تحولت الخلافات التي نشبت بين مجموعة “أوبك+” وروسيا خلال الأيام الماضية إلى صدمة قاسية تواجه سوق النفط، تعد الأسوأ منذ 12 عاماً وتحديداً حين حدثت الأزمة المالية العالمية في 2008.
وعُقد الاجتماع الذي كان مُتوقعاً أن يدعم أسعار النفط في أجواء صعبة وتوقعات صادمة مع تفشي فيروس كورونا وتحوله إلى وباء عالمي، ما يتسبب في خفض الطلب على الطاقة، وهو ما يعني بداية لخسائر فادحة وعنيفة تنتظر سوق النفط.
حيث ختمت أسعار النفط تعاملات أمس الجمعة، أسوأ أسبوع لها منذ الأزمة المالية العالمية في 2008، متأثرة بتفشي كورونا وجهود السعودية، أكبر مصدر للخام في العالم، وحلفائها لإغراق السوق بمستويات قياسية من المعروض، وتسبب المزيج النادر من صدمات العرض والطلب في انهيار سوق الخام مع تأهب المنتجين في أنحاء العالم لتخمة نفطية غير متوقعة خلال الأسابيع المقبلة.
وفي تصريحات أمس، قال مؤرخ الطاقة الأميركي، دانييل يرجين، إنها مشكلة حرب أسعار نفط في خضم سوق محاصرة”.
وفشلت دول “أوبك” والحلفاء من خارجها في التوصل إلى اتفاق بشأن تعميق خفض الإمدادات، ما تسبب في إعلان الرياض وموسكو خططاً لزيادة الطاقة الإنتاجية، ما يعني بدء حرب للأسعار.
وكانت “أوبك” قد خفضت توقعاتها لنمو الطلب العالمي على الخام في العام الحالي، في الوقت الذي ترى وكالة الطاقة الدولية أن الطلب لن ينمو نهائياً للمرة الأولى منذ الأزمة المالية العالمية.
ومنذ اندلاع الأزمة التي تسببت فيها روسيا بعدم موافقتها على تعميق خفض الإنتاج الذي أوصت به اجتماعات “أوبك+” خلال الأسبوع الماضي، بدأ كبار منتجي النفط بضخ المزيد من الخام في السوق في وقت يشهد انهيار الطلب، واستأجرت السعودية أكثر من 30 ناقلة خام عملاقة لتصدير النفط في الأسابيع المقبلة، مستهدفة على نحو خاص شركات التكرير الكبيرة التي تعالج النفط الروسي في أوروبا وآسيا، في تصعيد لمعركتها مع موسكو على حصص السوق.
وارتفعت الأسعار في معاملات أمس الجمعة، منتعشة بعد أن أعلنت الولايات المتحدة ودول أخرى عن خطط لدعم الاقتصادات الآخذة بالضعف، لكن خام “برنت” نزل 25 في المئة على مدار الأسبوع، في أكبر خسائره الأسبوعية منذ الأزمة المالية العالمية في 2008، وارتفع الخام بنحو 63 سنتاً ليتحدد سعر التسوية على 33.85 دولار للبرميل.
وبنهاية تعاملات أمس، ارتفع سعر العقود الآجلة لخام “برنت” القياسي تسليم شهر مايو (أيار) المقبل بنحو 3 في المئة ليصل إلى مستوى 34.23 دولار للبرميل.
وتراجعت العقود الآجلة للخام الأميركي غرب تكساس الوسيط بنحو 23 في المئة على مدار الأسبوع، وهي أكبر خسارة لها بالنسبة المئوية منذ 2008، فيما ارتفع غرب تكساس بنحو 23 سنتاً ليغلق على 31.73 دولار للبرميل، بعد أن صعد في وقت سابق إلى 33.87 دولار. وخلال نفس الفترة، زاد سعر العقود الآجلة للغاز الطبيعي تسليم أبريل (نيسان) المقبل بنحو 1.8 في المئة إلى 1.88 دولار لكل مليون وحدة حرارية بريطانية.
