نازحون من جحيم حرب إدلب إلى مأساة حدود أوروبا

نازحون من جحيم حرب إدلب إلى مأساة حدود أوروبا

تنذر الأزمة الإنسانية المتصاعدة شمال سوريا بتعقد الوضع لا فقط في محافظة إدلب، بل بتفجر أزمة هجرة جديدة نحو أوروبا ستكون مماثلة لتلك التي حدثت عام 2015. وتتدعم هذه الفرضية خاصة مع إصرار تركيا الإبقاء على حدودها مع اليونان مفتوحة أمام الآلاف من المهاجرين الذين يحملون جنسيات مختلفة، حيث تعد نسبة السوريين قليلة مقارنة بآخرين قرروا الهجرة ومعظمهم من الأفغان والباكستانيين والمغاربة.

أنقرة – لا حديث مؤخرا في الدوائر السياسية الأوروبية سوى عن تخوفات كبرى من أزمة هجرة جديدة ستتسبب فيها المعارك بين النظام السوري المدعوم روسيّا وتركيا في محافظة إدلب شمال سوريا.

ومع تواصل ضغوط الرئيس التركي رجب طيب أردوغان الذي يتمسّك بوجوب الحصول على المزيد من الدعم الأوروبي لحسم معركة إدلب لفائدته أو إغراق أوروبا باللاجئين، تتباين الكثير من المواقف حول هذا الملف وتطرح العديد من الأسئلة منها على وجه التحديد هل تعدّ التطورات الأخيرة بداية لأزمة هجرة جديدة على الحدود الأوروبية؟ ومن هم المهاجرون الذين تجمعوا عند الحدود اليونانية؟

وطرحت وكالة “أسوشيتد برس” الأميركية هذه الأسئلة في تقرير للكاتبين أندرو ويلكس ونيكولاس بافيتيس حدّدت فيه كافة جوانب الملف وتحديدا من جهة أهداف أنقرة وتخوفات أوروبا من جهة أخرى.

العابرون إلى اليونان
وتستمر الأزمة الإنسانية التي بدأت بالتصعيد العسكري للحكومة السورية وروسيا في شمال غرب سوريا. وقالت الأمم المتحدة إن الوضع قد وصل إلى “مستوى جديد مروّع” حيث شرد أكثر من 900 ألف مدني، ودفع اللاجئون إلى إحراق البلاستيك للتدفئة في بعض المخيمات المؤقتة.

وشهدت محافظة إدلب، آخر معقل للمتمردين في سوريا، تضاعفا في عدد سكانها خلال الحرب الأهلية في البلاد. وتشير تقديرات الأمم المتحدة إلى أن عدد المدنيين في المحافظة يبلغ حوالي 3 ملايين، العديد منهم نزحوا عدة مرات من مناطق أخرى من سوريا.

وإلى جانب المدنيين هناك فصائل متمردة مختلفة تراجعت عن ساحات القتال في مواقع أخرى أو أنشأت إقطاعيات في المحافظة المتنازع عليها التي تحكمها إدارات دينية متشددة.

وفي مواجهة موجة تشمل حوالي مليون شخص فروا من الحرب في شمال سوريا، أبقت تركيا حدودها مع اليونان مفتوحة أمام الآلاف من اللاجئين والمهاجرين الآخرين الذين يحاولون دخول أوروبا، وهددت بإرسال “ملايين” آخرين.

وردت اليونان بإغلاق الحدود البرية، والتجأت إلى إرسال تعزيزات من الجيش. كما حاولت منع قوارب المهاجرين من العبور المحفوف بالمخاطر من الساحل التركي إلى جزرها الشرقية. ودعت منظمات حقوق الإنسان إلى اتخاذ إجراءات لوقف تدهور الأوضاع، محذرة من أزمة إنسانية محتملة.

تستضيف تركيا 4 ملايين لاجئ، جاء حوالي 3.6 مليون منهم من سوريا. وكانت حركتهم داخلها منظمة بموجب اتفاق صيغ في عام 2016 مع الاتحاد الأوروبي، حيث شددت تركيا من قيودها على الحدود بموجبه. لكن ومنذ أن أعلنت أنقرة أنها لن تعرقل أولئك الذين يسعون لدخول أوروبا خلال الأسبوع الماضي، هرع الآلاف من الأفغان والإيرانيين والسوريين والباكستانيين وغيرهم من القادمين من أفريقيا وآسيا لتجربة حظوظهم.

ورغم طبيعة هذه التطورات كنتيجة للصراع في جنوب تركيا، أكد عدد من المسؤولين اليونانيين أن نسبة السوريين تعدّ قليلة عند مقارنتها بحاملي الجنسيات الأخرى الذين قرروا العبور إلى أوروبا. وأن معظم المهاجرين هم من الأفغان والباكستانيين والمغاربة. وتشير أرقام نشرت في يناير الماضي، أي قبل القتال المكثف في سوريا، إلى تشكيل الأفغان لـ35 في المئة من الذين دخلوا اليونان من تركيا. بينما يمثل السوريون 14 في المئة.

