مع تفشي فيروس كورونا الذي بات يهدد دول العالم، اختفت عن الأضواء التوترات الأميركية الإيرانية، في ظل انشغال العالم بمحاربة الفيروس، لكن يبدو أن جولة التصعيد الجديدة بين البلدين تقترب بشأن حظر بيع الأسلحة لإيران.
ففي أكتوبر (تشرين الأول) المقبل 2020 تنتهي القيود المفروضة على إيران بموجب القرار 2231، الذي يتضمن إلغاء قيد حظر بيع الأسلحة لإيران، إذ كان جزءاً من جهود المجتمع الدولي للضغط على إيران للتفاوض بشأن برنامجها النووي، أن أصدر مجلس الأمن الدولي عديداً من القرارات التي فرضت حظراً على بيع الأسلحة لها، ومنها القرارات 1747 و1803 و1929.
لكن، على ما يبدو أن رفع هذا القيد ينتظره وتستعد له عدة أطراف، من بينهم إيران والولايات المتحدة، الاستعداد لقرب هذا الموعد سيشهد عودة لإحدى حلقات مسلسل التصعيد بين البلدين.
ففي سبتمبر (أيلول) الماضي، قال الرئيس حسن روحاني إن إيران ستستعيد القدرة على الوصول إلى سوق السلاح الدولية في وقت لاحق العام المقبل إذا التزمت الاتفاق النووي الذي أبرمته في عام 2015 مع القوى العالمية، وإن هذا سيكون نجاحاً سياسياً هائلاً.
وفي نهاية فبراير (شباط) الماضي، قال وزير الخارجية مايك بومبيو للكونغرس إن الولايات المتحدة ستناشد المجتمع الدولي تمديد حظر الأسلحة الذي تفرضه الأمم المتحدة على إيران، الذي من المقرر أن ينتهي في أكتوبر (تشرين الأول) بموجب شروط الاتفاق النووي لعام 2015.
وفي أثناء المفاوضات لإتمام خطة العمل الشاملة المشتركة طلبت إيران ضرورة رفع حظر الأسلحة فور تنفيذ الاتفاق النووي، ودعمت روسيا والصين هذا الطلب، لكن الولايات المتحدة ضغطت من أجل الاحتفاظ بهذه العقوبة، لكن تفاوضت على التمديد مدة خمس سنوات، وهو ما ينعكس في الفقرة 5 من الملحق ب من قرار مجلس الأمن 2231.
الرهان الأميركي على الأوروبيين، للاستعداد لمحاولة إيران تعزيز قدراتها العسكرية بالاعتماد على مشتريات الأسلحة الصينية والروسية بعد رفع حظر بيع الأسلحة لها، وهو ما أشارت إليه بعض التقارير من مشاورات جرت بين الروس والإيرانيين في أثناء مؤتمر موسكو للأمن في أبريل (نيسان) 2019 بشأن الاتفاق حول صفقات الأسلحة، وإعلان إيران العام الماضي أن الصين وروسيا اقترحتا بيع طائرات مقاتلة ثقيلة متعددة الأغراض مثل Su-35من موسكو وطائرات مقاتلة من بكين، عندما ينتهي حظر الأسلحة في أكتوبر (تشرين الأول)، حيث تحتاج إيران إلى تحديث أسطولها الجوي المتقادم لتعزيز استعدادها القتالي المضاد للطائرات.
يراهن الأميركيون أيضاً على إقناع الروس والصينيين بعدم استخدام حق النقض ضد قرار لمجلس الأمن الدولي بتمديد الحظر وفقاً لبومبيو.
