بعد ساعات من إبرام الصفقة النووي الإيرانية، أكد الرئيس «باراك أوباما» على سياسة الإدارة الأمريكية بالعمل مع مجلس التعاون الخليجي لدمج أنظمة الدفاع المضادة للصواريخ المتباينة في المنطقة. ويهدف النظام للدفاع ضد الترسانة الإيرانية الهائلة من الصواريخ البالستية، وتشجيع المزيد من التكامل بين القوات العسكرية في الخليج العربي. ويجتمع هذا الأسبوع «جون كيري»، وزير الخارجية الأمريكي، مع مسؤولين عرب من دول مختلفة، من أجل طمأنة المنطقة بشأن الاتفاق النووي والتأكيد لدول الخليج العربية على أن الولايات المتحدة ستقف بينها وبين التهديد الإيراني.
وخلال المفاوضات، ظلت الولايات المتحدة وايران على خلاف بشأن ما إذا كانت العقوبات على صواريخ إيران من الممكن أن تبقى في مكانها دون رفع. هناك مزاعم أن إيران عملت على إعادة بدء تطوير صاروخي، قادر على حمل تصميم الأسلحة النووية الخاصة بها للتسليم عن طريق الصواريخ البالستية شهاب 3 أو سجيل 2. وفي الملحق الإضافي المطول لتقرير مجلس الوكالة الدولية للطاقة الذرية الصادر في نوفمبر/تشرين الثاني 2011 وصفت الوكالة كيف أن الأسلحة الإيرانية ذات الصلة بالعمل تمت تحت مظلة بيروقراطية واحدة، مرتبطة بالحرس الثوري الإيراني، وتهدف إلى تطوير سلاح نووي.
وجادل المفاوضون الإيرانيون أن إغلاق الملف النووي من شأنه أن يؤدي إلى إنهاء كافة العقوبات بما في ذلك الحظر على واردات الأسلحة التقليدية والعقوبات على الصواريخ ذات الصلة. خطة العمل الشاملة المشتركة تحافظ على قيود الأمم المتحدة بشأن الأسلحة التقليدية في المكان لمدة 5 سنوات، والعقوبات على الصواريخ لمدة ثماني سنوات. إيران لديها أكبر مخزون في المنطقة من الصواريخ البالستية، ولها برنامج نشط لزيادة قدرات صواريخ كروز.
وفي الوقت الذي ستستمر فيه الكثير من التحديات أمام إيران فيما يتعلق بالتصدير بعد رفع العقوبات المتعلقة بالصواريخ، فإن واشنطن لا تزال ملتزمة بتطوير نظام متكامل للدفاع الجوي والصواريخ، والذي هو مصمم بهدف إلحاق الهزيمة بالتهديد الصاروخي الإيراني في المدى الطويل. قطر والإمارات العربية المتحدة والمملكة العربية السعودية وإسرائيل لديها جميعا أنظمة دفاع صاروخية مستوردة من الولايات المتحدة. ومع ذلك، فإن دول الخليج لا تزال منقسمة بشأن المزيد من التكامل، وذلك بسبب المخاوف من قضايا القيادة والسيطرة البينية العربية. ولا تزال هذه المسألة مشحونة سياسيا بسبب مخاوف أن المملكة العربية السعودية، أكبر دولة في الخليج العربي، كسبت نفوذا لا مبرر له في وحدة دفاع جوي متكاملة من دول مجلس التعاون الخليجي، وبالتالي إعطاء الأولوية لتصورات التهديد الأمني للمؤسسة من دولة خليجية إلى أخرى قد لا يشتركان في نفس الرأي.
وسعت الدول المعادية لإيران إلى امتلاك قدرات صاروخية هجومية بعيدة المدى لتنضم إلى الدفاع الصاروخي. وحتى السعوديون استوردوا الصواريخ البالستية من الصين، في حين تحولت دولة الإمارات العربية المتحدة إلى كوريا الشمالية والولايات المتحدة للحصول على الأنظمة قصيرة المدى القادرة على استهداف الأراضي الإيرانية. وقد اشترت كلا البلدين من المملكة المتحدة وفرنسا صواريخ من طراز «ستورم شادو» التي أطلقت صواريخ كروز لتحقيق التكامل مع تايفون وميراج على خط المواجهة. وكانت هذه المبيعات الصاروخية مثيرة للجدل في الولايات المتحدة، وذلك بسبب الانتهاك المحتمل لنظام مراقبة تكنولوجيا القذائف.