وألقت السلطات اليونانية إلى حدود الأربعاء القبض على 218 شخصا واتهمتهم بعبور الحدود البرية بطرق غير قانونية. كما نجحت السلطات في إحباط حوالي 26500 محاولة عبور منذ السبت الماضي، على الرغم من أن ضغط القادمين بدا وكأنه يتراجع على اليابسة والبحر.

ووصل حوالي 520 شخصا إلى الجزر اليونانية في غضون 24 ساعة حتى صباح الثلاثاء، وهو ما يعدّ نصف الواصلين يوم الاثنين. ووفقًا للمنظمة الدولية للهجرة التابعة للأمم المتحدة تجمّع 13 ألف شخص على الحدود التي يبلغ طولها 212 كيلومترا بحلول مساء السبت. كما أعلنت تركيا عن مغادرة 100 ألف لاجئ لأراضيها دون أن تقدّم دليلا يدعم هذا الادعاء.

ويبقى الطرفان المنتميان إلى حلف شمال الأطلسي (اليونان وتركيا) خصمين إقليميين تاريخيين اقتربا من الحرب ثلاث مرات في نصف القرن الماضي. وقبل هذه الأزمة، كانت العلاقات متوترة بسبب قضايا شرق المتوسّط وهو ما يطرح السؤال عن سبب فتح أردوغان للحدود.

ولطالما اشتكت تركيا من قلة دعم الدول الأوروبية لها في وقت تعاني فيه من عبء رعاية أكبر عدد من اللاجئين في العالم. وعلى الرغم من الوعود بتقديم مبلغ 6 مليارات يورو لدفع تكاليف الخدمات المقدمة للسوريين، يريد الرئيس التركي رجب طيب أردوغان إعادة التفاوض على الصفقة مع الاتحاد الأوروبي، ويقول إن تركيا أنفقت 40 مليار دولار حتى الآن لاستضافة اللاجئين.

كما تسعى أنقرة إلى حشد دعم لسياساتها في سوريا، أين تعارض الرئيس السوري بشار الأسد والمقاتلين الأكراد المرتبطين بحزب العمال الكردستاني، الذي قاد تمردا دام 35 سنة داخلها. ويريد أردوغان استغلال بعض الأراضي التي تم الاستيلاء عليها من الأكراد في أكتوبر الماضي لإعادة توطين اللاجئين من تركيا. لكنّ الخطة لم تلق دعما دوليا كبيرا.

هل تتكرر أحداث 2015
في 2015، وصل مليون لاجئ إلى أوروبا بعد أن عبر جلّهم الحدود بين تركيا واليونان (جاءت نسبة أقل من بلدان أخرى مثل العبور من ليبيا إلى إيطاليا).

ومع إشارة أردوغان إلى “الملايين” الذين ينتظرون عبور الحدود اليونانية قريبا، أسرعت الدول الواقعة على الحدود الأوروبية (مثل اليونان وبلغاريا) إلى تحريك قوات الشرطة وحرس الحدود والجيش للتعامل مع المهاجرين. وتبدو بذلك أكثر استعدادا لمواجهة التهديد مما كانت عليه في سنة 2015.

ومع ذلك، يصعب التحكّم في المعابر البحرية نظرا لعدم تحرك قوات خفر السواحل التركية لإيقاف قوارب المهاجرين المتوجهة إلى الجزر اليونانية. وبمجرد أن تصبح السفن المتوهجة داخل المياه اليونانية فلا يمكن إرجاعها.

وفي الكثير من الأحيان تضطر السلطات لإنقاذ راكبي القوارب الغارقة أو المعطلة. وفي أواخر 2019، كانت نسبة وصول الوافدين إلى اليونان في أعلى مستوياتها منذ 2016. ويخشى الاتحاد الأوروبي تكرر الأزمة التي أشعلت انقسامات بين الدول الأعضاء.

وقبل الأزمة الحالية كانت اليونان في مواجهة مع عشرات الآلاف من المهاجرين الذين دخلوا من تركيا، حيث رغب معظمهم في المرور إلى دول الاتحاد الأوروبي الأكثر ازدهارا مثل ألمانيا، ولكنهم أصبحوا عالقين فيها بعد إغلاق الحدود الأخرى في وجوههم.

وأصبحت مخيمات المهاجرين تشمل أعدادا تتجاوز طاقة استيعابها حيث يوجد أكثر من 20 ألف شخص في ليسبوس وحدها، أين تبقى الظروف المعيشية سيئة.

وبموجب الاتفاق بين الاتحاد الأوروبي وتركيا، يجب أن يبقى القادمون الجدد في الجزر حتى تتم معالجة طلبات لجوئهم. لكن العملية كانت طويلة مما أدى إلى تراكم المهاجرين.

العرب