الحدث الأبرز في العراق، منذ أيام، التظاهرات في العاصمة وبعض المدن العراقية، كالحلة والديوانية والناصرية والبصرة، جرّاء المعاناة من انقطاع التيار الكهربائي في الصيف اللاهب، وقد اتسع نطاق التظاهرات، ويقال إنها أفزعت النظام الحاكم خوفاً من اتساع رقعتها، وتحولها من تظاهرات سلمية إلى ثورة عارمة. ويبدو أن أغلب المسؤولين العراقيين من السذاجة بمكان، بحيث ظهروا منقسمين إزاءها، وكان على المليشيات المدعومة من إيران اختراقها والهيمنة على شعاراتها، علما أن المرجعية الشيعية في النجف بقيت تدعم تلك التظاهرات من أجل تحقيق إصلاحات ما. أما رئيس الحكومة، حيدر العبادي، فيبدو عاجزاً عن اتخاذ أية إجراءات نوعية باتجاه تحقيق مطالب المتظاهرين، أو اتخاذ أية إجراءات قمعية باتجاه سحقهم، حتى طالب بعضهم بمشاركته في الحدث من أجل تمييعه. صحيح أن التظاهرات اتسعت، وأنها ستتسع يوماً بعد آخر، بدخول عناصر مليشيوية من أجل أن تنحرف الحالة عن هدفها الحقيقي، ولم يكن هدف المتظاهرين إلا الكهرباء، فلم ينادوا بـ” إسقاط النظام”، ولا بتغييرات مهمة.
يبدو هذا المشهد اليوم، ممثلا بالقوى الإسلاموية المليشياوية (في مقدمتها بدر والعصائب) التي شعرت بأنها مهددة، كونها أجنحة طائفية عميلة لإيران، لا تستمد سلطتها أبدا من الحكومة العراقية، وهي ممثلة بكل من هادي العامري وقيس الخزعلي ونوري المالكي وغيرهم، وقد قيل إنهم سيشاركون في التظاهرات، علماً أن المالكي، عندما كان رئيسا للوزراء، كان يمنع التظاهرات، ويضطهد المشاركين فيها بأساليب بوليسية مضحكة. بدت الصورة واضحة أن خطة هؤلاء تقضي بدخولهم برفقة عناصرهم، من أجل إجهاض المعارضين، ولقد انسحب عديدون من قادة التظاهرة المدنيين، احتجاجا على ما يحدث على الساحة لقتل الحراك الوطني وخطف التظاهرات، بل استخدام هذا “الحدث” معبراً للقضاء على سلطة العبادي، وحكومته الفاشلة، وربما يعود المالكي على أسنة حراب إيران من جديد، خصوصا وأن جماهيرهم من الدهماء أكبر بكثير من المدنيين والوطنيين والأحرار العراقيين، وكل من سيتواصل مشاركاً في التظاهرات.
تشير الدلائل إلى أن لحظة اشتعال الفتيل بين مرجعيتي النجف وقم الشيعيتين قريبة، خصوصا مع ضعف موقف المرشد في طهران، علي خامنئي، واعتلال صحة السيستاني، في الصراع من أجل الهيمنة على مرجعية النجف التي تدعم التظاهرات السلمية المدنية، ما يثير حفيظة المليشيات الإيرانية العاملة على الأرض العراقية، وتقدر إحدى المراقبات للموقف من داخل العراق عددها اليوم بـ43 مليشيا، وكلها تدعمها أطراف إيرانية مختلفة، علما أن هذه المليشيات لا تناغم بينها، ولا انسجام بين زعمائها، ولا وئام بين عناصرها، ذلك أن تشكيلاتها من المرتزقة، وقادتها من الطامحين إلى السلطة، والطامعين في حكم العراق. وعليه، هي مرآة صراعات تعكس حالات الاستقطاب في داخل إيران وصراعات مراكز القوى فيها.
