“فتاوى كورونا” عقيدة رجال الدين لاستغفال العامة

“فتاوى كورونا” عقيدة رجال الدين لاستغفال العامة

دخل رجال دين مسلمون من السنة والشيعة على خط كورونا، وأصدروا مواقف تبدو أقرب إلى الكاريكاتير، بما تتضمنه من غياب للعقل وانفلات تام للوعي الصحي والاجتماعي، وتلاعب بمصائر الناس بزعم أن الفايروس لا يصيب المؤمنين، وأن المسلم محصّن من تلك الأوبئة، وحتى إذا أصابه المرض فعليه ألا يستعمل العلاج إذا كان مخترعه أميركيا أو إسرائيليا.

تونس – أدى العناد الإسلاموي إلى ارتفاع أعداد ضحايا فايروس كورونا في إيران، حيث ساهم رجال الدين في إقناع جموع البسطاء والسذج بأن الفايروس لا يقترب من المزارات المقدسة، حتى أن المركز الإعلامي للسلطة القضائية الإيرانية كان قد أعلن عن اعتقال شخص لعق “ضريح الإمام الثامن لدى الشيعة وهو الإمام الرضا”، في مدينة مشهد، قائلا إنه يلعق ضريح الإمام الرضا كي ينتقل إليه فايروس كورونا، في تنديد منه بالدعوات إلى إغلاق المراقد والأضرحة.

وكان عدد من رجال الدين الإيرانيين قد قضوا بسبب المرض، أبرزهم محسن حبيبي المشرف على حوزة المرجع الراحل أحمد مجتهدي الطهراني، الذي توفي في الخامس من مارس الجاري، وقالت وسائل الإعلام الإيرانية إنه تم نقل حبيبي، عضو المجلس الأعلى للحوزات الدينية في طهران، إلى مستشفى جماران، وهو مستشفى عسكري فيه جناح مخصص لكبار المسؤولين الإيرانيين، قبل الإعلان عن وفاته.

وزعم رجل الدين الشيعي العراقي الشيخ قاسم الطائي أن “التعليمات الوقائية من الفايروس بحظر التجمعات في الأماكن العامة والخاصة ومنها تجمعات مواطن المنكر من الملاهي والمساج والكوفي شوب ومحلات الخمور وساحات الفجور، هي نهي عن المنكر قهري بعد أن عجزت وسائل النهي الاختياري للدولة ولرجال الدين وأهل الإصلاح، ولله في خلقه شؤون”.

وادعى الطائي “إن الوقاية وإن كانت مطلوبة في ظل انتشار هذا الفايروس المميت وهي اتباع لسنة الله في كونه من الأسباب والمسببات، إلا أن الغفلة عن الجانب الغيبي والالتجاء إلى الله والتضرع إليه والاستغفار في الأماكن المقدسة له الأولوية على توخي الحذر من هذه التجمعات”، مستشهدا بآيات قرآنية للتأكيد على أن الإصابة بالفايروس هي عذاب إلاهي لا يستهدف المستغفرين، وأن من يدخل بيوت العبادة ويحتمي بها لا يصاب بذلك الفايروس، ومن لا يعترف بذلك هو شخص ضعيف العقيدة.

وأضاف “مع دوران الأمر بين الالتجاء للأسباب والالتجاء إلى مسبب الأسباب، فالالتجاء إليه هو الأولى والأجدر، ومن يقدم السبب الطبيعي عليه أن يراجع إيمانه بالله فإنه متذبذب وغير مستقر في قلبه”، ناصحا “المسلمين والمؤمنين بالالتجاء إلى الله والقيام بشعائر دينهم من صلوات الجمعة والجماعة وزيارة مراقد أئمة الهدى لأنهم محال رحمة الله، والرحمة لا تجتمع مع الأذى والضرر بالفايروس، وأن يكون إقبالهم على الزيارة والصلوات بقلوب حاضرة ونفوس متوهجة لا تشغلها أمور الدنيا كي لا يحرموا من بركاتها وإفاضاتها الرحمانية الربانية، وأنا أعتقد بأن الفايروس لا يصيب المؤمنين المخلصين في إيمانهم بل لعله لا يصيب المسلمين الملتزمين بأحكام الشريعة، والفايروس نوع عقاب للبشر على ما كسبت أيديهم”.

