيام الأولى لظهور الحالات بالتقليل من شأنه وشجعت المواطنين على المشاركة في الإنتخابات البرلمانية وعدم التوقف عن زيارة المشاهد الدينية.
وبحسب المسؤولين الإيرانيين فقد ظهرت أول حالة في مدينة قم بعد قيام رجل أعمال برحلة إلى الصين. وتم الإعلان عن الحالة في 19 شباط (فبراير) قبل أيام من الانتخابات. ولكن الحكومة طلبت من المواطنين المشاركة فيها وزيادة عدد الناخبين وتعزيز مصداقية القيادة الإيرانية. فبعد الغارة التي قتلت الجنرال قاسم سليماني في كانون الثاني/ يناير، تعرضت الحكومة لانتقادات بسبب التستر الذي مارسته على إسقاط الحرس الثوري طائرة ركاب أوكرانية وهي نفس قوات الأمن التي قامت بضرب وقمع المتظاهرين الذين احتجوا على نقص المواد الأساسية وارتفاع أسعار الوقود.
وقال كاميار علائي، الخبير في الصحة العام بجامعة أوكسفورد إن المسؤولين الإيرانيين لم يريدوا “تثبيط عزيمة السكان عن المشاركة” و”قللوا من خطورة المرض وضللوا الناس وأعطوا معلومات غير صحيحة للنظام الصحي”. والنتيجة كما يقول هو أن المهنيين الطبيين “لم يكونوا جاهزين وأصيب عدد من الأطباء والممرضين والممرضات بسبب تعرضهم للفيروس”. وأضاف: “كانت هناك سوء إدارة واضحة وتقديم المصالح السياسية على مظاهر القلق الصحية مما أدى لانتشار الوباء”.
ويعاني النظام الصحي الإيراني من وضع سيء بسبب العقوبات الإقتصادية الأمريكية التي حدت من قدرة الحكومة الإيرانية على شراء المواد الإنسانية. وعادة ما رفضت المصارف الدولية الخائفة من العقوبات الأمريكية من إجراء عقود مع المؤسسات المالية الإيرانية حتى لو كانت المشتريات تتعلق بالأدوية والمواد الطبية.
وأرسلت منظمة الصحة العالمية هذا الأسبوع فريق من الخبراء وشحنات من الأدوية ومعدات طبية لفحص 100 ألف مواطن إيراني. وتحركت السلطات من أجل احتواء المرض حيث أغلقت المسارح ودور السينما ومنعت الزيارات للمشاهد الدينية ودعت السكان لتجنب التجمعات العامة والبقاء في البيوت. إلا أن الإجراءات الصحية القاسية جاءت متأخرة لمنع انتشار الفيروس إلى كل محافظة في البلاد تقريبا.
ويقول الخبراء إن الصلات القريبة بين قم، المركز الروحي والقيادة السياسية في طهران ساهم في انتشار الوباء بين المسؤولين ويسافر رجال الدين بشكل منتظم بين قم والعاصمة، وكان بعض المسؤولين الذين أصيبوا في لقاءات حكومية بل وفي البرلمان.
وأشار خبراء المرض إلى السلام بالمصافحة والتقبيل تسهم في انتشار المرض. وربما ظن القادة الإيرانيون أنهم لن يصابوا وفشلوا في تحذير المواطنين كما يقول علائي. وعلق ديفيد فيسمان من قسم الوبائيات في جامعة تورنتو “أعتقد أن حالة الإنكار والغباء أسهمت مع التقبيل ثلاث مرات بين الرجال في إصابة عدد كبير من المسؤولين السياسيين في إيران.
وبحسب أرقام مستشفى فقد أدخل خمسة مسؤولين سابقين ولاحقين بمن فيهم نائبان ومستشاران وسفير سابق إلى مستشفى مسيح دانشفاري والتي تعتبر جزءا من معهد أبحاث أمراض الرئة والسل. وكان من بين هؤلاء محمد مير محمدي، المستشار البارز للمرشد الأعلى وهادي خروشاهي، السفير السابق في الفاتيكان والمسجلان أنهما ماتا.
وذكرت الصحافة الإيرانية يوم الثلاثاء وفاة مستشار لإبراهيم رئيسي المرشح الرئاسي السابق ورئيس القضاء. وقالت إن أحمد تويسركاني تلقى العلاج في مستشفى تابع للحرس الثوري.
القدس العربي