تشير الدلائل إلى أن لحظة اشتعال الفتيل بين مرجعيتي النجف وقم الشيعيتين قريبة، خصوصا مع ضعف موقف المرشد في طهران، علي خامنئي، واعتلال صحة السيستاني، في الصراع من أجل الهيمنة على مرجعية النجف التي تدعم التظاهرات السلمية المدنية، ما يثير حفيظة المليشيات الإيرانية العاملة على الأرض العراقية، وتقدر إحدى المراقبات للموقف من داخل العراق عددها اليوم بـ43 مليشيا، وكلها تدعمها أطراف إيرانية مختلفة، علما أن هذه المليشيات لا تناغم بينها، ولا انسجام بين زعمائها، ولا وئام بين عناصرها، ذلك أن تشكيلاتها من المرتزقة، وقادتها من الطامحين إلى السلطة، والطامعين في حكم العراق. وعليه، هي مرآة صراعات تعكس حالات الاستقطاب في داخل إيران وصراعات مراكز القوى فيها.
ولا تلتفت المليشيات الشيعية في العراق لمرجعية السيستاني في النجف، بل تتنافس متسابقة في إظهار الولاء للجمهورية الإسلامية الإيرانية، وإذا كان السيستاني قد نادى بمشروع الحشد الشعبي للوقوف بوجه داعش وامتدادها، فقد سبقته إيران لجعل ولاءات عناصره لها، لا للسيستاني، وبدا واضحا أن قيادات الحشد الشعبي الموالية لإيران أخذت تتدخل في الشؤون الأمنية والسياسية، وكأن لا وجود لحكومة عراقية، ولا لأية مؤسسات عسكرية أو أمنية! نجح نوري المالكي في تحطيم السنة العراقيين، وسحق معنوياتهم وكسر إرادتهم مع قياداتهم الهزيلة متوجاً حكمه بسيطرة داعش على الموصل، معقل السنة في العراق، وكان يأمل أن يبقى في السلطة، ليكمل مشروعه الذي مزّق فيه العراق شر ممزق بين سنة وشيعة. إن القوى السياسية السنية اندحرت هيئتها وتفككت حياتها وازدادت تناقضاتها، مع صعود قيادات سنيّة غير نظيفة، ولا متعاونة، وسعى الجميع إلى المصالح والمنافع والمناصب، وأغلبهم من التافهين. كان أغلب القيادات السنية تتشكّل من مجموعة أنفار تتلاعب مع عصابات ومجرمين وحرامية وقطاع طرق وارهابيين وقتلة ، ولم يكن لها أي وزن سياسي إزاء الطرف الشيعي. ولم يعد لها تأثير على الساحة السياسية العراقية، ولقد أكملت داعش سحقهم وتهجيرهم، وقد مضى أكثر من سنة على سقوط الموصل بيد داعش، من دون أن يذكرها أحد اليوم، علما أن للكرد مشكلاتهم السياسية ونزاعاتهم المحلية، وهم منشغلون بها، كونها خطيرة، ولا يعرف، حتى الآن، مصيرهم ومستقبل المنطقة ومصير العراق كله، ويبدو أن العبادي يعيش في ورطة تاريخية، وغير قادر على مواجهة التحديات أبداً.
واليوم، تولّد طرف آخر أسوأ بكثير من المالكي، ممثل يالمليشيات التي تسعى، جاهدة، إلى تمزيق الشيعة العراقيين. وعليه، ثمة رؤية جديدة تقول إن “الحرب القادمة أهلية، شيعية شيعية، بإدارة أطراف إيرانية تتصارع فيما بينها على النفوذ”. وتخشى مرجعية النجف على نفوذها الذي تتهددّه إيران بشكل سافر وعلني ومفضوح، وإيران تمتلك القوة العسكرية، في حين تمتلك مرجعية النجف القوة المعنوية، بامتلاكها النفوذ الكبير على جماهير الشيعة في العالم، في حين ارتبط أغلب الشيعة العراقيين بالمليشيات المرتبطة بإيران.