من المحتمل أن يواجه الولايات المتحدة عدة معضلات، منها أن الولايات المتحدة انسحبت من الاتفاق النووي، ومن ثمّ لا تستطيع تفعيل آلية سناب باك الخاصة بتمديد بعض العقوبات المفروضة من قبل مجلس الأمن، الأمر الآخر هو أن الفيتو الروسي والصيني ينتظر أي قرار أميركي بشأن إيران في مجلس الأمن، والموقف الروسي لا يوحي بأنه سيستجيب للرغبة الأميركية في هذا الشأن فقد صدر بيان عن الخارجية الروسية في 3 مارس (آذار) أشار إلى أنه “لقد قيل في الكونغرس أن الولايات المتحدة ستحاول إقناع روسيا والصين بعدم استخدام حق النقض ضد مشروع قرار مجلس الأمن الدولي بشأن تمديد حظر الأسلحة على إيران. لكن لا فائدة من إثارة هذه المسألة في مجلس الأمن”.
إلى جانب الموقف الروسي هذا من غير المتوقع أن توافق الترويكا الأوروبية على إحالة الأمر إلى مجلس الأمن. في الوقت ذاته، فإنّ روسيا تستفيد من الوضع الراهن، ويمكنها التعامل معه، حيث يعمل الروس على اللعب على تناقضات مواقف الأطراف الدولية والإقليمية، حيث يمكن لروسيا الاستفادة من السياسات غير المنسقة بين الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة تجاه إيران، كما يطرحون أنه بإمكانهم القيام بدور الوساطة وتطوير العلاقات مع السعودية والإمارات العربية المتحدة وإسرائيل.
فعلى الرغم من احتمالات روسيا بمعارضة الرغبة الأميركية تجاه مزيد من العقوبات على إيران، لا سيما الخاصة بمبيعات الأسلحة، إلى أنه أنها تعي الحدود التي تسمح لإيران بالتحرك فيها، فقد سبق وأعلن مستشار رئيس وزراء إسرائيل، في نوفمبر (تشرين الثاني) 2019، أن موسكو وافقت مرتين على الأقل على طلب إسرائيل بعدم بيع أسلحة متطورة لإيران ومطالبة بعدم تجاوز الخطوط الحمراء المحددة في ما يتعلق الأسلحة، وفي المقابل رفضت إسرائيل تزويد جورجيا بأنواع مختلفة من الأسلحة، كما طلبت روسيا.
لذا، ربما تلجأ واشنطن إلى محاولة إقناع الأوروبيين لفرض عقوبات على طهران إذا فشلت الولايات المتحدة في تمديد حظر الأسلحة، وهو ما يعد مستبعداً في ظل اهتمام الأوروبيين بإقناع إيران بالاستمرار في الاتفاق.
ربما يعد تمديد حظر الأسلحة المفروض على إيران بمثابة رد مهم سياسياً على الأنشطة الإيرانية في المنطقة، لكن في الواقع، يمكن لهذه الخطوة أن تقوض الأمن والاضطرابات. إن إعادة فرض عقوبات الأمم المتحدة سيؤدي إلى انهيار الاتفاق النووي الإيراني، لا سيما في ظل عدد من الخطوات التي تراجعت فيها إيران عن بعض التزاماتها في الاتفاق، ومن ثمّ فإعادة فرض أو تمديد عقوبات الأمم المتحدة ستعني انهيار الاتفاق.
من المهم الإشارة إلى أن تباين المواقف الدولية هو أحد العوامل المحفزة التعنت الإيراني، الذي يمنحها مساحة للمناورة أمام الضغوط الأميركية، لذا لا بد من تنسيق تلك المواقف بما يدفع إيران إلى الجلوس للتفاوض مرة ثانية من أجل اتفاق أشمل يتضمن بجانب الملف النووي الصواريخ الباليستية والسلوك الإقليمي، خصوصاً أن قضية رفع حظر بيع الأسلحة من القضايا المهمة التي كانت تستعد لها إيران كما سبق الإشارة، وذلك في ظل تقادم قدراتها التسليحية التقليدية نتيجة العقوبات الدولية عليها، التي منعتها من تطوير تلك القدرات التي انهارت في خلال الحرب مع العراق في الثمانينيات.
اندبندت عربي