يبدو أن الجدل لا يزال مستمراً في الأوساط العراقية حول إمكانية عودة الحراك السياسي في البلاد إلى مرحلة التوافق الأميركي – الإيراني في تشكيل الحكومة المقبلة، لكن مسارات عدة تعترض طريق إمكانية تحقيق ذلك، أبرزها المطالبات المستمرة للقوى السياسية والأذرع المسلحة الموالية لإيران بضرورة إخراج القوات الأميركية من البلاد.
وتدعم معظم التيارات السياسية الشيعية خيار إخراج القوات الأجنبية من البلاد، على رأسها تحالف “الفتح” بزعامة هادي العامري، إضافة إلى تحالف “سائرون” المدعوم من زعيم التيار الصدري مقتدى الصدر، إلا أن اعتراضات القوى السياسية السنية والكردية عقّدت هذا المشهد، ولوَّحت قوى سياسية سنية بأنها ستدعم خيار تشكيل إقليم سني في حال الشروع بإخراج تلك القوات، في وقت هناك دلائل إلى أن إقليم كردستان لن يلتزم بهذا القرار.
ولعل ملف إخراج القوات الأميركية هو الأبرز في سياق التسويات المحتملة بين طهران وواشنطن في العراق، ففي حين يرى مراقبون أنه ملف يستخدم لغايات دعائية وللحصول على مكاسب، يشير آخرون إلى احتمال أن يكون التنازل عن هذا المطلب بداية لصناعة التوافق من جديد.
في غضون ذلك، قال قائد القيادة المركزية الأميركية كينيث ماكينزي، إن “الولايات المتحدة بصدد إرسال أنظمة دفاع جوي إلى العراق لحماية الجنود الأميركيين في حال تعرضهم لأي هجوم إيراني”. أضاف في جلسة للجنة القوات المسلحة في مجلس النواب الأميركي، “لدينا إجراءات ملائمة لحماية قواتنا في منطقة الشرق الأوسط، كما نجري حالياً إجراءات لنقل أنظمة دفع جوي إلى العراق، إضافة إلى أنظمة ردع صاروخية لحماية أنفسنا ضد أي هجوم إيراني محتمل”.
وكانت وزارة الدفاع الأميركية قالت في وقت سابق، إنها تسعى للحصول على إذن من العراق لنقل أنظمة دفاع صاروخي من طراز “باتريوت” إلى هناك، لتعزيز وسائل الدفاع عن القوات الأميركية بعد القصف الإيراني على قواعدها في العراق.
شروط على الحكومة المقبلة
وكان تحالف “الفتح” شدد في وقت سابق على ضرورة أن يكون المرشح لمنصب رئيس الوزراء المقبل ملتزماً بقرار إخراج القوات الأميركية من البلاد. وقال النائب عن التحالف وليد السهلاني، “العراق يحتاج لمدة من الزمن للتخلص من كل التأثيرات الإقليمية والدولية عليه”، مضيفاً “أصبح واضحاً لدى كل القوى السياسية أن العراق يجب أن يكون سيد نفسه”، وقال لـ “اندبندنت عربية”، “التحرك الإقليمي والدولي في العراق يحتم على القوى السياسية الاتفاق على نقاط أساسية أبرزها مصلحة الشعب العراقي ووحدة البلاد”.
وفي إطار الحديث عن مطلب التمسك بوجوب التزام رئيس الحكومة المقبلة بقرار البرلمان القاضي بإخراج القوات الأجنبية، بيَّن السهلاني أن “قرار البرلمان جاء مسانداً لقرار الحكومة ولم يكن مستقلاً عن السلطة التنفيذية، كون مجيء القوات الأجنبية وتحديداً الأميركية جرى بناء على طلب الحكومة السابقة”، لافتاً إلى أن “عبد المهدي ارتأى دعم قراره نيابياً كونه رئيس وزراء تصريف أعمال”. وأشار إلى أن “كتلة “الفتح” تطالب بحكومة وطنية، والشروط المفروضة على الحكومة المقبلة هي المعايير العامة وامتلاك القرار الوطني”، وتابع أن “المصلحة الوطنية تتطلب اتخاذ قرارات من شأنها الحفاظ على وحدة العراق ووحدة شعبه والحفاظ على مصالحنا مع جميع القوى الدولية والإقليمية على أساس احترام سيادة العراق”.
عوامل دافعة للتسوية
من جانبه، رأى الباحث في الشأن السياسي فلاح الذهبي أن “وضع إيران صعب في المرحلة الحالية، وخياراتها قليلة بسبب أزمتها الاقتصادية وانخفاض أسعار النفط، فضلاً عن الإشكالات الاقتصادية والسياسية في العراق وعجز الموازنة العالي الذي سينعكس على أذرعها المسلحة ويضعف مصادر تمويلها”، مبيناً أن “كل هذه العوامل جعلت واحدة من خيارات إيران هي التفاوض مع أميركا والعودة للتوافقات في صياغة المشهد السياسي العراقي”. وأوضح لـ “اندبندنت عربية”، أن “منح تسهيلات لإيران على مستوى الاقتصاد قد يؤدي إلى التنازل عن حدة موقفها إزاء أميركا في العراق”.
