إيران ما بعد كورونا.. تطبيع مع أدوات “الشيطان الأكبر”

إيران ما بعد كورونا.. تطبيع مع أدوات “الشيطان الأكبر”

طهران – تركت السلطات الإيرانية كل المحاذير والشعارات الرسمية وراءها وسارعت إلى طلب المساعدة من صندوق النقد الدولي في مواجهة كورونا في وقت يحتاج فيه الصندوق إلى ضوء أخضر من الولايات المتحدة للتصديق على مطلب القرض الإيراني، فضلا عن فرض شروط قاسية لإصلاح اقتصاد أنهكه الاستثمار في الحروب الهادفة إلى وقف نفوذ “الشيطان الأكبر” في المنطقة.

ويأتي التطبيع الإيراني مع أحد أقوى أدوات النفوذ الأميركي في العالم، مع تغيّر في خطاب أدوات طهران وأذرعها في المنطقة نحو الاكتفاء بتصعيد محسوب مع واشنطن في العراق ولبنان هو أقرب إلى تسجيل الموقف مثل استدعاء السفير السويسري كون بلاده راعية للمصالح الأميركية في إيران، وذلك للاحتجاج على تصريحات الرئيس الأميركي دونالد ترامب الذي حمّل إيران مسؤولية الهجوم الصاروخي على قوات التحالف في معسكر التاجي شمال بغداد.

وأعلن البنك المركزي الإيراني، في بيان على موقعه الإلكتروني، أن طهران طلبت من صندوق النقد الدولي تمويلا بخمسة مليارات دولار لتمويل جهودها في مكافحة فايروس كورونا.

ووفقا لوكالة “بلومبرغ” للأنباء فإن عبدالناصر همتي، رئيس البنك، كتب إلى صندوق النقد الدولي الأسبوع الماضي لطلب مساعدة من “أداة التمويل السريع” بالصندوق، التي أتاحت 50 مليار دولار للدول التي تكافح الفايروس.

وحث محافظ البنك المركزي الإيراني الصندوق على منح بلاده التسهيلات المالية التي تحتاجها.

وانضم أمين عام حزب الله اللبناني حسن نصرالله إلى خيار التطبيع مع صندوق النقد الدولي، وقد كان يصف الصندوق بأنه منصة للاستكبار العالمي. وقال، الجمعة، إن الحزب لا يعارض حصول لبنان على مساعدة أجنبية للخروج من أزمته المالية، حتى من صندوق النقد الدولي، ما دامت بلا شروط تضرّ بمصالحه الوطنية.

ويعتقد متابعون للشأن الإيراني أن هجوم فايروس كورونا كشف عن هشاشة النظام الصحي في إيران، ومن ورائها هشاشة النظام السياسي، الذي اكتفى طيلة أربعين عاما، بإنفاق عائدات النفط في الحروب دون أيّ تطوير للبنية الصحية في البلاد. كما أن اهتزاز صورة إيران سيكون له تأثير سلبي على صورة المجموعات الحليفة في المنطقة، التي قد تلجأ إلى التهدئة وعدم الاستفزاز كخيار مرحلي لتجنب الصدام مع قيادة أميركية متنمّرة.

وزاد من محنة هجوم كورونا تهاوي أسعار النفط بسبب الخلاف الروسي السعودي، ما يفقد إيران إحدى أوراقها الفعالة بالرغم من العقوبات الأميركية القاسية على قطاع النفط.

وبعد شهور على تكثيف ضغوطها على طهران، تراهن واشنطن على أن فايروس كورونا قد يحقق ما عجزت عنه العقوبات والضغوط المختلفة كونه اختبارا جديا قاسيا لقدرات النظام.

ويتساءل مقررو السياسات في الولايات المتحدة إن كانت الوفيات في صفوف رجال النظام واسعة النطاق لدرجة تكفي لإحداث تغييرات في صناعة القرارات، رغم أن هجوما صاروخيا وقع في العراق الأربعاء وحمّلت واشنطن طهران مسؤوليته أظهر على الأقل أن دائرة الصراع بين البلدين لم تنحسر.

وأصاب وباء “كوفيد – 19” عشرات الآلاف في أنحاء العالم وانتشر بين الطبقة الحاكمة في إيران بشكل غير معتاد، إذ أصيب أو توفي عدد من كبار السياسيين والمسؤولين بالمرض بينهم نائبة للرئيس ومستشار لوزير الخارجية ورجل دين نافذ.

وقال قائد القيادة المركزية للجيش الأميركي، والتي تشمل منطقة الشرق الأوسط، الجنرال كينيث ماكينزي إن الولايات المتحدة تعتقد أن التداعيات أسوأ بكثير من نحو 600 وفاة أعلن عنها رسميا في ثالث أعلى حصيلة عالميا بعد الصين وإيطاليا. وأشار إلى أن صانعي القرارات في الولايات المتحدة يقيّمون الآثار السياسية المترتبة على الوضع.