إن نظام مراقبة تكنولوجيا القذائف عبارة عن مجموعة غير رسمية من أربعة وثلاثين دولة وافقت على اعتماد سياسات مراقبة الصادرات الوطنية التي تضم لائحة الرقابة على الصادرات المشتركة. وتنقسم المواد الخاضعة للرقابة إلى فئتين. ومن المتوقع أن يتم تطبيق قرينة قوية من منع تصدير الفئة الأولى، بمعنى آخر؛ تحتاج الحكومات أن تجعل هناك قضية قوية بشكل خاص للحصول عليها. وتشمل هذه القيود الصواريخ والقذائف والطائرات بدون طيار القادرة على الطيران لمسافة تزيد عن 300 كم مع حمولة وزنها 500 كجم. تشمل الفئة الثانية الصواريخ والقذائف والطائرات بدون طيار القادرة على الطيران لمسافة أقل من 300 كم مع حمولة وزنها أقل من 500 كيلوجرام. وتعكس هذه الحدود نية نظام مراقبة تكنولوجيا القذائف الأصلي لمنع انتشار نظم التوصيل النووية.
وأثارت صواريخ كروز الأمريكية المسلحة التقليدية (والتنمية الصينية للصواريخ الباليستية المسلحة التقليدية) اهتماما عالميا في شراء صواريخ تقليدية لتوجيه ضربات دقيقة. ويخلق هذا الطلب مشكلة سياسة واضحة: ولمكافحة قوة الصواريخ البالستية التي تتفوق بها إيران من حيث الكم، فإن دول الخليج لديها حافز للحصول على صواريخ كروز لتوجيه ضربات دقيقة ودفاع صاروخي لاعتراض الصواريخ في الجو. وهذه القدرات المتنامية لدى الخليج العربي، في المقابل ، تحفز بناء إيران للصواريخ لتتمكن من أن تملك اليد الطولى بجانب هزيمة الدفاعات الصاروخية، في الوقت الذي تسمح فيه طهران أيضا بتأكيد حاجتها إلى نظام صواريخ «إس – 300» المضاد للطائرات في روسيا.
هذه الديناميكية ليست جديدة بشكل خاص، وهذا السباق الصاروخي يعد انتقاما بين السنة والشيعة ويشبه العديد من مظاهر التنافس بين الولايات المتحدة والاتحاد السوفيتي خلال الحرب الباردة. وسوف يكشف ذلك عن عتبة نووية في منطقة الشرق الأوسط، في وقت فيه الحلفاء العرب حريصون على أن يتعاملوا على قدم المساواة مع الولايات المتحدة، وليس كشركاء صغار لم تتم استشارتهم بشأن القرارات الكبرى في الولايات المتحدة التي تؤثر على الأمن الإقليمي. هذا الموقف يعني أنه في المستقبل سيكون من الصعب على الولايات المتحدة تبرير الاكتتاب في تطوير نظام الدفاع الصاروخي لإسرائيل، دون تقديم برنامج مماثل لحلفائها.
دولة الإمارات العربية المتحدة على وجه الخصوص حريصة على تعميق قاعدتها الصناعية، بدلا من عمليات الشراء الجاهزة للأنظمة من الموردين في الولايات المتحدة. النقاش بشأن الطائرات بدون طيار هي خير مثال على ذلك. ولأسباب تتعلق بنظام مراقبة تكنولوجيا القذائف ذات الصلة، قاومت الولايات المتحدة تصدير بعض الأنواع من الأسلحة إلى دول الخليج العربية. السبب الرئيسي هو أن مثل هذه الأسلحة يتم تصنيفها كنظام تصنيف أولي بموجب نظام مراقبة تكنولوجيا القذائف. ولمعالجة كل من المصالح الجيوسياسية والاقتصادية، فقد اعتمدت الولايات المتحدة مؤخرا سياسة كل حالة على حدة لصادرات الطائرات بدون طيار، ويبدو من المرجح أن تسمح ببيع بعض منها لدولة الإمارات العربية المتحدة.