ولفت إلى أن “إيران شعرت بالقوة والزهو عندما رشحت عبد المهدي لرئاسة الوزراء بعد انتخابات عام 2018، لكن نتائج هذا كانت عكسية في العراق، حيث شتمت الرموز الإيرانية وتوسعت المطالبة بإنهاء نفوذها في البلاد”. وكشف عن أن “الخيار المطروح وراء الكواليس هو إعادة إنتاج حكومة عبد المهدي”، لافتاً إلى أنه “من بين المرشحين المطروحين لمنصب رئيس الوزراء المقبل، مصطفى الكاظمي، هو الوحيد المرضي عنه أميركياً وإيرانياً”.
وعن احتمال نشر منظومة الردع الصاروخي، رجّح الذهبي أن “تستند أميركا إلى موافقة الحكومة السابقة بقرار نشر منظومة الردع، لأن الحكومة الحالية لا تستطيع إعطاء مثل صلاحية كهذه كونها حكومة تصريف أعمال”.
تراخي القبضة الإيرانية
في المقابل، استبعد الكاتب والإعلامي مشرق عباس “إمكانية عودة التسويات الأميركية – الإيرانية في العراق”، مبيناً أن “هناك نوعاً من المشاركة العراقية في صناعة القرار هذه المرة”، وأوضح لـ “اندبندنت عربية”، أن “السبب الأساس في فشل تشكيل الحكومة، هو وصول العراق إلى مرحلة مع تراخي القبضة الإيرانية بسبب الحصار وأزمة فيروس كورونا”، وتابع أن “إيران ليست بمعرض الدخول بصراع كبير في العراق الآن، فهي غير مؤهلة وظروفها لا تسمح”.
وفي إطار الحديث عن حوارات تشكيل الحكومة المقبلة، أشار عباس إلى أن “إيران تدعم عودة عادل عبد المهدي لأنها غير قادرة على تمرير غيره أو إقناع القوى الموالية لها بشخصيات بديلة”، مبيناً أن “هذا دليل إضافي على أن قدرة إيران في التحكم على وكلائها بدأت بالضعف”، ولفت إلى أن “الجماعات الموالية لإيران غير معنية بقضية إخراج القوات الأميركية، بل تستخدمه لأغراض إعلامية ومحاولة الحصول على مكاسب”، وتابع أن “من مصلحة إيران الاستراتيجية بقاء تلك القوات، إذ إنها تحقق كل أهدافها الاقتصادية والسياسية من العراق بوجود هذه القوات”، مبيناً أن “وجود هذه القوات الأميركية هو الذي يبرر وجود وكلائها أيضاً في المنطقة”.
إخراج القوات الأميركية ملف ثانوي
في السياق ذاته، قال الباحث والأكاديمي عقيل عباس، إن “إمكانية إعادة التوافق الإيراني – الأميركي في العراق على نحو يعيد تشكيل العلاقة بين البلدين ورفع العقوبات الاقتصادية على طهران مستحيل في الوقت الراهن”. وأضاف لـ “اندبندنت عربية”، “سياسة العقوبات على إيران خيار استراتيجي أميركي لن يتم التخلي عنه من أجل ترتيبات داخل العراق”، وأشار إلى أنه “بالإمكان أن يكون التوافق بينهما على رئيس الوزراء المقبل وبعض الخطوات السياسية”، مبيناً أن “هذا التوافق لا يحصل عبر تفاوض بين الطرفين، بل بشكل تلقائي كما حصل مع محمد توفيق علاوي من عدم ممانعة من جانب الطرفين”.
ولفت إلى أن “الوصول إلى مواقف مشتركة بين واشنطن وطهران تاريخياً لم يؤد إلى إزالة التوتر بينهما ولا إلى أي تقارب، وحصول مثل هكذا اتفاق ضمني بشأن العراق لن يغير شيء من حقيقة المواجهة بين الطرفين”، وتابع أن “إخراج القوات الأجنبية من العراق أصبح ملفاً ثانوياً بشكل مؤقت، بسبب أزمة “كورونا”، أما عراقياً فبات الملف الأساسي فهو حسم رئاسة الوزراء”.
ورجح أن “تعمل القوى المؤثرة شيعياً على جلب رئيس وزراء جديد بصفات أكثر قرباً لها من محمد توفيق علاوي، ويتم الاشتراط عليه بخصوص سحب القوات”، لافتاً إلى أن “تواصل انخفاض أسعار النفط سيشغل العراق بملف جديد قاسٍ يجعل الدخول بمواجهات سياسية مع أميركا أمراً مستبعداً”. وختم أن “هناك ما يشبه الشلل السياسي في العراق، بانتظار أن تقدم القوى الشيعية مرشحاً لرئاسة الوزراء لأن هناك ملفات كثيرة تتطلب وجود حكومة كاملة الصلاحيات”.
أحمد السهيل
اندبندت عربي