وكان العراق قد سجل أول إصابة بفايروس كورونا في 24 فبراير الماضي، وقال مدير عام دائرة صحة النجف، رضوان الكندي، في بيان إن نتائج الفحوص المخبرية التي أجريت اليوم أظهرت إصابة أحد طلبة العلوم الدينية، الذي يحمل الجنسية الإيرانية. وأوضح أن الطالب الإيراني دخل إلى العراق قبل قرار خلية الأزمة الوزارية حظر دخول المواطنين الإيرانيين إلى أراضيه، خشية وصول الفايروس القاتل.
كما شهدت دول خليجية عدة نقل الفايروس إليها من إيران، وقامت المملكة العربية السعودية بعزل محافظة القطيف ذات الأغلبية الشيعية بسبب انتشار المرض عن طريق عائدين من إيران تبين أن سلطات طهران كانت تستقبلهم دون الختم على جوازاتهم، وهو ما نددت به سلطات الرياض.

وأدان مجلس الوزراء السعودي سلوك إيران غير المسؤول لتسهيلها إدخال مواطنين سعوديين إلى أراضيها، دون وضع ختم على جوازاتهم، في وقت تنتشر فيه الإصابة بفايروس كورونا الجديد؛ مما يشكل خطرا صحيا يهدد السلامة، ويقوض الجهود الدولية لمكافحة الفايروس، وتتحمل إيران بموجبه المسؤولية المباشرة وما يسببه ذلك من تفشي الإصابة بالفايروس.

وفي الأثناء، واصل رجال الدين إصدار فتاواهم المناقضة للعلم والمرتبطة بالهوس الديني، حيث انتقد رجل الدين الشيعي العراقي الشيخ علي السماوي الدعوة للانقطاع عن حضور التجمعات الدينية وزيارة المراقد والمزارات، متسائلا “هل سنترك مجالس الحسين، دعاء الندبة، وصلاة الجمعة، هل أجرؤ على عدم تقبيل شباك الإمام بداعي وجود مكروب؟“، وأضاف “لا يرجف قلبي من هذا المرض ولا غيره، وائتوني بمريض لأقبله في فمه، إن كان يحب الحسين، ولا أتخوف من نقل العدوى.. لم يتبق لنا إلا التمسك بطريق الحسين، وهم يريدون منا ترك ذلك“.

وبينما يواجه العالم خطر مرض قالت منظمة الصحة العالمية إنه انتقل إلى مستوى الوباء، أعلن الزعيم الشيعي مقتدى الصدر أنه غير مستعد لاستعمال دواء لفايروس كورونا يأتي من الولايات المتحدة، وذلك ردا على إعلان الرئيس دونالد ترامب بأنه سيلتقي بأكبر شركات الأدوية لبحث تطوير لقاح مضاد للفايروس المستجد بشكل عاجل، وتأكيد نائبه مايك بنس أن بلاده ستختبر لقاحا للفايروس خلال أسابيع.

وقال الصدر في تغريدة أثارت الكثير من الجدل “استوقفني قول ترامب أنه يقوم بعمل عظيم ضد فايروس كورونا والوضع كان سيصبح أسوأ لولا تدخله”، وأضاف “يا ترامب.. أنت وأمثالك متهمون بنشر هذا المرض ولاسيما وأن أغلب من يعاني منه هم معارضون لأميركا”.

وتابع الصدر أنه لا يريد أي دواء من ترامب “لأنه ملحد”، مشيرا إلى أنه وأنصاره يلجؤون لله في العلاج من الأمراض.

والمرجع الديني الإيراني ناصر مكارم شيرازي، أصدر فتوى استخدام دواء محتمل قد تطوره إسرائيل لشفاء المصابين بفايروس كورونا المستجد، قائلا إن ذلك يجوز بشرط واحد هو ألا يكون هناك بديل عن هذا العلاج.

وقال شيرازي ردا على سؤال من صحيفة “همدلي” اليومية الإيرانية حول إمكانية شراء هذا الدواء إذا تمكنت إسرائيل من تطويره “ذلك لا يجوز إلا في حال كان فريدا من نوعه وليس له بديل”.