وقال فيل فلين، المحلل لدى “برايس فيوتشرز غروب” في شيكاغو، إن “هناك أملاً أن يجلب كل هذا التحفيز الاستقرار للاقتصاد ويخفف بعض بواعث القلق حيال ضعف الطلب، ويبقي على أجزاء من الاقتصاد قوية بما يكفي لدعم أسعار النفط”.
ترمب يوجه بتعزيز الاحتياطي الاستراتيجي من النفط
وفيما كشفت بيانات شركة “بيكر هيوز”، في تقريرها الأسبوعي، عن ارتفاع عدد منصات التنقيب عن النفط في الولايات المتحدة للأسبوع الثاني على التوالي، قال الرئيس الأميركي دونالد ترمب، إنه وجه وزارة الطاقة في بلاده إلى شراء النفط لتعزيز احتياطي الاستراتيجي من الخام في محاولة لدعم القطاع المتضرر وسط حرب الأسعار بين أوبك وحلفائها.
وقال ترمب في مؤتمر صحافي أمس الجمعة، إنه “بناءً على سعر النفط، أمرت وزير الطاقة بشراء كميات كبيرة من الخام بسعر جيد جداً للتخزين في الاحتياطي الاستراتيجي للولايات المتحدة، ونسعى للوصول إلى أقصى قدر ممكن للاحتياطي لمساعدة صناعة النفط لدينا وتعزيز هذا الهدف الرائع المتعلق باستقلالية أميركا من الطاقة”.
يأتي تحرك الإدارة الأميركية لشراء النفط بعد أسوأ أسبوع لخام منذ عام 2008 مع تباطؤ الطلب جراء كورونا وتطلع كبار المنتجين لزيادة الإمدادات، في وقت أظهرت بيانات “بيكر هيوز”، ارتفاع منصات التنقيب عن النفط في الولايات المتحدة بمقدار منصة واحدة خلال الأسبوع الذي انتهى أمس الجمعة، لتسجل نحو 683 منصة، بينما تراجع عدد منصات التنقيب عن الغاز الطبيعي بمقدار منصتين ليصل إلى 107 منصات.
فائض قياسي في أبريل المقبل
وفي تقرير حديث أمس، ذكرت شركة أبحاث “غولدمان ساكس ايكويتي ريسيرش” أن “إنتاج النفط الأميركي يفترض أنه الآن سينخفض بأكثر من مليون برميل يومياً من المستويات المرتفعة المسجلة في الربع الثاني من 2020 بحلول الربع الثالث من 2021”.
وعبرت الشركة في تقريرها، عن الاعتقاد بأن “الشركات التي تعلن عن تخفيضات في الإنفاق الرأسمالي تستعد بوجه عام لسعر نفط يتراوح بين 30 و35 دولاراً للبرميل لفصول كثيرة”، وفي الوقت الذي يؤثر الحظر على السفر وإلغاء مناسبات واضطرابات اقتصادية أخرى على طلب الخام، يخطط منتجون كبار للنفط لإضافة المزيد من البراميل إلى سوق متخمة بالإمدادات.
وذكرت الشركة أن “الزيادة في الإنتاج منخفض التكلفة أكبر بكثير من المتوقع فيما يبدو أن انهيار الطلب بسبب فيروس كورونا واسع على نحو متزايد”، وتوقعت أن تواجه السوق فائضاً قياسياً مرتفعاً من النفط بمقدار 6 ملايين برميل يومياً بحلول أبريل (نيسان) المقبل.
وذكرت أنه لا يبدو أن روسيا، ثاني أكبر منتج للنفط في العالم، ترغب في العودة إلى اتفاقها مع منظمة البلدان المصدرة للبترول (أوبك)، وهو ما يزيد من التوقعات السلبية لسوق النفط خلال الفترة المقبلة.
خالد المنشاوي
اندبندت عربي