يشارك في التظاهرات أغلب التيارات السياسية من ليبراليين ووفاقيين وشيوعيين وساسة وطنيين علمانيين وناس عاديين، وكانت أساليبهم إلى الآن سلمية، ولم ترفع سقف مطاليبها أمام الحكومة التي لم تتخذ بعد أية قرارات فاعلة، كونها عاجزة تماما عن النجاح. يقال إن اجتماع الرئاسات الثلاثة انعقد قبل يومين، وكان المالكي معارضاً للتظاهرات بشدة، وقال للعبادي بالحرف: “ذهب الحِلم وأزف الحزم”، وحرّضه على ضرب التظاهرات وقمعها، بل اتهم النازحين السنة بالتظاهرات في بابل، وهو اتهام غير واقعي، سخرت منه بقية الرئاسات. وإذا كان هذا موقف حزب الدعوة من التظاهرات، فقد عارضها أيضا همام حمودي، القيادي في المجلس الأعلى للثورة الإسلامية (من جماعة الحكيم). ولكن، لأسباب مختلفة! والبادي أن الحدث سيهيئ الجو لتصفية الحسابات، علنا هذه المرة، بين كل طرف ونقيضه، ونحن نعلم أن مليشيا بدر، برئاسة هادي العامري، قد انفصلت عن المجلس الأعلى وغدت نقيضه، وأن مليشيا عصائب أهل الحق، برئاسة قيس الخزعلي، انفصلت عن التيار الصدري، وأصبحت نقيضه! وهكذا بالنسبة لمليشيات وعصابات أخرى.
جاءت محاولات هيمنة مليشيات بدر وعصائب أهل الحق وغيرها على التظاهرات، بهذه الطرق الملتوية، للقضاء عليها، أو حرفها عن سبيلها، وهذا سيتيح المجال أمام القوى الأخرى، كالصدريين الذين يشعرون بالتهديد من العصائب، القيام بالنزول إلى الشارع أيضاً، وستكون فرص الاصطدام قوية لا محالة، بين هذه الأطراف المتصارعة على السلطة والمال والهيمنة من خلال النفوذ الإيراني. وفي المقابل، سيهدد نزول مليشيا بدر المجلس الأعلى، فينزل المجلسيون أيضا إلى الشارع. وهكذا، لكل طرف نقيضه، ما سيعمل على تفجير الوضع وغرق البلاد في الفوضى العارمة، أكثر مما حصل. ولن يقتصر الأمر على العاصمة بغداد، بل سيقود الأمر، لا سمح الله، إلى اشتعال الأوضاع في مناطق الشيعة في كل العراق. ستفشل الحكومة لا محالة، كونها ضعيفة جدا، ولم يستطع العبادي السيطرة على الموقف حتى الآن، إذ لا يعرف ماذا يعمل. هذا إن استطاع الحفاظ على حياته، والرجل تنقصه مؤهلات القيادة، وتنقصه الشجاعة في صنع قرارات حاسمة، فهو فاشل في قيادة دولة فاشلة. ويتربص به رئيس وزراء سابق، اسمه نوري المالكي، طامع بإرجاع سلطته بأي ثمن. والاثنان ينتميان إلى حزب الدعوة الذي ثبت فشله في أهدافه وأساليبه وحكمه العراق والعراقيين. ولكن، ليس معنى هذا أن الآخرين أفضل منه.
الصورة سوداء ومأسوية الآن. طهران تحكم العراق اليوم، وجاءت التظاهرات كي يستغلها خصوم السلطة والطامعون بها من عملاء إيران، أمثال المالكي والخزعلي والعامري، وعلى العراقيين أن يدركوا ماذا يصنعه هذا النظام الحاكم.
واليوم، تولّد طرف آخر أسوأ بكثير من المالكي، ممثل يالمليشيات التي تسعى، جاهدة، إلى تمزيق الشيعة العراقيين. وعليه، ثمة رؤية جديدة تقول إن “الحرب القادمة أهلية، شيعية شيعية، بإدارة أطراف إيرانية تتصارع فيما بينها على النفوذ”. وتخشى مرجعية النجف على نفوذها الذي تتهددّه إيران بشكل سافر وعلني ومفضوح، وإيران تمتلك القوة العسكرية، في حين تمتلك مرجعية النجف القوة المعنوية، بامتلاكها النفوذ الكبير على جماهير الشيعة في العالم، في حين ارتبط أغلب الشيعة العراقيين بالمليشيات المرتبطة بإيران.