لكن شيرازي يعتقد أن هناك علاجا أفضل أوصى به الناس في وقت سابق هو “الإكثار من قراءة دعاء زيارة عاشوراء وحديث الكساء” للوقاية من كورونا.

كما رفض محمد سعيدي، إمام الجمعة في مدينة قم ومتولي إدارة “مزار معصومة” شقيقة علي بن موسى المُلقب بـ”الرضا” وهو الإمام الثامن لدى الشيعة، إغلاق الضريح أمام الزوار لتلافي نقل العدوى، متهما الرئيس الأميركي دونالد ترامب بأنه “يريد توجيه ضربة لثقافة قم وسمعتها باستخدام ذريعة انتشار فايروس كورونا”.

وقال سعيدي في إطار تعليقاته ضد فرض الحجر الصحي على المرقد “لا أحد يسمح للعدو بتصوير قم على أنها مدينة غير آمنة، هزيمة قم هي حلم ترامب الخائن ومرتزقته المحليين، لكن هذا الحلم لن يتحقق حتى في قبورهم”، مردفا في إشارة إلى ترامب “والآن أصبح واضحا أن هذا الرجل الخبيث والقذر والشيطاني استهدف قم كونها حرم آل محمد ومهد الثورة الإسلامية وملاذ شيعة العالم وموطن أولئك الشجعان والأبطال والمخلصين للمرشد الأعلى. ترامب يريد أن يجعل من فايروس كورونا ذريعة لضرب مكانة قم الثقافية”.

ولم يكتف رجال الدين بالحديث عن المرض وبالدعوة إلى الالتزام بالدعاء والتضرع وزيارة العتبات والمراقد للقضاء عليه، وإنما منهم من وصف العلاج، كالشيخ عباس تبريزيان الذي يصفه أنصاره بأستاذ الطب الإسلام في إيران، الذي قدم وصفة للقضاء على فايروس كورونا “بوضع كرة قطنية مدهونة بزيت البنفسج على فتحة شرج الإنسان قبل الخلود إلى النوم”، مشيرا إلى أنّ هذه الوصفة منقولة من السلف وكتب الطب والأحاديث لدى رجال الدين الشيعة.

وجاءت هذه الوصفة بعد أن سبق لتبريزيان أن قدم وصفة أخرى يبدو أنها لم تثبت نجاعتها، وهي استعمال خلطة حبّة البركة والعسل لعلاج كورونا، التي قال إنها منسوبة إلى الإمامين موسى الكاظم وعلي الرضا.

وفي الأردن، استغل الشيخ أحمد الشحروري انتشار الوباء، من أجل مهاجمة اليهود الذين قال إنهم “أخطر من فايروس كورونا ومن الإيدز والكوليرا”. وقال إن “الجهاد يطهر الأجساد والأرواح ويمكنه إنقاذ الناس من هذه الأمراض”.

وزعم رجل الدين العراقي حازم الأعرجي أن “العلماء يوصون بزيارة الإمام الكاظم عند المرض، وأن قبر موسى بن جعفر ترياق، هو مكان مجرب ودواء مجرب، وهو طبيب بغداد”، مؤكدا “أنه الأمان لأهل بغداد وبالتالي المرضى”.

لا حديث في العالم إلا عن كورونا، الفايروس المستجد من الأسرة الكورونية «التاجية» المعروفة، ولا نقاش أيضا إلا عن الوباء الذي انتشر في دول عدة وأطاح بالفرضيات الغيبية لمن زعموا عند ظهور المرض في الصين أنه عقاب إلاهي للتنين الأصفر العملاق بسبب ما يعتبرونه اضطهادا للمسلمين هناك، وهم بالطبع يقصدون الإيغور أو أتراك الصين في إقليم شينجيانغ الذين لا يزال البعض منهم يقاتل في شمال سوريا تحت لواء أردوغان، وتم الدفع بهم منذ سنوات للتحرك بهدف الانفصال، ضمن مشروع استعادة الخلافة الذي تم إطلاقه على ألا ينتهي.

العرب