التداخل بين التكنولوجيات اللازمة لتصنيع وتحليق طائرات بدون طيار يشبه تلك اللازمة لتوجيه صواريخ كروز. إن التكنولوجيا المنتشرة يمكنها بالتالي بشكل غير مباشر أن تتيح مزيدا من تطوير صواريخ كروز التي تحلق بشكل يتجاوز حدود نظام مراقبة تكنولوجيا القذائف، ومن المحتمل أن يضعف نظام مراقبة تكنولوجيا القذائف ويفتح مجالا لدول أخرى لتبرير بيع أو تطوير مشترك لصاروخ كروز مع إيران. وتعمل روسيا، على سبيل المثال، حاليا على تصميم صاروخ كروز بنظام مراقبة تكنولوجيا القذائف محل الجدل مع الهند، وحصلت إيران على صواريخ كروز من الصين وأوكرانيا.
هذه المشاكل السياسة ليس لها إجابات سهلة. وفي هذه الأثناء، فإن الولايات المتحدة لديها مصلحة في تصدير نظام مراقبة تكنولوجيا القذائف متوافق مع فئة الأنظمة الثانية لأقرب حلفائها في الشرق الأوسط. وتقوم الولايات المتحدة بالفعل بتسيير طائرات بدون طيار من ثلاثة على الأقل من القواعد الجوية في منطقة الخليج، مع وجود طواقم أمريكية تعمل على مقربة من نظرائهم العرب في كل حالة. تحقيق مزيد من تكامل الولايات المتحدة والجيوش العربية قد يساعد على طمأنة الخليج بالقلق حول نية الولايات المتحدة مواجهة إيران والمساعدة في الدفاع العربي. يجب على الولايات المتحدة أن تنظر أيضا إلى الدخول في ترتيبات إنتاج مشتركة مع الدول العربية لأنظمة التصنيف الثاني، ولكن مع ترتيب يجعل من الوصول إلى تكنولوجيا التوجيه محدودة، أو موضوعة في «صندوق أسود»”. يمكن أن تساعد هذه السياسة على حماية مكافحة مشكلة الانتشار، مع الأخذ بعين الاعتبار المطالب العربية للمساعدة في تطوير الصناعة المحلية.
ولا ينبغي لهذا التعاون أن يقوض نظام مراقبة تكنولوجيا القذائف. فكل من الولايات المتحدة ودول الخليج لديها حافز للتأكد من أن قرينة قوية لرفض تصدير أنظمة الفئة الأولى ما زال ساريا ويتم اتباعه على نطاق واسع. وخارج كوريا الشمالية، فإن مصدري الصواريخ في العالم إما أعضاء في نظام مراقبة تكنولوجيا القذائف أو أنهم اعتمدوا تشريعات وطنية تعكس حدود مشتركة للرقابة على الصادرات. نظام مراقبة تكنولوجيا القذائف بمثابة أداة حاسمة لمنع الانتشار لمنع حصول إيران على صواريخ كاملة وتكنولوجيا مرتبطة بها، حتى بعد انقضاء الصواريخ ذات الصلة بالعقوبات في ثماني سنوات.
«معايير خطة العمل المشتركة الشاملة» هي اتفاق مهم مع آليات تفتيش قوية، تعطي للولايات المتحدة مجموعة قوية من الأدوات لضمان أن المراقبين يمكنهم بسهولة اكتشاف أي تحويل للمواد النووية لاستخدامها في الأغراض غير السلمية في إيران. ومع ذلك، فإن الاتفاق مجرد أداة من جملة أدوات تعتمد عليها الولايات المتحدة لمنع انتشار الأسلحة النووية. وفي السنوات المقبلة، يجب على الولايات المتحدة السير على خط رفيع: القرينة القوية لرفض التصدير يجب أن تبقى في مكانها ، ولكن ديناميكيات الأمن الإقليمي تتطلب مزيدا من التعاون على تطوير الصواريخ. ويجب على الولايات المتحدة الاستمرار في إدارة هذه الأولويات المتضاربة وضمان أن لديها سياسة طويلة الأجل لمعالجة انتشار الصواريخ في منطقة الشرق الأوسط.
موقع الخليج الجديد