يشارك في التظاهرات أغلب التيارات السياسية من ليبراليين ووفاقيين وشيوعيين وساسة وطنيين علمانيين وناس عاديين، وكانت أساليبهم إلى الآن سلمية، ولم ترفع سقف مطاليبها أمام الحكومة التي لم تتخذ بعد أية قرارات فاعلة، كونها عاجزة تماما عن النجاح. يقال إن اجتماع الرئاسات الثلاثة انعقد قبل يومين، وكان المالكي معارضاً للتظاهرات بشدة، وقال للعبادي بالحرف: “ذهب الحِلم وأزف الحزم”، وحرّضه على ضرب التظاهرات وقمعها، بل اتهم النازحين السنة بالتظاهرات في بابل، وهو اتهام غير واقعي، سخرت منه بقية الرئاسات. وإذا كان هذا موقف حزب الدعوة من التظاهرات، فقد عارضها أيضا همام حمودي، القيادي في المجلس الأعلى للثورة الإسلامية (من جماعة الحكيم). ولكن، لأسباب مختلفة! والبادي أن الحدث سيهيئ الجو لتصفية الحسابات، علنا هذه المرة، بين كل طرف ونقيضه، ونحن نعلم أن مليشيا بدر، برئاسة هادي العامري، قد انفصلت عن المجلس الأعلى وغدت نقيضه، وأن مليشيا عصائب أهل الحق، برئاسة قيس الخزعلي، انفصلت عن التيار الصدري، وأصبحت نقيضه! وهكذا بالنسبة لمليشيات وعصابات أخرى.
جاءت محاولات هيمنة مليشيات بدر وعصائب أهل الحق وغيرها على التظاهرات، بهذه الطرق الملتوية، للقضاء عليها، أو حرفها عن سبيلها، وهذا سيتيح المجال أمام القوى الأخرى، كالصدريين الذين يشعرون بالتهديد من العصائب، القيام بالنزول إلى الشارع أيضاً، وستكون فرص الاصطدام قوية لا محالة، بين هذه الأطراف المتصارعة على السلطة والمال والهيمنة من خلال النفوذ الإيراني. وفي المقابل، سيهدد نزول مليشيا بدر المجلس الأعلى، فينزل المجلسيون أيضا إلى الشارع. وهكذا، لكل طرف نقيضه، ما سيعمل على تفجير الوضع وغرق البلاد في الفوضى العارمة، أكثر مما حصل. ولن يقتصر الأمر على العاصمة بغداد، بل سيقود الأمر، لا سمح الله، إلى اشتعال الأوضاع في مناطق الشيعة في كل العراق. ستفشل الحكومة لا محالة، كونها ضعيفة جدا، ولم يستطع العبادي السيطرة على الموقف حتى الآن، إذ لا يعرف ماذا يعمل. هذا إن استطاع الحفاظ على حياته، والرجل تنقصه مؤهلات القيادة، وتنقصه الشجاعة في صنع قرارات حاسمة، فهو فاشل في قيادة دولة فاشلة. ويتربص به رئيس وزراء سابق، اسمه نوري المالكي، طامع بإرجاع سلطته بأي ثمن. والاثنان ينتميان إلى حزب الدعوة الذي ثبت فشله في أهدافه وأساليبه وحكمه العراق والعراقيين. ولكن، ليس معنى هذا أن الآخرين أفضل منه.
الصورة سوداء ومأسوية الآن. طهران تحكم العراق اليوم، وجاءت التظاهرات كي يستغلها خصوم السلطة والطامعون بها من عملاء إيران، أمثال المالكي والخزعلي والعامري، وعلى العراقيين أن يدركوا ماذا يصنعه هذا النظام الحاكم.
سيار جميل
صحيفة العربي الجديد