وقال ماكينزي للصحافيين الجمعة “على المدى القصير، سيجعل ذلك من صنع القرارات أمرا أصعب بكثير. الناس مفصولون” عن بعضهم البعض.

وقبل يوم، قال ماكينزي خلال جلسة استماع عقدها مجلس الشيوخ إن الأزمة الصحية التي تأتي بعد شهرين على الغضب الشعبي في إيران حيال حادث إسقاط الطائرة الأوكرانية عن طريق الخطأ، جعل القيادة في طهران “أكثر خطورة” إذ أنها ستسعى على الأرجح “لتوحيد صفوف شعبها في وجه هدف خارجي”.

وتابع “هناك أدلة ضئيلة في تاريخ الحروب على نظام يعاني من مشكلة داخلية تشلّه قرر التركيز على هذه المشكلة الداخلية”.

وسعى الرئيس الأميركي لإضعاف النظام في إيران عبر فرض عقوبات واسعة شملت قطاع تصدير النفط الذي يعد غاية في الأهمية بالنسبة إلى طهران.

وقبل نحو عامين، انسحب ترامب من الاتفاق النووي الذي تم التوصل إليه في عهد سلفه باراك أوباما وفرضت إيران بموجبه قيودا كبيرة على أنشطتها النووية مقابل وعود بتخفيف العقوبات الاقتصادية المفروضة عليها.

ورغم استثناء ترامب للسلع الإنسانية من العقوبات، يتجنّب العديد من الشركات التعامل تجاريا مع إيران خشية إثارة حفيظة واشنطن.

وقال أمير أفخمي، الأستاذ في جامعة جورج واشنطن والذي أجرى دراسات تتعلق بالمنظومة الصحية الإيرانية، إن “الأزمة الحالية في إيران في الحقيقة ناجمة عن أخطاء ارتكبتها الحكومة نفسها في سياساتها أكثر من كونها ثمرة العقوبات الأميركية”.

وأضاف “لكن العقوبات الأميركية ساهمت بكل تأكيد في تدهور وضع كان أصلا غاية في السوء”.

وتباهت إيران تاريخيا بامتلاكها نظاما صحيا عاما يعد بين الأقوى في المنطقة. وأشار أفخمي إلى تقارير إعلامية غير مؤكدة تحدثت عن نقل بعض المسؤولين إلى لبنان لتتم معالجتهم كمؤشر على الضغط الذي تعاني منه المستشفيات الإيرانية.

وبينما أمرت إيران مؤخرا بإغلاق البلاد بشكل كامل لإجراء اختبارات كورونا المستجد، قال أفخمي إن الخطوة جاءت متأخرة كثيرا.

وعرض ترامب مساعدة إيران، وأعربت وزارة الخارجية الأميركية عن هذه الرغبة رسميا عبر الوسطاء السويسريين، رغم أنه لا يزال غير واضح إن كانت واشنطن قدّمت عروضا ملموسة أو إن كانت طهران ستقبل بها.

ولعل الاختبار الأبرز سيكون معرفة إن كانت الولايات المتحدة ستمنع تلبية طلب إيران للحصول على قرض من صندوق النقد الدولي، هو الأول الذي تطلبه طهران منذ عهد الشاه.

وتشكك مديرة “مبادرة مستقبل إيران” في مؤسسة “المجلس الأطلسي” للأبحاث بربارا سلافين في مدى تأثير الوفيات الناجمة عن كورونا المستجد على القيادة الإيرانية.

وقالت “تعرّضت إيران لضغط استثنائي منذ فرضت الولايات المتحدة الحظر على النفط، ولضربة تلو الأخرى، لكن النظام لا يزال قائما”.

وأشارت إلى أن الاستثناء الأبرز سيكون في حال وصل الوباء العالمي بطريقة ما إلى المرشد الأعلى آية الله علي خامنئي البالغ من العمر 80 عاما والذي لطالما طرحت تساؤلات بشأن وضعه الصحي.

ووصف خامنئي “كوفيد – 19″، الوباء الناجم عن كورونا المستجد، بأنه سلاح بيولوجي، وهو اتهام كان موضع سخرية في واشنطن.

وفي وقت يتعرّض فيه ترامب لانتقادات في الولايات المتحدة على خلفية طريقة تعاطيه مع تفشي المرض، استهدفت صواريخ كاتيوشا السبت مجدداً قاعدة التاجي العسكرية العراقية، شمال بغداد، التي قتل فيها جنديان أميركيان وآخر بريطاني بهجوم مماثل الأربعاء.

وحمّلت الولايات المتحدة مجموعة شبه عسكرية مؤيدة لإيران مسؤولية هجوم الأربعاء وشنّت ضربات جوية انتقامية، في آخر حلقة من سلسلة نزاع شهد قتل الولايات المتحدة للجنرال الإيراني قاسم سليماني في يناير الماضي.

وقالت سلافين “أعتقد أن هذا النمط سيستمر، خصوصا لأن إدارة ترامب كغيرها من الحكومات الأخرى، منشغلة تماما” بمسألة الفايروس.

العرب